من منطلق مفاهيم الإسلام التي دعت إلى غرس مبادئ الترابط والتراحم بين أفراد المجتمع والأسرة الواحدة، ولأن الدين الإسلامي هو الدين الذي اهتم اهتماماً كبيراً بالأسرة، حيث صان كرامتها وأسدل على وجودها ستارا من الرحمة والمودة، فقد أخذت التشريعات في الدول المعاصرة بهذه المعايير والمبادئ وسارت على هذا النهج عن طريق تضمين هذه القواعد في أولى نصوصها. وتعتبر مملكة البحرين من الدول السباقة في الاهتمام بقضايا الأسرة وقد سعت في الأعوام الطويلة الماضية للمحافظة على دور الأسرة في المجتمع، واهتمت المملكة بمشاكل الزواج والطلاق والنفقة وغيرها من قضايا الأحوال الشخصية، بحيث سعت الكثير من هيئات الدولة لإيجاد الحلول الجذرية لها، كما تسابقت مؤسسات المجتمع الوطني لتوفير المتطلبات اللازمة لذلك عن طريق وضع الدراسات والاستراتيجيات للارتقاء بالمجتمع وتوفير الاطمئنان فيه. وسيرا على هذا الاتجاه الذي تبنته المملكة في مجال الأسرة فقد أُنشئ مكتب التوفيق الأسري الذي يختص بالنظر في منازعات الأحوال الشخصية، وصدر المرسوم بقانون رقم (22) لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات أمام المحاكم الشرعية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (26) لسنة 1986 حيث تناول موضوع تقديم طلبات تسوية المنازعات الأسرية أمام مكتب التوفيق الأسري. وبما أن هذا المكتب يختص بتسوية المنازعات الأسرية، ويساهم من خلال ذلك في الحفاظ على تماسك الأسرة وكيانها، ولأن المشكلات الأسرية قد تؤدي الى تعرض الأبناء الى أوضاع نفسية سيئة قد تحطم مستقبلهم، لذا فإنني أرى بضرورة التعاون المشترك بين مكتب التوفيق الأسري ومركز حماية الطفل الذي أنشئ في عام 2007م، وهو مؤسسة رعاية اجتماعية تتبع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تسعى لحماية الأطفال حتى سن 18 سنة وحمايتهم من كافة أشكال سوء المعاملة والإهمال مثل الإساءة الجنسية، النفسية أو الإهمال الشديد، وذلك من أجل توفير الحماية للطفل من سوء المعاملة في الأسرة والمجتمع، بالإضافة الى السعي لإيجاد أسر بديلة لهؤلاء الأطفال في حال تعرضهم لسوء المعاملة الشديدة. ولتجسيد الأهمية الأساسية لوجود مكتب التوفيق الأسري فإنني أرى بأن يكون في منطقة تبعد عن منطقة وجود المحاكم، وذلك لضرورة توفير الجو النفسي الملائم لجميع المراجعين لهذا المكتب لتقليل وطأة المشكلات الأسرية كي تكون تحت سقف هادئ بعيد تماما عن بيئة المحاكم القاسية، وخصوصا بالنسبة للأطفال الذين لم تعتد فطرتهم على المشاحنات أو حتى بالنسبة للأشخاص الذين لم يعتادوا التردد على المحاكم. ولأن مشكلة الطلاق أصبحت اليوم من المشاكل التي توسع نطاقها، فذلك يُؤكد على وجود مشكلة حقيقية يجب مواجهتها بفعالية، لذا فمن الأهمية أن يتحقق التعاون مع المؤسسات الاجتماعية في الدولة لوضع الدراسات والمشاكل المطروحة على حيز الجدية وبناء على هذا يتم إعداد دورات وورش تدريبية وإرشادية للمقبلين على الزواج وخصوصا الذين مر آباؤهم بتجارب فاشلة لتثقيفهم بكل ما يتعلق بالحياة الزوجية كي لا يقدم أي منهم على خطوة إلا وهو على أتم استعداد لمواجهة المشاكل والتصدي لها دون الحاجة لرفع الدعاوى والخوض في صراعات لا تنتهي.
مشاركة :