تحولت التظاهرات التي دعا إليها حزب الله وحركة أمل ضد المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، إلى حمام دم. وعادت مشاهد الحرب الأهلية إلى المنطقة التي انطلقت منها شرارتها قبل أكثر من 4 عقود، بعد اشتباكات اندلعت في ظروف بدأت مخابرات الجيش التحقيق بشأنها. وسط توتّر سياسي وصل الى مستوى خطير الأسبوع الماضي، تحوّلت تظاهرة دعا اليها حزب الله وحركة أمل التي يتزعّمها رئيس البرلمان نبيه برّي، تنديداً بأداء المحقق العدلي طارق البيطار فيما يتعلّق بقضية انفجار مرفأ بيروت، الى حرب أهلية مصغّرة في بيروت، وتحديداً في منطقة الشياح - عين الرمانة، التي شهدت انطلاق الشرارة الأولى للحرب الأهلية، مما أدّى الى سقوط 6 قتلى وإصابة 32 . ومع بدء تجمّع أنصار الثنائي الشيعي، أمام قصر العدل، حاملين أعداداً كبيرة من أعلام الحزب والحركة، إضافة الى إطلاق شعارات معادية لرئيس «القوات» سمير جعجع، جرى إطلاق نار لم يُعرف مصدره، في منطقة الطيونة التي تضم مكتب البيطار، ما لبث أن تحوّل الى اشتباكات لساعات بين مجموعات مسلحة في عين الرمانة والشياح، استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة وقاذفات الـ B7، في حين أكدت معلومات وجود قناصين على أسطح العمارات. 4 ساعات وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بأن إطلاق النار الكثيف بين عين الرمانة والشياح، استمر 4 ساعات متواصلة، وأظهرت مقاطع مصوّرة أن الدفاع المدني أخلى عدداً من العائلات المحاصرة في أحد المباني، الذي كان تعرّض لإطلاق نار كثيف في الطيونة. وأفيد عن تكسير عدد من السيارات في منطقة بدارو، وسط انتشار أمني كثيف لقوى الأمن الداخلي والفوج العسكري لقوة المغاوير في محيط قصر العدل. مولوي وفي مؤتمر صحافي عقده بعد اجتماع طارئ لمجلس الأمن المركزي، قال وزير الداخلية بسام مولوي إن «الإشكال بدأ بإطلاق النار من خلال القنص، وأصيب أول شخص في رأسه، وهذا الأمر غير مقبول، وإطلاق النار على الرؤوس يعد أمرا خطيرا جدا». وقال مولوي إن «منظمي التظاهرة أكدوا لنا سلميّتها، والجريمة التي حصلت كانت في استعمال القنص، وفوجئنا بأمر خطر هو إطلاق النار على الرؤوس، وسنطلب من السياسيين اتخاذ الإجراءات اللازمة بالسياسة وخارجها لضبط الوضع، لأن تفلّته ليس من مصلحة أحد». وأضاف أن «السلم الأهلي ليس للتلاعب وتفلّت الوضع ليس من مصلحة أحد». قيادة الجيش وكانت قيادة الجيش، قد أفادت في بيان، أنه خلال توجّه محتجين الى منطقة العدلية تعرّضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة - بدارو، وقد سارع الجيش الى تطويق المنطقة والانتشار في أحيائها وعلى مداخلها، وبدأ تسيير دوريات، كما باشر البحث عن مُطلقي النار لتوقيفهم. وأعلنت أن "وحدات الجيش المنتشرة ستطلق النار باتجاه أي مسلح يتواجد على الطرقات، وباتجاه أي شخص يقدم على إطلاق النار من أي مكان آخر". بدورها، باشرت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، إجراء تحقيقات ميدانية بشأن الاشتباكات، وتحديد هوية المسلحين الذين شاركوا بإطلاق النار وتوقيفهم. ملامح الخلاف وحتى السّاعة، لم تتضح ملامح الخلاف، إلا أن شهود عيان من طرف الثنائي الشيعي، أعلنوا أنّهم كانوا يمرّون بسلام من عين الرّمانة لينهال عليهم الرصاص، وفي المقابل هناك شهود عيان آخرون يقولون إن المفتعل الأوّل للأحداث كان المتظاهرون من حزب الله و«أمل»، اللذين أظهرت فيديوهات مسلّحيهما يطلقون النار بكثافة في اتجاه عمارات بعين الرمانة. أمّا الصحافيون والمراسلون الموجودون في موقع الحدث، فأوضحوا أن الأمور كانت طبيعية، لكن فجأة تحوّل الأمر إلى ساحة حرب بين أطراف مجهولة، فلم يعلموا مَن يصوّب على مَن، مشيرين إلى أن «قناصين مجهولين أطلقوا الرصاص على التظاهرة، لكن يبدو أن الطرفين كانا - فيما يبدو - على أهبة الاستعداد لهذه المواجهة». ويتهم حزب الله وجمهوره عناصر «القوّات اللبنانية» بالهجوم عليهم وهم يمرّون من عين الرّمانة، وبأنّهم هم مَن افتعلوا الاشتباك، لكونهم كانوا يمرّون من المنطقة تجاه قصر العدل، مستندين إلى خطاب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أمس الأول، حين دعا «الى الاستعداد إذا أراد الفريق الآخر استعمال وسائل أخرى»، وقال: «الشارع سيقابله شارع». الحزب والحركة وفي أول اتهام رسمي صريح، قالت قيادتا حزب الله و«أمل»، في بيان، إن المشاركون في التظاهرة ضد البيطار تعرّضوا لـ «اعتداء مسلح من قبل مجموعات من حزب القوات اللبنانيه التي انتشرت في الأحياء المجاورة وعلى أسطح البنايات ومارست عمليات القنص المباشر للقتل المتعمد، مما أوقع هذا العدد من الشهداء والجرحى». وأضاف البيان: «إن حزب الله وحركة أمل، إذ يدينان ويستنكران هذا العمل الإجرامي والمقصود، الذي يستهدف الاستقرار والسلّم الأهلي، يدعوان الى تحمّل الجيش والقوى الأمنية مسؤولياتهم في إعادة الأمور الى نصابها وتوقيف المتسببين في عمليات القتل والمعروفين بالأسماء والمحرّضين الذين أداروا هذه العملية المقصودة من الغرف السوداء، ومحاكمتهم وإنزال أشد العقوبات بهم». وكانت الحركتان قد دعتا أنصارهما، في بيان سابق، الى ضبط النفس وعدم الانجرار الى «الفتنة الخبيثة». وتقع منطقة الطيونة على خطوط التماس بين الأحياء المسيحية والشيعية في بيروت، حيث كانت جبهة في الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990 وهي في طريقها من الضاحية الجنوبية ذات الغالبية الشيعية إلى قصر العدل، حيث كان من المقرر أن يتم الاحتجاج. «القوات اللبنانية» في المقابل، استنكر جعجع الأحداث، واعتبر أن سببها السلاح المتفلِّت والمنتشر والذي يهدِّد المواطنين في كل زمان ومكان. وقال جعجع في تغريدة: «أدعو رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزيري الدفاع والداخلية إلى إجراء تحقيقات كاملة ودقيقة لتحديد المسؤوليات عمّا جرى». وأضاف: «إن السلم الأهلي هو الثروة الوحيدة المتبقية لنا في لبنان، مما يحتِّم علينا المحافظة عليه برموش العيون، لكن ذلك يتطلب منا جميعا التعاون للوصول إليه». وأشار رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية»، شارل جبّور، إلى أن «ما يحصل اليوم نتيجة مباشرة للتعبئة والتحريض المتواصلين منذ 4 أشهر بدأهما الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله». ولفت إلى أن «لدى حزب الله معلومات تؤكد أن القرار الظنّي الذي سيصدره المحقق العدلي القاضي طارق البيطار يتضمن اتهاماً للحزب بشأن قضية انفجار المرفأ». بدوره، أشار عضو تكتل «الجمهورية القوية» (قوات)، النائب عماد واكيم، إلى أن «المواجهات التي انطلقت ليست بين حزب وحزب، وليست بين طائفة وطائفة أو منطقة ومنطقة، وإنما مواجهة بين حزب الله وما تبقى من لبنانيين أحرار من كل الأطياف، حفاظاً على ما تبقى من مؤسسات الدولة، وصوناً لها من هيمنة الحزب»، مضيفاً: «إنها حفاظ على العدالة». عون وأعلنت الرئاسة اللبنانية أن رئيس الجمهورية ميشال عون أجرى اتصالات مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري الدفاع والداخلية وقائد الجيش، وتابع معهم تطورات الوضع الأمني. وفي كلمة ألقاها خلال حضوره قسم الأعضاء الـ5 الجدد في مجلس القضاء الأعلى بقصر بعبدا الرئاسي، اليمين أمامه، شدّد عون على «دور مجلس القضاء الأعلى في عمل السلطة القضائية المستقلة، وعلى ضرورة عدم التجاوب مع أي ضغوط يمكن أن يتعرضوا لها، وأن يكون أعضاء المجلس فريق عمل موحدا ومتضامنا». ميقاتي من جهته، دعا رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الجميع الى الهدوء وعدم الانجرار وراء الفتنة لأي سبب كان. وأكد «أن الجيش حامي الوطن ليس شعارا نردده في المناسبات الوطنية، بل هو فعل إيمان يترجمه الجيش كل يوم بتضحيات جنوده وشجاعتهم وحكمة قيادتهم، وهذا ما تجلّى اليوم في التصدي للأحداث المؤسفة التي وقعت في الطيونة». وكان ميقاتي قد انتقل الى مقر وزارة الدفاع، حيث اجتمع إلى وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزيف عون، ثم انتقلوا الى غرفة عمليات قيادة الجيش لمتابعة مجريات الأوضاع مع أعضاء مجلس القيادة. «الشيعي الأعلى» واستنكر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، في بيان، بشدة «استهداف المواطنين المدنيين السلميين في كمين مسلح استهدف إزهاق أرواحهم في جريمة موصوفة وعدوان وحشي نحمّل الجيش والقوى الأمنية المسؤولية في كشف المجرمين والمحرّضين والمتورطين في سفك دماء الأبرياء والجهات الجبانة التي تقف خلفهم». ورأى أن «هذه الجريمة هي محاولة لإحداث فتنة لإغراق لبنان في الفوضى والاضطراب». ووصف قرارات المحقق العدلي بـ «المسيسة التي تطمس الحقيقة وتحرف العدالة عن مسارها الصحيح». من ناحيته، أشار المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ أحمد قبلان، في بيان، الى أن «كل دم وفتنة وتهديد للسّلم الأهلي وفلتان أمني وقع على المحتجّين العزّل أو سيقع، هو بعنق السفارة الأميركية والقاضي البيطار الذي يجب عزله وتوقيفه ومساءلته بشدة». واعتبر عضو كتلة التنمية والتحرير، النائب علي بزي، المنتمي الى حركة أمل، أن «ما جرى يهدد السّلم الأمني، ومن شأنه أن يفضح زيف الفريق الذي أطلق النار»، مشيراً إلى أن «القنص مباشرة على الرؤوس بهدف القتل يهدف إلى جرّ البلاد إلى ما لا تُحمد عقباه». أما النائب جميل السيد، فرأى أن «إسرائيل هي الجانب الأكثر ابتهاجاً بما يجري اليوم في شوارع بيروت». فرنسا وفي ردود الفعل الدولية، قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أمس، إنه لا بدّ أن يكون القضاء اللبناني قادرا على التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بطريقة مستقلة ومحايدة. من جانبها، أعربت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتسكا، عن قلقها من أحداث العنف، ورأت أنه «في هذا المنعطف من المهم ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وضمان عودة الهدوء وحماية المواطنين». وفي القاهرة، أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد حافظ بأن "مصر تتابع بقلق بالغ تطورات الوضع فى لبنان، وتأسف لما شهدته الساحة اللبنانية من أحداث"، داعياً «كل الأطراف اللبنانية إلى ضبط النفس، والابتعاد عن العنف، تجنباً لشرور الفتنة، وإعلاء المصلحة الوطنية العليا للبنان». وفي بغداد، قال الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، في تغريدة «على الأخوة في حركة أمل، وحزب الله، والطوائف اللبنانية ترك الخلافات والاقتتال الداخلي، لأن في ذلك إضعافا للصف الوطني وقوة للاستعمار». درس أول في الرعب! وسط الفوضى والخوف العارم الذي اجتاح بيروت، أمس، بسبب الاشتباكات المسلحة، رصدت وسائل التواصل الاجتماعي لقطات محزنة لحالة الأطفال في المدارس، خلال تبادل إطلاق النار. وشهدت مدارس عدة، في محيط منطقة الاشتباكات في العاصمة اللبنانية وضواحيها، حالة رعب بين التلاميذ. وأظهرت لقطات مصوّرة من إحدى مدارس منطقة فرن الشباك، أطفالا متجمعين مذعورين من أصوات إطلاق الرصاص داخل صفوفهم يحتمون تحت الطاولات، وفي الممرات الآمنة داخل مدرستهم. وانتشرت الصور «المؤلمة» للأطفال على وسائل التواصل، بينما انتقد العامة الوضع الذي وصل إليه البلاد. وكتبت إحدى رواد «تويتر» تعليقا على الصورة: «بحرب الكبار شو ذنب الأطفال... يارب احمي لبنان وشعبه من الفتن». أما رامي صعب، فعلّق قائلاً: «هالصورة ذكرتني بفيلم لبناني واقعي قديم «West Beirut» بأسف إنو صرنا في 2021 وهل كم من الرعب اللي عم نعيشو والأطفال شو ذنبن؟ ذنبن الوحيد إنو خلقو بهيك بلد». وكتب شخص آخر: «مؤسف أن مثل هؤلاء الأطفال تكون ذكريات طفولتهم مرعبة بهذا الشكل. اللعنة على حزب الله الذي دمر لبنان، وجعله بهذا الشكل المخزي والمتجرد من الإنسانية والكرامة».
مشاركة :