أنتجت الفيزياء النظرية عدة تصورات بشأن نشأة الكون، غير أن اهتمام عالمة الفيزياء الفلكية كاتي ماك انصب على سيناريوهات نهايته، لكن عوامل بشرية قد تتسبب في نهاية الحياة على كوكب الأرض قبل نهاية الكون المفترضة بكثير. إذا انطلقنا من فرضية أن للكون بداية، فلا يمكن استبعاد فرضية أن تكون له نهاية أيضًا. وحسب المعطيات والمعارف العلمية المتوفرة حاليا، فإن هذه النهاية قد تتبع سيناريوهات، حاولت عالمة الفيزياء الفلكية كاتي ماك وصفها بدقة في كتابها "نهاية كل شيء" التي ظهرت مؤخرا نسخته الألمانية ولقي اهتماما كبيرا من قبل الصحف والمجلات العلمية في ألمانيا، وإن كان صدى الكتاب قد وصل إلى ألمانيا أيضا حين صدور النسخة الإنجليزية. ورغم أنها لا تتوقع نهاية سعيدة لكل ما هو موجود، فإن كتابها يستحف القراءة لأن نهاية الكون في تصورها، قد تكون مبهرة تماما كما كانت بدايته . وهناك شبه إجماع لدى علماء الفلك على أن سناريوهات نهاية الكون ستتوقف إلى حد بعيد على الطريقة التي سيتطور بها، فإما أن تتسارع حركة توسعه إلى ما لا نهاية أو تتباطأ أو تتوقف نهائيا، ووفقا لهذه الحالات يمكن تصور نهاية الكون كما نعرفه اليوم . ففي حالة توقف الكون عن التوسع، فإن السيناريو الأكثر احتمالا هو حركة معكوسة لما يسمى بـ"الانفجار العظيم" وبالتالي انهيار شامل لكل ما هو موجود بما في ذلك الزمان والمكان وهو ما أسماه العلماء بسيناريو "السحق الشديد " (Big Crunch) . غير أن عددا من علماء الفلك لا يرجحون هذا السيناريو، خصوصا بعد ما تم اكتشاف توسع الكون بشكل متسارع بسبب تأثير الطاقة المظلمة. وهذا معناه أن كل شيء في الكون سينطفئ تدريجيا بما في ذلك النجوم والثقوب السوداء بفعل البرودة الحتمية. وهذا ما يصطلح عليه أيضا بـ"الوفاة الحرارية" للكون، التي قد يحدث إما تدريجيا أو على شكل انفجار كوني عظيم (Big Rip) أو "الفتق الكبير ". نظرية "الانفجار العظيم" مرجعية علم الفلك المعاصر يمكن القول أن "الانفجار العظيم" هو أفضل اجتهاد نظري لتفسير نشأة الكون انطلاقا من المعارف العلمية. وتفترض هذه النظرية أن الكون نشأ من جزيء صغير بالغ الكثافة قبل حوالي 13.8 مليار سنة. ولأنه من الصعب العودة إلى لحظة الولادة، فإن علماء الفلك طوروا معادلات ونماذج رياضية تسعى لمحاكاة اللحظات الأولى لتلك الولادة. وإذا كان "الانفجار العظيم" هو النظرية المرجعية والمعيارية التي يعتمدها علم الفلك المعاصر، فإن هناك نظريات منافسة أقل انتشارا مثل نظرية "التضخم الأبدي" أو نظرية "الكون المتذبذب ". ويعتبر علماء الفلك نظرية "الانفجار العظيم" أفضل مقاربة علمية لحد الآن لتفسير الكيفية التي نشأ بها الكون، نظرية تفترض أنّ حرارته وكثافته كانتا أعلى بكثير ممّا هو الحال عليه اليوم. عاملان استمرا على مدار مليارات السنين في انخفاض تدريجي ومطرد صاحبا توسع الكون بشكل متوازي في جميع الاتجاهات انطلاقا من نقطة مركزية. وعملية التوسع هذه عملية متواصلة، إذ أن الكون كيان دينامي ومتحرك. بمعنى أن البداية انطلقت من نقطة متفردة بالغة الصغر والكثافة وتوسعت بسرعة هائلة، بل ولا تزال تتوسع إلى اليوم في حركة من الصعب حاليا التنبؤ بمداها. وبعد هذا الانفجار الضخم الأولي، قُذفت مكونات الذرة الأولية في الفراغ المحيط بها في دينامية توسع هائلة صاحبتها عملية تبريد تدريجية تكونت على إثرها العناصر الأولية للمادة التي تحولت بدورها إلى نجوم تشكلت في مجرات ضخمة إلى أن تشكل الكون كما نعرفه اليوم . كاتي ماك ـ تصورات مختلفة لنهاية الكون تبدأ كاتي ماك كتابها بفصل يحمل عنوان "مدخل إلى الكون" وآخر حول توضيح نموذج "الانفجار العظيم"، تتبعهما خمسة فصول، يصف كل منها نهاية مختلفة للكون، باعتبارها عدد السيناريوهات الأساسية التي يمكن للفيزياء الحديثة تخيلها حسب المعارف الحالية. وفي النهاية أدرجت آراء بعض علماء الفلك المعروفين بشأن ما يعتقدون أنه السيناريو الأكثر ترجيحا . أحد الاحتمالات كما تم توضيحه أعلاه هو أن زخم "الانفجار العظيم" سيتباطأ في مرحلة ما بفعل جاذبية الكتلة في الكون، ثم يتقلص الأخير مرة في اتجاه معاكس مقلوب وينتهي بما يسمى "السحق كبير". لكن الطاقة المظلمة يمكن أيضا أن تضخم الكون بشكل أكبر وأسرع، بحيث تعزل المجرات نفسها بشكل متزايد عن بعضها البعض إلى أن يموت الكون حراريا في صمت. الطاقة المظلمة يمكن أن تكون أيضا أكثر وحشية وتعمل على تمزيق الكون بقوة متسارعة . وبهذا الصدد أوضحت ماك: "تفكك الفراغ سيكون أكثر السيناريوهات لطفا وإنسانية لنهاية الكون، لأن لا أحد سيرى ذلك، لذا لا داعي للخوف منه، فلن يشعر أحد بما يحدث ولن تكون هناك عواقب كارثية. ولفهم فكرة تفكك أو انحلال الفراغ، لا بد من العودة إلى "حقل هيغز" و"بوزون هيغز"، إذ تعتبر نظريات الفيزياء أنهما يتفاعلان مع جسيمات أخرى، مثل الإلكترونات ما يمنح لها الكتلة. وإذا حدث خطأ ما في هذا المجال، يتوقع بعض العلماء أن النتائج ستكون كارثية على استقرار تماسك الكون . الطاقة المظلمة وقيمة استقرار "حقل هيغز " نهاية الكون بسبب "انحلال الفراغ"، تراه كاتي ماك أن له علاقة بـ"حقل هيغز" المسؤول عن إعطاء الكتلة للجسيمات وبالتالي تحولها إلى مادة، واعتبرت أن هذا الحقل قد يكون غير مستقر. وإذا ما تأكد ذلك فقد يتحول إلى "فقاعة" من شأنها تغيير طبيعة الكون ونواميسه كما نعرفها، وبالتالي فإن الكون قابل للتفكك والاندثار الكلي. وأكدت كاتي أن أي تغير في قيمة "حقل هيغز" سيعني بالضرورة تغييرا في قوانين الفيزياء ما قد يؤدي إلى تلاشي تماسك الجسيمات وبالتالي انهيار وتلاشي كل شيء. في نهاية التسعينيات، أظهرت قياسات دقيقة لانفجارات السوبرنوفا أو "المستعر الأعظم" (وهو حدث فلكي يحدث خلال المراحل الأخيرة لحياة نجم ضخم، حيث يحدث انفجار نجمي هائل يقذف فيهِ النجم بغلافهِ في الفضاء)، أنه لا يوجد تباطؤ في توسع الكون بل العكس تماما فسرعة اتساعه تزداد بشكل مطرد. سلوك يعزيه العلماء لما يسمى بالطاقة المظلمة، وهي قوة غامضة لا تعرف طبيعتها إلى اليوم تخلق ضغطا معاكسا لقوة الجاذبية، ما يعطي للكون قوة تمدد إضافية. والطاقة المظلمة لغز يحير العلماء إذ لا يمكن الحسم حتى فيما إذا كانت قيمتها ثابتة أم أنها تتغير بمرور الوقت، وهو أمر حاسم بالنسبة لنهاية الكون. في الحالة الأولى، الكون يتجه نحو نوع من التجمد العظيم. أما في الحالة الثانية فإن الكون سيكون مهددا بتمزق كبير، حيث ستضمحل فيه المجرات تدريجيا وتموت فيه النجوم، وتتفكك المادة وتتبخر الثقوب السوداء . حاصلون على نوبل يرسمون عشرة سيناريوهات مرعبة في عام 2017 استطلعت مجلة "تايمز هاير إيديكايشن" البريطانية" رأي خمسين شخصية عالمية حاصلة على جائزة نوبل في مختلف التخصصات العلمية بشأن السيناريوهات الأكثر احتمالية لنهاية العالم وبالتالي الحياة كما نعرفها فوق كوكب الأرض، وليس لنهاية الكون. ورسم العلماء عشر سيناريوهات جاءت المخاطر البيئية في مقدمتها، إذ اعتبر 18 عالما أن الانفجار الديموغرافي سيفاقم من تدهور التغير الديموغرافي وبالتالي شروط الحياة طبيعية تضمن توفير الغذاء والماء الشروب والهواء النقي، فيما اعتبر 12 عالما أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو مواجهات نووية بين القوى العظمى. ورأى أربعة علماء أن ظهور أمراض وأوبئة جديدة سيكون على الأرجح سبب فناء الحياة على كوكب الأرض . ومن السيناريوهات الأخرى التي كشف عنها الاستطلاع "أنانية" البشر وانغماسهم في العالم الافتراضي ومواقع لتواصل الاجتماعي التي من شأنها إضعاف الطابع الإنساني. كما ذكر 6% من العلماء "جهل وتهور زعماء العالم" كسبب مرجح قد يدفع العالم إلى حافة الهاوية. كما جاء "الإرهاب" في المرتبة السادسة للسناريوهات الأكثر كوارثية، خصوصا إذا ما تمكن الإرهابيون من وضع أيديهم على أسلحة الدمار الشامل. علماء نوبل ذكروا أيضا "الجهل والتعتيم على الحقيقة"، "الذكاء الاصطناعي"، "الظلم"، و"إدمان المخدرات" كأسباب مرجحة لنهاية عالم كارثية . حسن زنيند
مشاركة :