يمثّل خالد الداموك القاص الذي فاز بجائزة رواق السرد بنادي جدة الأدبي للقصة القصيرة 2021م، نموذجاً للكاتب والقاص الذي يشتغل على أدواته، ويسعى لأخذ موقعه في المشهد الثقافي. وقد كان لـ»الرياض الثقافي» هذا الحوار معه. مُبارك لكم الفوز بجائزة رواق السرد للقصة القصيرة 2021م، ماذا تود أن تقول بهذه المناسبة؟ أولاً: سأحمد الله على هذا الفوز الثمين لكونه من جهة أدبية رصينة، ولكونه جاء من بين أكثر من مئة عمل قصصي لأسماء مهمة في هذا الفن. ثانياً: سأشكر القائمين على الجائزة على هذه التظاهرة التي ستسهم في إبراز أهمية فن القصة القصيرة وستحرك كُتابها والراكد في أجوائها. ما القيمة الأدبية والتأثير التي تمنحها الجوائز الأدبية للأدباء؟ في المرتبة الأولى هي قيمة معنوية، والمعنوية هنا ليست ذات شأن قليل إذا ما أردنا الحديث عنها، وترتبط بأهمية الأدب ووجوده في حياة الإنسان خصوصاً في وقتنا الحاضر؛ فالجوائز على صعيد المبدع تشكل دافعاً ومحفزاً ومرسخاً لقناعاته، أما على الصعيد العام فهي تُشعر المجتمع بتقدير الأديب الذي يُعد تقديره تقديراً لذواتنا وتراثنا وحضارتنا. كيف تصف واقع القصة القصيرة السعودي خصوصًا والعربي عمومًا؟ فن القصة القصيرة السعودي بدأ يقدم ما لديه ويُظهر المخبوء وينتج لنا ساردين من عالمٍ مختلف عما عرفناه في فن القصة. مختلف عن كافة المدارس، مختلف موضوعياً، مختلف بطرحه، مختلف بحبكته، مختلف بلغته، ويكاد يشكل شخصية قصصية سعودية حتى أنك تستطيع بعد قراءة قصةٍ ما أن تعرف بأن كاتبها سعودي. وأنا لا أتحدث فقط عن فضاء القصة أو ما قد يفضح سعوديتها، بل عن المنهجية الاستثنائية التي يكتبون بها. فهم أسبغوا على القصة القصيرة طابعاً يكشف عن ثقافتهم المحافظة والتأثر بطرق التفكير والبحث السائدة في العلوم الدينية التي تخرجوا في مدارسها على مدى عقود فانعكس على منهجية كتابة القصة في السعودية. أما على مستوى الوطن العربي فأعتقد أن القصة متأخرة أو أنها تقع في المأزق المستقبلي للقصة السعودية الذي ذكرته قبل قليل والمتمثل في استنفاد المواضيع والثيمات وسقوط الغموض والجاذبية عنها، مأزق التجديد وخلق العوالم الإبداعية المواكبة لزمنها وكسر الرتابة بعد أن يعتاد الناس على نمط إبداعي اجتماعي معين. وأنا لا أقول ذلك تحيزاً أو لعدم اطلاعي على التجارب العربية، ولكن هذا الرأي موجود لدى الكثير من الباحثين والنقاد العرب والسعوديين والمهتمين والمتابعين للقصة، وقد سألت يوماً أستاذنا الكبير وعراب القصة العربية جبير المليحان لكونه صاحب تجربة واسعة ومطلع على الإبداع القصصي العربي قائلاً له: من هو البلد الأول في كتابة القصة القصيرة على مستوى الوطن العربي؟ فأجابني بلا تردد: السعودية. ككاتب قصة له مشوار طويل، ما الرؤية التي يتبناها تجاه القصة القصيرة؟ لستُ متأكداً إذا ما كانت صفة (مشوار طويل) تناسب تجربتي القصصية أو حتى لو أضفنا لها الروائية، ولكني أشكر لك هذه الصفة التي رفعتني بها بلطفك المعهود، فقد كتبت قرابة المئة قصة قصيرة وهي لا تُعد بنظري مشواراً طويلاً إذا ما استحضرنا ثقل العمل السردي وما يريد المبدع قوله والخلفية الثقافية التي يمتح منها أفكاره، وعليه فإن تجربتي ما زالت في بداياتها. أما رؤيتي وقصتي فهي الإنسان، عملي يتمحور حول الإنسان بشكلٍ مجمل ولكنها هذه الدائرة قد تضيق كلما تعمقنا فيها وقد تتسع كلما وسعناها، فعن الإنسان بشكلٍ عام أكتب، ثم يمكن أن تضيق الدائرة لتكون عن الإنسان العربي، ثم عن الإنسان الخليجي، ثم عن الإنسان السعودي، ومن خلال هذه الدوائر أتحرك توسعاً أو تضيقاً. وهذا الكائن المفجع والمفرح والمأساوي والأخلاقي قادر بكل تناقضاته على صناعة الدهشة فينا. كل ما ينضوي تحت الإنسانية ملهم بالنسبة لي ويجب الكتابة عنه. أشعر في كثيرٍ من الأحيان أنني كقاص لستُ سوى مرآة يستطيع بها الإنسان أن يرى نفسه، وأن ما أقوم به ليس عملاً مميزاً أتفرد به ولكنه نتاج مجتمع يحمل أرتالاً من التراكمات الثقافية المسكوت عنها وإذا لم أكتبها فسيكتبها غيري. كيف ترى تعاطي النقاد والمتابعين مع ما تكتبه في المجال السردي؟ على الصعيد الشخصي جيد، وأنا لا أقول ذلك مجاملةً كما أني لا أريد أن أكون مجحفاً، بل إني ألتمس لهم العذر في زمنٍ وقعوا فيه تحت مقاصل اتهامية جعلت تقصيرهم صورةً نمطية وتهمةً جاهزة لا يستطيعون الإفلات منها. كما أن وصفي له بالجيد لا يُزيح عن عاتقهم أعباء القيام برسالتهم التي اختارتهم لها الحياة وأجلستهم في صدر مجالسها الأدبية. القصة القصيرة إذا ما تحدثنا عن النقاد بشكلٍ عام وليس على صعيدٍ شخصي، سُلبت الاهتمام بأيدي الفنون الأخرى كالرواية والقصة القصيرة جداً والشعر، إنها أقل الفنون التي ذكرتها تناولاً ودراسةً من قبل النقاد. وبعيداً عن الخوض في غمار الفنون الثلاثة المذكورة ومسببات استحواذها على اهتمام النقاد أكثر من القصة القصيرة، إلا أني أود تذكيرهم بأنهم هم من وصموا القصة القصيرة بالنخبوية، فإذا لم يكتبوا عنها لكونهم النخبة ويظهروا جمالياتها للعامة فمن سيفعل ذلك؟! أنا في هذا الموضوع لا ألوم ناقداً بل على العكس، كثيراً ما أرأف لحالهم وواقعهم تحت المقاصل والاتهامات الجاهزة ومعمعة العمل الكبير الذي يقع عليهم في خضم منتج ضخم بات يصدر سنوياً بمئات الكتب في مختلف الفنون، وهم ليسوا سوى بشر مثلنا تجذبهم الميول والاهتمامات ويغريهم الحضور والظهور. ولكن حقاً لقد تسبب إهمالهم للقصة القصيرة في فجوة لا بد أن يسدوها ويسترجعوا فيها دورهم النقدي. كلمة أخيرة ؟ أشكر لكم إتاحة الفرصة لي للتعبير عن رأيي في القصة القصيرة ولقد ساعدتموني حقاً في مراجعتها من بعيد والنظر إليها بحيادية، كما أشكر مجدداً نادي جدة الأدبي ورواق السرد على هذه الجائزة التي بدأت تستحوذ على اهتمام كتاب القصة في السعودية متمنياً لكم ولهم التوفيق في المستقبل. السـيرة الذاتيـة الاسم: خالد سعيد الداموك قاص وروائي سعودي من مواليد الرياض (1977م). بكالوريوس في اللغات والترجمة تخصص لغة إسبانية/ جامعة الملك سعود. أول قصة قصيرة نشرت له في جريدة الرياض عام 1996م. اختارت وزارة الثقافة قصته (الموتى لا يتحركون في الصور) لنشرها في جهاز القصة القصيرة الموزع في أماكن عامة. اختارت وزارة الثقافة قصته (أمي والكارثة الكونية) لترجمتها ونشرها في كتاب يحتوي نماذج للقصة السعودية. حاصل على جائزة رواق السرد المركز الأول 2021م من نادي جدة الأدبي عن قصة (مسرحية المدرج). صــدر لـــه: (حصة بنت الجيران) قصص قصيرة (2015م). (كتابات لا تعرفينها) كتاب الكتروني (2016م). (المجنون رقم أربعة) قصص قصيرة (2018م). (قصة قصة) قصص قصيرة (2021م). (الحوت) رواية (2021م). (البحث عن بطل) رواية (2021م).
مشاركة :