لقد أسمعت لو ناديت حيًا

  • 10/20/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رحم الله الشاعر العربي الفارس المقدام عمرو بن معد يكرب بن ربيعة الزبيدي 601-642م الذي اشتهر عنه هذا البيت الذي أورده في قصيدة من روائع شعره كلها تجربة وحنكة وفروسية نادرة.  وفي حياتنا المعاصرة نواجه كأفراد أو جماعات مشاكل وصعاب، نحاول أن نتفاداها بالقول أو الفعل من أجل أن نُجنب أنفسنا ومجتمعنا ما يمكن أن يمر علينا من تبعات قد نعيش معها زمنًا، مما يؤثر على أدائنا وربما يُعيق تحركنا نحو النماء والبناء. على الصعيد الشخصي قد نواجه مشاكل منفردة نبدي فيها النصح والإرشاد لمن يعز علينا في محاولة لتجنبهم المزالق التي قد تقودهم إلى ما لا يُحمد عُقباه حبًا وغيرة عليهم. وقد ينطبق هذا على المجتمعات وربما البلدان والأمم؛ فالركون إلى الحكمة والتروي، وتبادل الرأي والمشورة يقودنا إلى الطريق القويم الذي يحفظ علينا أوطاننا وجهودنا وما ننشده من خير لمن يعز علينا...  والنصيحة من صديق صدوق ومن يكن لنا المحبة، ويسعى لمصلحتنا فيها الفائدة ويعود مردودها خيرًا على من يلقى لها بالاً ويأخذ بها، وعلى العكس قد تجد من لا يريد لك خيرًا بل قد يزين لك الشيء الذي هو غير محبب، ويصرفك عن الأمور التي تجلب لك الخير والمنفعة ربما لك أو لمن تعولهم.  لا نستغرب في هذا الزمان تكالب بعض البلدان التي لا يروق لها أن تعيش أمتنا بالخير والدعة والأمن والاستقرار، وتسعى جاهدة للنيل من مقدراتنا وأمننا واستقرارنا وتتفنن في إيذائنا سياسيًا، واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا.. نعم علينا الحذر كل الحذر من مغبة الوقوع في أحبالهم ومؤامراتهم ودسائسهم، فهل صرخة الشاعر العربي المسلم عمرو بن معدي كرب لزمانه وعصره أم أنها إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة حاضرة في الأذهان وهي مثال راسخ للمفاهيم والقيم الحضارية التي يمتد أثرها إلى سنوات طويلة بل حقب زمانية متعاقبة.  تاريخنا العربي والإسلامي مليء بالقيم الأخلاقية المستمدة طبعًا من القرآن الكريم ومن الرسالات السماوية، ومن تجارب الحياة المبنية على الممارسة، والاحتكاك بالأمم التي عاصروها، ونحن في زماننا نحتك ويحتك أبناؤنا وأهلنا وأصدقاؤنا ومعارفنا بدول وأمم كثيرة، ونحتاج فعلاً إلى أن تكون أذهاننا واعية وقلوبنا مفتوحة لكل ما يفيدنا ويدعم جهودنا إلى البناء والتعمير، وندرك أن الشر موجود ومن لا يريد بنا خيرًا يتربص بنا الدوائر، وعلينا أن نتحلى بالصبر والوعي اللازم لنجنب أوطاننا المزالق.   في ثقافتنا الوطنية عشنا تجارب الأجداد والآباء وكانوا بفطرتهم تعاملوا مع الآخرين الند للند، وتبادلوا المصالح والمنافع بما لا يؤثر على أوطانهم ومواطنيهم وأدركوا أن المستقبل يتطلب التعاون مع الآخرين والنظر إلى ما عندهم من ميزات يحرصون على الإستفادة منها.  عندما كان أبناء الخليج العربي يسعون إلى طلب الرزق في البلدان التي وفدوا إليها وجدوا أنه من الضرورة بمكان أن يتعاملوا مع تجار الهند مثلاً بما يفيد الطرفين وكذلك عندما ذهبوا إلى بعض الدول الأفريقية المجاورة، كذلك كنا نسمع ما قام به العرب في المشرق والمغرب من جهود لإقامة علاقات مع جيرانهم في تعاون قائم على تبادل المصالح واستفاد الجميع مما توفر لديهم من مواد بناء كخشب «الدنجل»، و«المنكرور» و«البامبو»، ونقلوا إليهم خيرات البحر من اللؤلؤ، وثمار النخيل، والأهم نقلوا لهم حسن المعاملة وطيب المعشر والتواضع والاستعداد للتفاهم وتبادل المعرفة وإقامة الصداقات المبنية على المصالح المشتركة.  وإذا كان آباؤنا ورجالنا الأقدمون قد أثبتوا مقدرتهم على التجاوب مع الأمم الأخرى الذين لم يعرفوا لغتهم، ولكنهم بالاجتماع معهم وتبادل المنافع بدأوا يفهمون لغة التخاطب التي تنفعهم بعبارات اعتادوا على سماعها، ولفطنتهم تعلموا كيف يسيرون أمورهم بعبارات اعتادوا عليها وبالممارسة تفهموا كيف يتعاملون معهم، وأن استخدموا أحيانًا اللغة الوسيطة بينهم أما الإنجليزية أو الفرنسية لبعض أهل بلداننا العربية.  ستظل المنافع المتبادلة بين الأمم حتمية الوقوع لما يفيد وإن بدرجات مختلفة. والأهم في حياتنا أن نكون واعين ومدركين لمصالحنا وبما يحفظ أوطاننا ويشيع في ديارنا الأمن والأمان والاستقرار وبما يسهم في نمو اقتصادنا ويتيح المجال لأبنائنا بالعلم والعمل لخيرهم وخير أوطانهم، وأن نكون كأفراد في مجتمعنا قادرين على تفهم هذه المرحلة التي تمر بها أوطاننا ونكون بذلك مسهمين وفاعلين في التطور والبناء والنماء، ونتجنب أن ينطبق علينا قول الشاعر عمرو بن معد يكرب:    لقد أسمعت لو ناديت حيًا  ولكن لا حياة لمن تنادي  ولو نار نفخت بها أضاءت   ولكن أنت تنفخ في الرمادِ    وعلى الخير والمحبة نلتقي..

مشاركة :