لقد أدَّت العلوم النظرية والتطبيقية إلى سعة مدارك الإنسان ونفاذ بصيرته وتعمقه في معرفة الكثير من أسرار هذا الكون والقوى الطبيعية التي تُسيّره وتتحكم في مركباته بمشيئة الله، ومن أفضل النعم على الإنسان أن الله وهبه العقل للتمييز والتفكير والتدبُّر واستيعاب العلوم والدروس وذلك للتأمُّل في قدرة الله وعظمته. إن تعلمنا وتطبيقنا للعلوم الحديثة تقربنا من الله ومن تفهم ملكوته وقدرته، والله سبحانه وتعالى ذكر ذلك في كتابه الكريم مشيدًا بفضل العلم والعلماء بقوله تبارك وتعالى: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" (فاطر: 28) وقوله عز من قائل: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (الزمر: 10). إن جميع النظريات الحديثة في وصف واستخدام ظواهر الطبيعة والتي تخص قوى الجذب والتنافر والإشعاع من الكتل المادية والشحنات الكهربائية قد قاربت أقصى درجات تطورها ولكن دون الوصول إلى تفهم كنه هذه القوى، وبذلك فإن سرعة الضوء أصبحت هي الحالة الأقصى للسرعات المعروفة للإنسان ومن ثم فقد أصبح من العسير التقدم لإحراز انتصارات فضائية تبلغ بالإنسان الكواكب التي تسير في فلك المجموعة الشمسية، علينا إذن أن نتقدم في هذا المضمار وأن نعمل على التهيئة لاكتشاف نظريات متقدمة تحدث طفرة جديدة في تقدم العلوم مما يمكن ولو نظريا من اجتياز سرعة الضوء، وفي هذا المضمار فإنه يجب أن نؤكد أننا الأمة الوحيدة التي تعلمت ذلك من رحلة الإسراء والمعراج والتي نوقن بمحتواها. إننا يجب أن ندرك أننا منعزلون تماما عما يجري في أي مكان من الكون (أو على الأقل خارج نطاق كوكبنا الأرضي) وأن ما نرى من نجوم وكواكب أخرى في هذه السماء الدنيا لا يصلنا فقط إلا بصيص من ضوئها نابع من حقب زمنية غابرة ولا نستطيع بما أوتينا من علوم حتى أن نتصور مدى غور هذه الأزمنة والذي نقدره ربما بملايين السنين، فهل لنا أن ندرك هذا العجز والانعزالية ونقدر خالق هذا الكون والمهيمن عليه حق قدره وأنه لا بد أن يكون من العظمة والسلطان بحيث لا نستطيع بمحدودية علمنا وقصور إدراكنا أن نتصور عظمته وأنه يجب أن نجتهد حتى نتمكن من التوصل إلى تصور حقيقة هذا الكون فما بالك بخالقه وموجده. إننا إذا فكرنا في هذه الحقائق يسهل علينا استيعاب قول الله تعالى في رغبة موسى النظر إلى جلاله: "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي..." (143)، أيحق علينا بعد تعلم هذه الحقائق أن نغتر بما أوتينا من علم قليل..؟ كلا، إننا لا نعرف إلا القشور والله سبحانه وتعالى يقول: "وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" (الإسراء: 85). إننا نعلم من الدراسات البسيطة لمدارات المركبات الفضائية أن الاحتفاظ بهذه المدارات لا بد له من قوة تستمد من وقود تحمله هذه المركبات وكذلك أجهزة حساسة تقوم بضبط وتصحيح الانحرافات التي قد تنتج من وجود الأجرام الأخرى في الأوقات المختلفة، ومن هذا يتجلى لنا شي عظيم وهو أن الشمس والقمر وكذلك بقية النجوم الأخرى التي لا تعد ولا تحصى توجد في مواقع متزنة كونيا بحيث تحتفظ بمداراتها هذه على مدى الزمن الأزلي الذي لا نسبر غوره ولا ندرك كنهه، وأننا بعلمنا هذا نستطيع أن ندرك معنى الآية الكريمة: "فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ"(الواقعة: 75، 76)، فبعلمنا لهذا القسم يكون إدراكنا لآيات القرآن الكريم وذكر مواقع النجوم الأزلي فيها يتحقق مجددًا بتقدم العلوم والمعرفة مكونة وسيلة متطورة لإبلاغ كلمة الله إلى الناس أجمعين.
مشاركة :