كشفت تقارير رسمية مصرية عن أن أئمة تابعين لحزب النور «السلفي» استخدموا المساجد في الدعاية لمرشحيه خلال المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب في مصر، وهو أمر يجرمه القانون. وعلمت «الشرق الأوسط» أن «وزارة الأوقاف، وهي المسؤولة عن المساجد فتحت تحقيقات في الواقعة وحذرت الأئمة المتورطين من الاستمرار في دعم مرشحي الحزب.. وطالبتهم بتوقيع إقرارات رسمية موثقة بعدم دعم مرشحي الانتخابات قبل انطلاق المرحلة الثانية». وكانت السلطات المصرية قد وضعت شروطا لاعتلاء المنابر، لكن حزب «النور» الممثل الوحيد لفصائل الإسلام السياسي داخل المشهد الرسمي في مصر حصل على استثناءات مكنت رموزه ومشايخ «الدعوة السلفية» من الاستمرار في اعتلاء المنابر، الأمر الذي أثار غضب الأوساط الحزبية وأجج دعوات لحل الحزب، باعتباره قائما على أساس ديني. ومُني «النور» بخسارة غير متوقعة في الانتخابات التي جرت منتصف الشهر الماضي، وحصل فقط على 10 مقاعد بعد أن حصد 25 في المائة من مقاعد البرلمان السابق الذي استحوذ على أغلبيته جماعة الإخوان المسلمين. وقال مسؤول حكومي مصري لـ«الشرق الأوسط»، إن الأوقاف أصدرت تعليمات للدعاة المنتمين لـ«الدعوة السلفية» وحزبها «النور» الحاصلين على تراخيص خطابة من الأوقاف، حذرتهم من – ما أسمته دعوة المصلين بالمساجد لـ«الاحتشاد أمام صناديق الاقتراع»، عقب تقارير رسمية وصلت الوزارة تؤكد قيام أئمة ودعاة «الدعوة السلفية» بتوجيه المصلين بالمساجد لانتخاب حزب «النور» خلال المرحلة الثانية من الانتخابات المصرية المقرر لها يوما 22 و23 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وتقول الأوقاف إنها ضمت جميع المساجد لها وعينت خطباء أزهريين بنظام المكافأة مشهود لهم بالفكر الوسطي، فضلا عن منحها تراخيص خطابه لدعاة «الدعوة السلفية»، لكن مراقبين أكدوا أنه «لا تزال هناك آلاف المساجد والزوايا الصغيرة في القاهرة والمحافظات يسيطر عليها متشددون ولا تعرف الوزارة عنها شيئا». وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادرها بالأوقاف أن «التقارير التي أعدها مسؤولو التفتيش بالوزارة تؤكد وجود نية من قبل أئمة الدعوة السلفية لدعم مرشحي (النور) بقوة، وفي أعقاب استبعاد أكثر من 50 خطيبا وإماما حتى الآن تابعين للدعوة السلفية وإلغاء تصاريح خطابتهم قبل أيام». وتقول الأوقاف إنهم «ساندوا مرشحي (النور) خلال المرحلة الأولى من الانتخابات». وقال المسؤول الحكومي إن «الأوقاف طالبت الأئمة بالتوقيع على إقرارات وخطابات بعدم الدعاية لـ(النور) وغيره من الأحزاب أو استخدام المساجد في دعاية المرشحين تكون مُوثقة بشكل رسمي في مصلحة الشهر العقاري»، مضيفا أن «هذه الإجراءات لوقف الخلط بين الدين والسياسة». من جانبه، قال الشيخ محمد عبد الرازق رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف لـ«الشرق الأوسط»، إن «استبعاد الأئمة لمساندتهم مرشحي (النور) في الدعاية الانتخابية في الإسكندرية والبحيرة واستخدام المساجد في تلك الدعاية، سواء بالسماح للمرشحين بارتقاء المنابر أو بإلقاء المرشحين دروسا دينية وخطبا بالمساجد». وسبق أن حثت محكمة مصرية لجنة شؤون الأحزاب بإعادة النظر في برامج الأحزاب التي أسست على خلفية دينية، ولا يزال من غير المعروف ما إذا كانت اللجنة التي تختص بالقضايا المتعلقة بشؤون الأحزاب، قد طرحت برنامج حزب (النور) للمراجعة أم لا، لكن نشطاء مصريين دشنوا حملة شعبية أطلقوا عليها «لا للأحزاب الدينية»، لحل «النور» ومعه 9 أحزاب أخرى قائمة على أساس ديني. وأضاف الشيخ عبد الرازق أن «الأوقاف ما زالت تحذر من المخادعة باسم الدين واستخدام الدين في العملية الانتخابية وتوظيفه للمصالح الحزبية أو الخاصة». وتحاول الدولة المصرية منع استخدام دور العبادة في أي صراع سياسي في البلاد خلال الانتخابات البرلمانية، بعدما خاضت حروبا شرسة مع الدعاة المتشددين الذين استغلوا المساجد في الدعوة للعنف ضد السلطة الحالية عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي عن السلطة في يوليو (تموز) عام 2013. ويتوعد وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة «بإجراءات مشددة ضد من يستغل المنابر في الدعاية سواء من قبل المرشحين أو المسؤولين عن المسجد من الأئمة والدعاة والعمال، قد تصل لحد الفصل وتحويلهم للجهات القضائية». من جانبها، تقول مصادر مصرية إن إعادة مشايخ «الدعوة السلفية» للمنابر من جديد بعد منعهم من قبل وزارة الأوقاف تحتاج لتقويم جاد، واستخدامهم للمساجد في الدعاية الانتخابية يؤكد أن «الدعوة السلفية» لا تفصل بين الدين والسياسة. ومنعت الأوقاف تصاريح الخطابة عن «السلفيين» عقب قانون رئاسي من الرئيس السابق المستشار عدلي منصور يجرم من يعتلى المنابر من غير الأزهريين وصلت للحبس والغرامة المالية. وخاضت الأوقاف حروبا مع التيار السلفي وصلت لساحة القضاء، ويقول مراقبون إن «الأزهر توسط لدى الأوقاف وأعاد قيادات (النور) و(الدعوة السلفية) للمنابر، وفي مقدمتهم الشيخ ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية والدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور، تلا ذلك منح الكثير منهم تصاريح خطابة من المعاهد الدينية التابعة لوزارة الأوقاف، عقب غلق المعاهد السلفية وعدم الاعتراف بشهادات خريجيها». من جهته، دافع «النور» عن مبادئه وأنه لا يستغل المساجد في السياسة، مؤكدا في بيان رسمي أن «هناك محاولات لإقصائه من الساحة السياسية.. وأنه لن يستطيع أي تيار عزله سياسيا». ورصدت «الشرق الأوسط» حالة الغضب داخل «التيار السلفي» عقب قرارات الأوقاف الأخيرة، مما ينذر بخلاف ومعركة جديدة بين الجانبين قريبا. وتقول الدعوة السلفية في مصر إنها تحترم كل القرارات التي تتخذها الأوقاف لإبعاد المساجد عن السياسة.. وإنها لم تدعُ دعاتها لتوجيه المصلين لاختيار مرشحي «النور» في الانتخابات. لكن قيادي بالدعوة قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوزارة لن تستطيع أن تحكم ذلك ورغم توقيع الأئمة على خطابات (إقرارات) بعدم تأييد مرشحي (النور) لن تستطيع أن تدخل في توجهات الإمام داخل المسجد، لأنه قد يخطب في المصلين بشيء وداخله انتماء لتيار معين». من ناحية أخرى، وفي خطوة عدها مراقبون ردا قويا من الأوقاف للقضاء على التحريض ضد الحكومة وضمن خطة إقصاء أنصار جماعة الإخوان من المشهد السياسي، استبعدت الأوقاف، قيادات مسؤولة داخل الوزارة ينتمون للإخوان هاجموا النظام الحاكم في مصر، وقال رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، إنه تم «استبعاد 70 من قيادات الوزارة لانتمائهم للإخوان بسبب تصريحات لهم تدعو لهدم الدولة وتهاجم النظام المصري»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزارة تسير بسياسة واضحة هي «لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة»، لافتا إلى أن «دور الأوقاف حماية المجتمع من الأفكار الإرهابية الهدامة الصادرة من بعض قيادات الوزارة». ويرى مراقبون أن «أعضاء جماعة الإخوان ما زالوا يشغلون مناصب كبرى في الكثير من الوزارات الحكومية، والأوقاف واحدة من أكثر الوزارات التي استحوذ عليها الإخوان أثناء تولي الرئيس المعزول للحكم»، لكن رئيس القطاع الديني قال إن «خطة إقصاء قيادات الإخوان داخل مقر الوزارة وفي مديرياتها بمحافظات مصر، لتقنين وجود أي انتماءات أو ممارسات سياسية». ووزارة الأوقاف، أكبر وأهم الوزارات الحكومية تأثيرا في الواقع والمجتمع المصري، في ظل إشرافها رسميا على نحو 120 ألف مسجد، تكمل معركتها لبسط سيطرتها على أركان الوزارة، بعد قيامها بعودة مبتعثين تابعين للإخوان سافروا خلال فترة حكم الجماعة، وبعد عزل مرسي حرضوا ضد الجيش المصري والشرطة وشوهوا صورة مصر، بحسب المسؤول الحكومي. وتتعامل الدولة المصرية مع جماعة الإخوان كونها تنظيما إرهابيا، وما زالت تحملها مسؤولية عمليات إرهابية تستهدف أبرياء في قلب العاصمة المصرية والمحافظات وشبة جزيرة سيناء. في غضون ذلك، هدد أئمة ودعاة مصريون بالاعتصام أمام مبنى الأوقاف بوسط القاهرة خلال نوفمبر الحالي، اعتراضا على وجود قيادات إخوانية بالوزارة خاصة في محافظات دلتا مصر وفي مقدمتها الإسكندرية والبحيرة ومطروح. وقال الشيخ أحمد (ن) - الذي تحفظ عن ذكر اسمه الثاني: «أوصلنا رسالة لوزير الأوقاف برفضنا استمرار هذه القيادات في مناصبها خاصة وأنها تبث (سمومها) في عقول الدعاة، وتدعي أن سبب تهميشها من العمل الدعوي هو رفضها إجراءات مالية اتخذتها الوزارة خلال الفترة الماضية». وتقول مصادر مسؤولة داخل الأوقاف إن «القيادات المستبعدة هي التي شغلت مناصب في عهد وزير الأوقاف السابق خلال حكم الإخوان طلعت عفيفي (نائب رئيس الهيئة التشريعية للحقوق والإصلاح السلفية) الذي كان تعيينه مثارا للجدل وقتها داخل الوسط الديني في مصر، بعد قيام هشام قنديل، رئيس الوزراء الأسبق، بتعيينه بعيدا عن المؤسسة الأزهرية لاسترضاء (التيار السلفي)، وقت أن كانت علاقته بالإخوان طبيعية»، مضيفة أن «مديريات الأوقاف بالمحافظات ما زال بها عدد من القيادات التابعين للإخوان يستغلون أموال المساجد التي يتم جمعها عن طريق الصناديق الخاصة بالمساجد (التبرعات وأموال الجمعيات) في نشر ودعم الأفكار المتطرفة. وتفرض الحكومة سيطرتها على دور العبادة من خلال مراقبة أئمتها بكاميرات مراقبة داخل المساجد لمنع الفكر المتشدد، فضلا عن توحيد خطبة الجمعة وغلق الزوايا ومراقبة صناديق «التبرعات والنذور».
مشاركة :