مصر: فجوة ثورية جديدة بين الكبار و«شوية العيال»

  • 12/2/2013
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عادت العلاقة بين العجائز والشباب لتكون تحت المجهر الشعبي. هذه العلاقة التي مرت بأطوار وأحوال وأوضاع على مدى عقود طويلة في تاريخ مصر الحديث قوامها تبعية الصغار للكبار، وأحقية الكبار في القيادة والريادة إلى أن يقضي الله أمراً كان مكتوباً، وسطوة الكبار وهيمتنهم على مناحي الحياة والعباد والبلاد على رغم أنف الصغار. أما الإطار فقد ظل محدداً بعلاقة الأبوة التي لا يصح فيها انتقاد الصغير للكبير حتى وإن كان نقده بناء، ولا يتاح له أيضاً أن يدلي بدلوه مهما كان قيماً، فقد بقيت النظرة لعقود على أنهم «شوية عيال». وظل الوضع على هذه الحال إلى أن اندلعت ثورة يناير برياحها وربيعها، ووقف الكبار شهود عيان على تغيير ملامح الحياة وقلب معالمها رأساً على عقب، بينما «شوية العيال» يكتبون تاريخ مصر الحديث. وسقط النظام (أو هكذا ظن بعضهم) وتغيرت مصر (أو هكذا تمنى بعضهم) فتغيرت النظرة وتبدلت الفكرة، وبات «شوية عيال» الأمس أطهر شباب مصر وأعظم من أنجبت وأفضل من ربت. ومع بزوغ نجم شباب الثورة، وتغيير الصورة النمطية من الشاب المتبلد إلى الشاب الوطني العارف ببواطن الأمور والعالم بشؤون الوطن ومكامن المواطنين، بات الجميع يدرك أن الشباب هم من مدوا لهم يد العون وأخرجوهم من غياهب فساد نظام الرئيس السابق حسني مبارك إلى رغد شعار «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية». وعاش الجميع في شهر عسل قصير، يدين فيه الكبار للصغار بحياة جديدة مشرقة على الأبواب، ويتبوأ فيه الصغار مكانة بارزة في القلوب ومنصات «التوك شو». لكن شهر العسل لم يطل كثيراً، فقد استمر الشباب على نهجهم الثوري التظاهري الغاضب في وقت بدأ الكبار يتوقون فيه إلى استقرار الأوضاع وهدوء الأحوال. وبدت مظاهر الانشقاق وأمارات الخلاف تدب مجدداً بين الأجيال. فالنهج الثوري المستمر لا يتناسب وشعب منهك لا يقوى على استمرار التظاهر وإكمال الهـدم من أجل البناء على جذور سليمة نظيفة. وبدأت مرحلة جديدة مع تمكن «الناس بتوع ربنا» من شؤون البلاد وأمور العباد، واستمر الشقاق وتعمق الخلاف، إذ انصاع الشباب ممن لديهم هوى إخواني أو ميل كاره لليبرالية أو كراهية كامنة تجاه العلمانية للأهل والعشيرة تاركين شباب الثورة الأصليين لزخمهم الثوري المكبوت شعبياً. ومضى عام من حكم الإخوان، أكد خلاله الدكتور محمد مرسي أن الشباب في القلب، وبدأ خلاله أيضاً شباب الأهل والعشيرة الإخوانية التصدي لكل من تسول له نفسه من الشباب الاعتراض على الدكتور مرسي، أو انتقاد المرشد، أو رفض حكم التنظيم لمصر الثورة. وعادت مصر الثورة تتجلى مجدداً مع نهاية عام من حكم الأهل والعشيرة، وأبدع الشباب مجدداً عبر «تمرد» التي قادت شعلة أحداث 30 حزيران (يونيو)، وهو ما أعاد جانباً كبيراً من ثقة الكبار المفقودة في الصغار. لكن الكبار ظلوا محتفظين بقدر غير قليل من التوجس تجاه «تمرد» والشباب بوجه عام. وعلى عكس الموجة الثورية الأولى في 2011، والتي سلم فيها الكبار بعبقرية الصغار إلى أن افترق الفريقان في خضم الزخم الثوري الذي طال، فإن الكبار تعاملوا مع الشباب في الموجة الثانية في 2013 بمنتهى الحذر، وإن كان ذلك لم ينتقص من حجم الامتنان. امتنان الكبار لم ينقطع، وكذلك ثقتهم الكاملة بالشباب وقدرتهم على قيادة دفة الوطن لم ترجع. ومع المضي قدماً في المرحلة الانتقالية الثانية، وتعقد المشهد السياسي وتعثر الوضع الاقتصادي وتشابك الحال الأمنية، طغى القلق على العرفان، وتفوقت الرغبة في اجتياز المرحلة الصعبة بأي طريقة ولو كان ذلك على حساب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. لكن الصغار لا يقلقون كما يقلق الكبار، والصغار لا يحسبون كل كبيرة وصغيرة كما يفعل الكبار. كما أن الكبار لا يحلقون في فضاءات الحلم ومجالات العالم الأفضل كما يفعل الصغار، وهم لا يسلمون بضياع الطريق أو سرقة الثورات، بل قادرون على البدء مجدداً عبر مسار ثوري لا ينضب. لكن ما نضب هو صبر الكبار، والغالبية منهم لم تعد قادرة على المضي قدماً في طريق ثوري جديد أو مسار تصحيحي فريد. لكن يبقى الشباب محتفظاً بقدرته على الحلم ومصراً على البدء من جديد، وهو ما يرفضه الكبار. المتوقع هو مواجهة جديدة بين الجيلين، جيل فقد إيمانه بالشباب أو بالأحرى عمل على أن يفقد إيمانه بالشباب مقصياً إياه ولاغياً لقدراته ومتجاهلاً لابتكاراته، وآخر لم يتمرد فقط على أنظمة حكم وصيغ حياة، ولكنه تمرد على عدم قدرة الكبار على التمرد محاولاً إقناعهم بأن «وجع ساعة ولا كل ساعة»، وأن إعادة البناء على أسس سليمة أفضل ألف مرة من استمرار البناء على قواعد مهلهلة، ومن ثم استدعاء الهدم وإعادة البناء وهكذا. لكن تبقى الفجوة عميقة بين كبار كلوا انتظار نتائج ثورة لم تكتمل، وصغار يعلمون أن النتائج لن تأتي إلا بشق الأنفس. وتتسع الفجوة بين كبار أنهكتهم عجلة إنتاج لم تتحرك على مدار ثلاث سنوات مضت واستقرار عجز عن التحقق وموارد شحيحة أوشكت على النفاد وبين صغار لا تعنيهم كثيراً مسألة العجلة أو حكاية الاستقرار، فهم بعيدو النظر لا يعنيهم الحاضر بقدر اهتمامهم بالمستقبل ولا يفكرون كثيراً في الكلفة الآنية لأن أرباح الغد مضمونة. تعود العلاقة بين العجائز والشباب لتصبح تحت مجهر التفنيد الشعبي. عاد الشباب إلى التظاهر ضد قانون التظاهر، ومعارضة نصوص بعينها في الدستور، وعاد الكبار إلى سابق تخوفهم وقديم توجسهم. والمطلوب هو أرض مشتركة تجمع بين أحلام الشباب المحلقة ومشكلات الكبار المحدقة، وإلا غافل فريق ثالث كلاهما وقفز مجدداً على البلاد والعباد.    

مشاركة :