الأزمة السياسية في لبنان وشبح الحرب الأهلية

  • 10/20/2021
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أثارت‭ ‬الأحداث‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬بعد‭ ‬عناء‭ ‬ومكابدة‭ ‬مضنية‭ ‬مجرد‭ ‬محطة‭ ‬توقف‭ ‬مؤقتة،‭ ‬قبل‭ ‬التطاحن‭ ‬القادم،‭ ‬ما‭ ‬يعيد‭ ‬إلى‭ ‬الأذهان‭ ‬فصولا‭ ‬جديدة‭ ‬للحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬‮«‬البائدة‮»‬،‭ ‬وربما‭ ‬أكثر‭ ‬عنفا‭ ‬وترويعا‭ ‬أيضاً‭.‬ فجأة‭ ‬تحول‭ ‬القاضي‭ ‬طارق‭ ‬البيطار‭ ‬إلى‭ ‬نجم‭ ‬النجوم‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وانشدّت‭ ‬إليه‭ ‬الأنظار،‭ ‬إقليميا‭ ‬ودولياً،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬حساسية‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتخذها،‭ ‬والتأثير‭ ‬الحاسم‭ ‬والمصيري‭ ‬لهذه‭ ‬القرارات‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬تطور‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العاثر‭ ‬والمتعثر‭.‬ كل‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة‭ ‬والمتحالفة‭ ‬والمؤتلفة‭ ‬تدرك‭ ‬عميق‭ ‬الإدراك‭ ‬أن‭ ‬مسؤولية‭ ‬تفجير‭ ‬مرفأ‭ ‬بيروت‭ ‬هي‭ ‬مسؤولية‭ ‬خطرة‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬حدود‭ ‬الخطر‭ ‬ومستوياته،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية‭ - ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬ثبت‭ ‬تورط‭ ‬أحد‭ ‬الأطراف‭ ‬بها‭ - ‬بمثابة‭ ‬مقدمة‭ ‬لانقلابات‭ ‬سياسية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬ هول‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬نتجت‭ ‬عن‭ ‬الانفجار‭ ‬وفلكيتها،‭ ‬والطابع‭ ‬الزلزالي‭ ‬المدمر‭ ‬لهذا‭ ‬الانفجار‭ ‬عامل‭ ‬كبير‭ ‬ومؤثر‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬تبعات‭ ‬القرار‭ ‬القضائي،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬سيكون‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير،‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يقاس‭ ‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬التبعات‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إليه،‭ ‬وما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬بل‭ ‬وعلى‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬أوضاع‭ ‬متدهورة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الصعد‭ ‬والمستويات‭.‬ الغريب‭ ‬والعجيب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تسييس‭ ‬قرارات‭ ‬القاضي‭ ‬المرتقبة‭ ‬بصورة‭ ‬مسبقة،‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬الاصطفاف‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬الفئوية‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستكمل‭ ‬القاضي‭ ‬كامل‭ ‬تحقيقاته،‭ ‬ويستوفي‭ ‬أوراقه،‭ ‬وأن‭ ‬يصنف‭ ‬الرجل‭ ‬إما‭ ‬تحت‭ ‬بند‭ ‬الشك‭ ‬والريبة،‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬بند‭ ‬النزاهة‭ ‬والحيادية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يلقي‭ ‬بظلاله‭ ‬القاتمة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬تحقيق،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬أحداً‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬انتظار‭ ‬نتائج‭ ‬التحقيق،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬تبحث‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬قرارات‭ ‬قضائية‭ ‬مسبقة‭ ‬تضمن‭ ‬لها‭ ‬مصالحها‭ ‬ونفوذها‭ ‬سلفاً‭.‬ وهذه‭ ‬المسألة‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬تعني‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬تعنيه‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التعايش‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬سهلاً،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬إنه‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬الصعوبة‭ ‬البالغة‭.‬ لكن‭ ‬هذا‭ ‬التعايش‭ ‬مهما‭ ‬بدا‭ ‬صعباً‭ ‬بُعيد‭ ‬أحداث‭ ‬‮«‬الطيونة‮»‬،‭ ‬ومهما‭ ‬كان‭ ‬المشهد‭ ‬قاتما،‭ ‬سواء‭ ‬بالتظاهرة‭ ‬الاستفزازية‭ ‬المسلحة‭ ‬بالأسلحة‭ ‬المتوسطة‭ ‬والثقيلة‭ ‬بمعايير‭ ‬حرب‭ ‬الشوارع‭ ‬طبعاً،‭ ‬أو‭ ‬بالهتافات‭ ‬الطائفية‭ ‬البغيضة،‭ ‬وتبادل‭ ‬القنص‭ ‬والاقتتال‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأمور‭ ‬لن‭ ‬تذهب،‭ ‬ولن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬مباشرة‭ ‬وجديدة،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬المعطيات‭ ‬الآتية‭:‬ أولا‭: ‬بما‭ ‬أن‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬قرارا‭ ‬بإشعال‭ ‬شرارة‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬مرجعياتها،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬المرجعيات‭ ‬قد‭ ‬حسمت‭ ‬بهذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬فإن‭ ‬مواقف‭ ‬هذه‭ ‬المرجعيات‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬يحسب‭ ‬حسابها،‭ ‬ولا‭ ‬شأن‭ ‬‮«‬للوكلاء‮»‬‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬والخطورة‭ ‬والحساسية‭.‬ وبهذا‭ ‬المعنى‭ ‬وليس‭ ‬بغيره‭ ‬أبداً،‭ ‬فإن‭ ‬الغرب،‭ ‬وخصوصا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وربما‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ (‬الغرب‭) ‬ولا‭ ‬يمكنها‭ (‬الولايات‭ ‬المتحدة‭) ‬المغامرة‭ ‬بحرب‭ ‬كهذه‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تدمر‭ ‬المدمر،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬ستطيح‭ ‬بالدولة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وستؤدي‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬شق‭ ‬الجيش‭ ‬وقوى‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬أيضاً،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬احتمالات‭ ‬امتدادها‭ ‬لتتطور‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬شاملة‭..! ‬لهذا‭ ‬ولهذا‭ ‬بالذات‭ ‬فإن‭ ‬الأطراف‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ستقرر‭ ‬بشأن‭ ‬الوضع‭ ‬اللبناني‭ ‬وليس‭ ‬الأطراف‭ ‬المحلية‭.‬ ثانيا‭: ‬تأسيساً‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الخارطة‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬مازالت‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬انتظار‭ ‬ومراهنة‭ ‬وتعويل‭ ‬على‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬نووي‭ ‬جديد‭ ‬مع‭ ‬إيران‭.‬ قبل‭ ‬البت‭ ‬النهائي‭ ‬والحسم‭ ‬الأكيد‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬لن‭ ‬تندلع‭ ‬الشرارة‭ ‬لحرب‭ ‬أهلية‭ ‬جديدة،‭ ‬لكن‭ ‬وبالمقابل‭ ‬فإن‭ ‬وصول‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬مجرد‭ ‬عامل‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬التحفيز‭ ‬والتشجيع‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬كهذه،‭ ‬وإنما‭ ‬ستكون‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬إحدى‭ ‬أدوات‭ ‬المفاوضات‭ ‬‮«‬الجديدة‮»‬‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬واسعة‭ ‬جديدة،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬وخراب،‭ ‬وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬الدولة‭ ‬والجيش‭ ‬والمجتمع‭ ‬اللبناني‭ ‬بكامله‭.‬ ثالثاً‭: ‬هناك‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المعادلة‭ ‬وعلى‭ ‬هوامشها‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬يرغب‭ ‬بتصعيد‭ ‬الصراعات‭ ‬إلى‭ ‬سقوفها‭ ‬العليا،‭ ‬مثل‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والأجنحة‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفا‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يبقي‭ ‬منسوب‭ ‬الصراع‭ ‬والتناقض‭ ‬دائما‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ (‬دائرة‭ ‬التحكم‭ ‬والسيطرة‭) ‬وقد‭ ‬تشهد‭ ‬الساحة‭ ‬اللبنانية‭ ‬بسبب‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬بعض‭ ‬الجولات‭ ‬التصعيدية‭ ‬الدرامية،‭ ‬لكن‭ ‬الخروج‭ ‬التام‭ ‬والشامل‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬السيطرة‭ ‬ليس‭ ‬مرجحا‭ ‬لكامل‭ ‬مرحلة‭ ‬الانتظار‭ ‬والمراهنة‭ ‬والتعويل‭.‬ رابعاً‭: ‬الكارثة‭ ‬الحقيقية‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬الشقيق‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬دولته،‭ ‬وربما‭ ‬جيشه‭ ‬الواحد،‭ ‬وهو‭ ‬بصدد‭ ‬مغامرة‭ ‬كبيرة‭ ‬بفقدان‭ ‬القضاء‭ ‬كآخر‭ ‬معقل‭ ‬للدولة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬شل‭ ‬وتعطيل‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬وسنوات،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬فقد‭ ‬ثورته‭ ‬وحراكه‭ ‬الشعبي،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬حراكاً‭ ‬وطنيا‭ ‬وديمقراطيا‭ ‬أصيلاً،‭ ‬وكان‭ ‬حراكاً‭ ‬متجاوزا‭ ‬للعبة‭ ‬الطائفية‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬مرتكزاتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬ناهيكم‭ ‬طبعاً‭ ‬وأولاً‭ ‬عن‭ ‬المرتكز‭ ‬السياسي‭ ‬لهذه‭ ‬الطائفية‭.‬ ومن‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية،‭ ‬فإن‭ ‬فقدان‭ ‬وتشتيت‭ ‬الحراك‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬نسف‭ ‬لمرتكزات‭ ‬تماسك‭ ‬النسيج‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني،‭ ‬والاجتماعي‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬ }‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

مشاركة :