لطالما اعتمدت الدبلوماسية الدولية بصورة تقليدية على المساومة والقدرة على التفاوض وقنوات الاتصال السرية والانسجام الشخصي للزعماء. لكن ووفق ”مايكل أمبول“ أستاذ التفاوض وإدارة الصراع كبير مفاوضي الحكومة السويسرية السابق، فإن ثمة دور متزايد لخوارزميات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرياضية في مساعدة الدبلوماسيين والمفاوضين للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية لبلادهم. وفي مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، قال ”أمبول“ إن التطورات التي جرت مؤخرا في الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي تعني أن هذه التقنيات لديها الآن دور مفيد لتلعبه في الدبلوماسية الدولية، بما في ذلك قمة المناخ المقبلة ”كوب 26“ التي تعقد في غلاسكو نهاية الشهر، وصفقات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشأن التجارة والهجرة. وأضاف ”أمبول“ أن هذه التقنيات تم استخدامها بشكل جزئي بالفعل وهناك استعدادات واتجاهات لاستخدامها على نحو متزايد في المستقبل. وأوضح ”أمبول“ المؤسس المشارك لأول مركز في العالم يسخر العلوم والتكنولوجيا لخدمة الدبلوماسية: ”نريد أن نري كيف يمكن جعل كل ما يتعلق بعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي مفيدًا للدبلوماسية متعددة الأطراف أو الثنائية“. ولفت إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في المفاوضات الدولية لا يزال في مرحلة مبكرة، حيث يستخدم حاليا لتقييم سلامة البيانات واكتشاف الأخبار المزيفة لضمان أن العملية الدبلوماسية لها أسس موثوقة. لكن في المستقبل والحديث لـ“أمبول“، يمكن استخدام هذه التقنيات لتحديد الأنماط في البيانات الاقتصادية التي تدعم صفقات التجارة الحرة والمساعدة في توحيد بعض جوانب المفاوضات. وذكر أن مركز The Lab for Science in Diplomacy الذي أسسه مؤخرا هو تعاون بين المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا وجامعة جنيف، سوف يركز على هندسة التفاوض. حيث يتم استخدام التقنيات الرياضية الحالية مثل ”نظرية الألعاب“ إما للمساعدة في تأطير مناقشة، وإما لعرض وتقييم سيناريوهات مختلفة قبل الانخراط في المحادثات. و“نظرية الألعاب“ هي تحليل رياضي لحالات تضارب المصالح بغرض الإشارة إلى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ قرارات. وأوضح أن هذه الأدوات والتقنيات ليست جديدة. فقد تم تطوير ”نظرية الألعاب“ على سبيل المثال في عشرينيات القرن الماضي من قبل عالم الرياضيات المجري الأمريكي ”جون فون نيومان“. وتابع قائلا: ”ومع ذلك، كانت تلك التقنيات حتى وقت قريب خارج نطاق الاستخدام السائد، ”ليس بسبب نقص التكنولوجيا ولكن بسبب نقص المعرفة“. وعقب: ”الدبلوماسيون ليسوا معتادين على ذلك.“ ولكن عندما يصبح العالم أكثر دراية بالتكنولوجيا وبعلوم البيانات، فإن أولئك الذين يتجاهلون الأساليب الكمية يخاطرون باحتمال إجراء تقييم منتقص. وأكد “ أمبول“ أن عملية التفاوض لا تزال تعتمد إلى حد كبير على عوامل أخرى مثل حجم القوة التفاوضية التي تمتلكها، وما إذا كان لديك مفاوض ماهر، وما إذا كان لديك رئيس وزراء خلفك يدعم المفاوضات الصعبة ومدى استعدادك.“ وفيما يتعلق بالمخاطر المحتملة والنتائج العكسية للاعتماد على تلك التقنيات الجديدة في عمليات التفاوض والمسار الدبلوماسي، حال قيام المنافسين باستخدام أنماط مماثلة، علق ”أمبول“ قائلا: إن تلك التقنيات تكون بمثابة أداة مساعدة لاتخاذ القرار. وأكد: ”لن تخوض حربًا فقط لأن خوارزمية عمياء تقرر ذلك – سيكون حماقة“. وأضاف: ”لا يمكنك الاعتماد عليها بشكل أعمى، لكن لا يمكنك أيضًا الاعتماد بشكل أعمى على الشعور الغريزي لهؤلاء السياسيين“. وختم: ”عليك أن تصنع مزيجًا ذكيًا من التقنيات الجديدة والتحليل السياسي“.
مشاركة :