بعد أزمة عام 2008 المالية وأزمة الديون السيادية الأوروبية عام 2010 يتعرض اقتصاد العالم حالياً لأزمة توعك الاقتصادات الناشئة وخطر انهيارها. وبعد أن خفضت الصين أسعار الفائدة للمرة السادسة مؤخراً بات العالم في حالة قلق متزايد حيال احتمال استمرار ضعف النمو وتدني معدلات التضخم لسنوات مقبلة. ومثل هذه البيئة تضع مؤسسات مالية عالمية عريقة ومنها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في وضع غاية في الصعوبة، وتسلط مزيدا من الضوء على تباين مواقف أعضائه من القضايا الطارئة. ولعل من الضروري جداً أن يناقش المجلس خلافاته على الملأ بدل التمسك بنهجه التقليدي دون أن يحيد عنه. وقد ألزمت الأحداث الأخيرة بنوكاً مركزية كبرى مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا بالاحتفاظ بمعدلات أسعار الفائدة دون تغيير رغم معدلات النمو الثابتة التي تحققها اقتصاداتها منذ سنوات. أما المناطق التي لا يزال أداء اقتصادها ضعيفاً مثل اليابان ومنطقة اليورو فينبغي أن تفكر في خيارات خفض أسعار الفائدة وتحفيز اقتصادها كما فعل ماريو دراغي رئيس البنك المركزي الأوروبي مؤخراً. وقد خضعت معدلات النمو الاقتصادي هذا العام لمزيد من عمليات المراجعة والتخفيض رغم أن دولاً في منطقة اليورو سجلت حالات ارتداد أكثر من مرة. كما خفض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن النمو في الناتج الإجمالي المحلي لعام 2015 أكثر من نصف بالمئة عما كانت عليها توقعاته في الربيع الماضي، في الدول المتقدمة وحتى في غيرها من دول العالم كافة. ومع دخول كل من روسيا والبرازيل في معترك الركود وتخفيض كل من تركيا وجنوب إفريقيا توقعاتهما بشأن النمو، يصبح اعتماد الاقتصادات الناشئة في تحقيق أي انتعاش مقتصراً على الهند والصين. وقد أبدى الاقتصادان العملاقان مؤشرات مشجعة.لكن للأسف أن تلك المؤشرات لا تستند إلى عناصر جوهرية، ما يعني أن الشكوك التي تخامر المحللين حول احتمال أن تكون معدلات النمو الفعلية في الاقتصاد الصيني أدنى من الأرقام المعلنة، مبررة قطعاً. من جانبه قد يكون معدل الناتج الإجمالي المحلي للهند مبالغاً فيه حيث كشفت مؤشرات فرعية عن أن الأرقام المعلنة عن نموه لشهر فبراير/شباط الماضي كانت أعلى بنسبة 2% عما هو عليه حجم النمو الحقيقي. ولا شك أن التأثير الذي يمارسه تباطؤ الاقتصاد الصيني هو صدمة من النوع الذي يكرهه صناع القرار، أي انها صدمة مرعبة لكنها ليست مؤكدة. وعلى رأس قائمة منغصات أداء الاقتصاد العالمي تتربع أرقام معدلات التضخم في مختلف اقتصادات العالم المتقدم خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا والتي لا تتوفر الكثير من الأدلة على مصداقيتها. وقد ظهر التباين للعيان في الولايات المتحدة ولم يعد مقتصراً على أعضاء لجنة الأسواق المفتوحة في الاحتياطي الفيدرالي بل تعداه إلى مجلس محافظي البنوك. وأبدى مؤخراً عضوان في المجلس هما لايل برينارد ودانييل تاروللو، المعينان من قبل الرئيس أوباما شخصيا، موقفا أكثر مرونة من رئيسة المجلس جانيت يلين فيما يتعلق برفع اسعار الفائدة التي لم تكف عن التأكيد بأن المجلس سوف يتحرك قبل نهاية العام الحالي. ولا بد من التنبيه إلى أن على يلين أن تتحرك بحذر. فالخلافات المسلية التي يستعرضها أعضاء لجنة الأسواق المفتوحة ربما تفيد في إدارة السياسة النقدية وهو النهج الذي كان مفضلاً لدى سلفها آلان جرينسبان مع فارق التقييم. لكن خوفاً من أن تظهر بمظهر من يحض بقية أعضاء المجلس على الدفع باتجاه رفع اسعار الفائدة، ينبغي عليها إما أن تعلن صراحة أنها لا تتوقع إجماع مجلس المحافظين على رفع أسعار الفائدة أو تكف عن إطلاق التوقعات دون التنسيق مع أقرب زملائها إليها. ولا تزال أسواق المال الأمريكية تتجاهل رفع أسعار الفائدة في تسعيرها لموسم الربيع المقبل. ويبدو هذا الموقف صحيحاً سواء نتج عن متابعة لما يجري أو عن توقعات لما ينبغي أن يحدث. ونظراً للصعوبات التي تفرضها طبيعة البيانات الصينية والهندية فإن المستقبل لن يكون واضحا مثلما لم يكن الماضي واضحاً أو مؤكداً. أما بالنسبة للبنوك المركزية في الدول المتقدمة فليس هناك ما تخسره في حال ثبت خطأ سياساتها النقدية المرنة. فاينانشل تايمز
مشاركة :