طهران - (أ ف ب): يرى خبراء أن الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي يفضل التركيز على تحقيق نتائج ملموسة في السياسة الداخلية بدل الملف النووي الذي قد يطول حله. وقد خُنقت إيران ماليا بسبب العقوبات التي فرضت عليها في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة أحاديا عام 2018 من الاتفاق النووي الدولي بعد ثلاث سنوات من إبرامه في فيينا. ولا تزال المفاوضات لإعادة إدماج واشنطن في الاتفاق وتخفيف العقوبات متوقفة. ويرى المختص في الشؤون الإيرانية برنارد أوركيد أن رئيسي «يسافر عبر المحافظات لأنه يريد أن يعطي صورة مسؤول كبير براجماتي يبحث عن حلول على الأرض». ويوضح مؤلف كتاب «الجغرافيا السياسية لإيران» أن «همه الأساسي هو منع أي اضطرابات، وهو يعلم أنه في ظل الوضع الاقتصادي المتوتر، تبدأ شرارات محلية تنتشر إذا لم يتوخ الحذر». وأضاف: «لذلك يجب أن يكون منتبها جدا ويجري زيارات لمراقبة الوضع عن كثب» في البلاد. منذ تنصيبه في أغسطس، اتخذ الرئيس الجديد مقاربة معاكسة لتلك التي توخاها سلفه حسن روحاني الذي ركز إلى حد كبير على الاتفاق النووي. وأوكل رئيسي هذا الملف إلى وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان. ويؤكد دبلوماسي غربي طلب عدم كشف اسمه أنه «يعلم أن الوصول إلى اتفاق حول الملف النووي قد يستغرق وقتا لغياب الإجماع بين المسؤولين عن الملف في إيران»، لذلك «يفضل إثبات نفسه في السياسة الداخلية». ويتابع «إنه تكنوقراطي يريد أن يعطي صورة على الجدية والفاعلية». يجوب إبراهيم رئيسي البلاد في عطلات نهاية الأسبوع. وقال المسؤول المحافظ الذي قضى معظم مسيرته المهنية في القضاء إن «زياراتي رفقة وزراء في المحافظات تهدف إلى التعرف على مشاكل السكان». وأورد الأسبوع الماضي في محافظة بوشهر جنوب البلاد «نريد خلق فرص عمل وتحفيز الإنتاج وحل المشاكل خصوصا التي يعانيها الفقراء». في بلد سجل أعلى معدل وفيات جراء كوفيد-19 في المنطقة، عزز رئيسي التطعيم بشكل كبير. ومنذ أغسطس، ارتفع معدل السكان الذين تم تلقيحهم من 3.8 بالمائة إلى أكثر من 20 بالمائة. في الشهرين الماضيين، قام الرئيس الإيراني بسبع زيارات للمحافظات، وهو أداء مشابه لأداء الرئيس الشعبوي الأسبق محمود أحمدي نجاد (في السلطة من 2005 إلى 2013) الذي كان كثير التنقل، وفق ما يلاحظ صحفي إيراني طلب عدم كشف اسمه. بدأت الزيارات بمحافظة خوزستان غرب البلاد، التي شهدت اضطرابات بسبب نقص المياه. تلتها محافظة سيستان بلوشستان شرق إيران، التي تعاني من تردي البنية التحتية. ومقتنعا بأنه سيتم التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي على المدى الطويل، وإن كان جزئيا، وأنه سيتم رفع قسم من العقوبات، لا يبخل الرئيس الإيراني بتقديم الوعود، كما يوضح خبير اقتصادي أوروبي لوكالة فرانس برس. زار رئيسي محافظة شيراز جنوب البلاد الخميس الماضي، وتوجه إلى مصنع شهير للأجهزة المنزلية مغلق منذ 13 عاما. وتساءل هناك «إذا لم أزره، من غيري يمكنه محاولة إعادة فتحه؟». يحذر الأستاذ الإيراني في جامعة كاليفورنيا محمد ساحيمي من أن «الناس قد يعجبون بما يسمعونه، ولكن يمكن أن يغضبوا إذا لم يتحقق الوعد». وأضاف «إذا لم يتحسن الاقتصاد سريعا، قد ينقلب الناس ضده». من جهته، شجّع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الرئيس على زيارة الناس والإطلاع على همومهم. وقال خامنئي في أغسطس بعد تشكيل الحكومة إن «ثقة الشعب هي أكبر رأس مال» تملكه الحكومة لكنها «للأسف تراجعت إلى حد ما ويجب احياؤها». ورغم إشادة الصحف المحافظة بمبادرات رئيسي، إلا أن زياراته لا تحظى بالإجماع. فقد تبنت صحيفة «اعتماد» نهجا انتقاديا، واعتبرت أن «هذه الزيارات لن تحل مشاكل الناس (...) فضلا عن أن الحل ليس في يد شخص واحد، وإن كانت يد الرئيس».
مشاركة :