العاصمة الليبية طرابلس ستكون الخميس على موعد مع أول مؤتمر دولي تستضيفه منذ سنوات، وهو مؤتمر حول مبادرة استقرار ليبيا الذي يستهدف على ما يبدو تفعيل الصفقات لتأجيل الانتخابات، التي من المقرر تنظيمها في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل. تونس - تحتضن العاصمة الليبية طرابلس الخميس المؤتمر الوزاري حول مبادرة استقرار ليبيا، والذي تنظمه وزارة الخارجية الليبية بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة. ويهدف المؤتمر الذي لن تتجاوز مدته ثلاث ساعات وفق البرنامج المعد سلفا، إلى تقييم الجهود المبذولة والآليات المعمول بها حاليا لتنفيذ قراري مجلس الأمن 2570 و2571 ومخرجات مؤتمري برلين 1 و2، فضلا عن تقديم خطة عمل حول المسار الأمني العسكري. وينتظر أن يشارك في المؤتمر ممثلون عن كل من الجزائر وتونس والصين وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا وهولندا واليونان وإسبانيا وتركيا والإمارات والسعودية والكويت وقطر والبحرين وتشاد والنيجر والسودان والمغرب والكونغو والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية. وسينطلق المؤتمر الذي سيطغى عليه الجانب البروتوكولي، بكلمة لوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، تليها كلمة المبعوث الأممي يان كوبيتش، ثم يدخل الحاضرون في نقاش حول المسار الأمني والعسكري، والاستماع إلى إحاطة اللجنة العسكرية المشتركة بخصوص خطتها حول توحيد المؤسسة العسكرية وإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة، ثم يقدم وزير الداخلية خالد مازن إحاطة حول الوضع الأمني والوضع في الجنوب، وكذلك حول خطة نزع السلاح ودمج الميليشيات في مؤسسات الدولة والدعم المطلوب من المجتمع الدولي لتحقيق ذلك. وتلي ذلك إحاطة حول مستقبل الديمقراطية في ليبيا وكلمات الضيوف، على أن يتم على الساعة الثانية بعد الظهر تلاوة البيان الختامي، وعقد مؤتمر صحافي من قبل وزيرة الخارجية والمبعوث الأممي. ويُنتظر أن تدعو حكومة الوحدة الوطنية إلى رفع التجميد عن الأرصدة الليبية في الخارج، للاستفادة منها في مشروع إعادة الإعمار والتنمية، وإلى حين إتمام ذلك تطالب بتمكينها من متابعة الأموال المجمدة وإدارتها لزيادة عوائدها خلال فترة تجميدها بما يضمن تجنب تآكلها والتصرف غير المشروع فيها. مسودة البيان الختامي للمؤتمر المسربة لم تشر إلى موعد الانتخابات وإلى القانونين الصادرين من مجلس النواب بشأنها وتشير الحكومة إلى مجموعة دعم الاستقرار التي تقول إنها أنشأتها بعد عدة أشهر من العمل الشاق، وهي بلا شك مشروع طويل الأجل، وتتمثل خطتها الفورية في وضع أسس الانتخابات الوطنية العامة المقبلة التي تريد لها أن تكون انتخابات آمنة وشفافة وعادلة يشعر فيها كل ليبي بحقه في اختيار من يمثله، وانتخابات معترف بها وبنتائجها من جميع الليبيين. ولم تشر مسودة البيان الختامي المسربة من قريب ولا من بعيد إلى موعد الانتخابات وإلى القانونين الصادرين من مجلس النواب بشأنها، وإنما اكتفت بطلب تكليف لجنة دولية بتقييم الوضع الأمني وتحديد مدى الاستعداد لإجراء الانتخابات، لاسيما أن البلاد تفتقر لقطاع أمني سيادي، وفق نص المسودة. واعتبر عضو مجلس النواب عبدالسلام نصية أن ما ورد في بيان مبادرة “دعم استقرار ليبيا”، حول الانتخابات الرئاسية و البرلمانية، يعد التفافا واضحا على هذا الاستحقاق وتاريخه المحدد في الرابع والعشرين من ديسمبر، محذرا من أن عقد مثل هذه اللقاءات جاء لغرض إجهاض الانتخابات والاستمرار في الفوضى وعدم الاستقرار. ووفق مسودة البيان الختامي “يجدد المشاركون التزامهم الدائم والقوي بسيادة ليبيا واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية، ورفضهم القاطع لجميع أشكال التدخلات الأجنبية في شؤونها، وإدانتهم لمحاولات خرق حظر السلاح وإرسال المرتزقة إليها”. و”يرحب المشاركون بعقد المؤتمر على الأراضي الليبية ويشيدون بتحسن الأوضاع السياسية والأمنية والمعيشية المتمثلة في استمرار الالتزام بوقف إطلاق النار، وفتح الطريق الساحلي، وتوفير النقد في المصارف، وتحسين الأوضاع الصحية، وتوفير اللقاحات المضادة لفايروس كورونا المستجد، وإطلاق مبادرة المصالحة الوطنية والإفراج عن المحتجزين، والمضي قدما في العملية السياسية بإرادة وقيادة ليبية وبرعاية الأمم المتحدة”. و”يدعو المشاركون جميع الأطراف الليبية إلى المزيد من التوافق والمصالحة الوطنية، لإنجاح التحول الديمقراطي وبناء دولة مدنية تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان”. Thumbnail و”يرحب المشاركون بعودة سفارات عدد من الدول للعمل من داخل العاصمة طرابلس ويشجعون باقي الدول على الإسراع في إعادة فتح سفاراتها ومكاتبها القنصلية، وحث شركات الطيران الدولية على استئناف رحلاتها إلى ليبيا”، ويشيدون “بالدور المحوري للأمم المتحدة في دعم الاستقرار بليبيا ويقرون بالجهود المبذولة في هذا الإطار من قبل كل من الاتحاد الأفريقي ولجنته رفيعة المستوى، واللجنة الرباعية، والاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، ودول الجوار”. و”يحث المشاركون جميع الأطراف الليبية والجهات الفاعلة الدولية على قبول نتائج الانتخابات ودعم المسار السياسي”، مشددين على “اتخاذ إجراءات عقابية صارمة ضد معرقلي العملية السياسية”. وجاء تعمّد الحكومة عقد مؤتمر دعم استقرار ليبيا في طرابلس، بعد أن كان مقررا تنظيمه بمدينة سرت، ليفقده الكثير من نجاعته، باعتباره سيخلو من مشاركة أطراف مهمة في التوازنات الداخلية، ويجعل عددا من الدول المدعوة تعتذر عن الحضور أو تكتفي بتمثيل رمزي، لاسيما تلك التي لم تعد إلى فتح سفاراتها في البلاد، أو التي لها مواقف معلنة من حكم الميليشيات والحضور العسكري التركي في الغرب الليبي. كما أن تحويل اهتمامات المؤتمر من التركيز على الانتخابات إلى الملفين الاقتصادي والأمني، يشير إلى رغبة الحكومة في الاتجاه نحو دبلوماسية الصفقات والوعود الاستثمارية لتكريس فكرة التمديد لها، وهو ما ينسجم مع طبيعة المناخ العام الذي يحيط برئيسها عبدالحميد الدبيبة الذي يخوض معركة يومية للترويج لصورته كزعيم شعبي يحظى بجماهيرية واسعة. وسبق للدبيبة أن أعلن عن مشاريع كبرى في إطار خطة إعادة الإعمار والتنمية، وهي، ومن أجل تنفيذها، تحتاج وفق تقدير الحكومة إلى رفع التجميد عن الأموال الليبية المجمدة في الخارج، ويصل حجمها إلى 200 مليار دولار أميركي، كما تحتاج إلى استمرار الوضع على ما هو عليه إلى حين الانتهاء من تحقيق المصالحة الوطنية. وبات تأجيل الانتخابات هدفا محوريا للحكومة التي تعمدت في الفترة الأخيرة عدم الإشارة إلى الرابع والعشرين من ديسمبر في بياناتها الرسمية، التي تصدر عادة بعد الاجتماعات التي يعقدها الدبيبة مع المسؤولين الأمميين والدوليين. وكان مصدر دبلوماسي ليبي كشف الاثنين الماضي أن وزيرة الخارجية الليبية عرضت على نظرائها الأوروبيين خلال زيارتها للوكسمبورغ، مبادرة سرية تتضمن تأجيل الانتخابات لمدة عام كامل. والتقت المنقوش مع وزراء الخارجية في دول الاتحاد الأوروبي، قبل انطلاق مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي، وفق بيان للخارجية الليبية، حيث أكدت أن مبادرة استقرار ليبيا بمضامينها ومساراتها إذا تم العمل على تفعيلها فستصل ليبيا إلى بر الأمان، وتحقق استقرارها المنشود. والأسبوع الماضي، اتهم عدد من نواب البرلمان الليبي المنقوش بمحاولة الالتفاف على الاتفاقيات القائمة وتأجيل الانتخابات الرئاسية. وقال 18 نائبا في بيان مشترك “نلاحظ أن تحركات وزيرة الخارجية للعديد من الدول لحشد دعم لمبادرة أطلق عليها ‘مبادرة السلام’ تقوم على أساس تأجيل أهم استحقاق ينتظره كل الليبيين وهو الانتخابات وإجراء انتخابات برلمانية فقط، الأمر الذي يعـد محاولة للالتفاف على مطلب الشعب وحقه في انتخاب رئيس للدولة”. كما تحدثت الأوساط الليبية عن محاولات قادها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفّي خلال جولته في شرق البلاد، لإقناع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين بمبادرة تأجيل الانتخابات إلى موعد لاحق، حتى لا تكون منطلقا لانقسام جديد في حال تنظيمها في أواخر العام الجاري، وأضافت أن القائد العام المؤقت للجيش عبدالرازق الناظوري أكد لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي رفض القيادة العامة للمبادرة. وكان المجلس الرئاسي أعلن عن استعداده لطرح مبادرة أثناء المؤتمر تتعلق بالانتخابات، حيث شدد نائب رئيس المجلس عبدالله اللافي على ضرورة إجراء الاستحقاق الانتخابي وفق إطار قانوني ودستوري يكفل نجاح الانتخابات، وتقبل بنتائجه جميع الأطراف السياسية، لتستريح البلاد من المراحل الانتقالية التي أثقلتها سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، في إشارة إلى رفض المجلس القانونين الصادرين عن مجلس النواب نظرا للجدل القائم حولهما وللتحفظات التي تبديها قوى الإسلام السياسي والمتحالفون معها. Thumbnail وأكدت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن هناك اتجاها من سلطات طرابلس لإقناع المجتمع الدولي بضرورة دعم مبادرتها بتأجيل الانتخابات حتى تتوفر الظروف الملائمة لتنظيمها، وهي تبرر ذلك بخشيتها من أن تتعرض العملية السياسية إلى تصدعات نتيجة غياب التوافق حول القاعدة الدستورية والقانونية، وبأنه لا يمكن تحقيق النجاح للاستحقاق الانتخابي وضمان الاعتراف بنتائجه من قبل الفرقاء، إلا بعد قطع أشواط مهمة على طريق المصالحة الوطنية. وأضافت المصادر أن أطرافا دولية باتت على قناعة تامة بأن الانتخابات لن تنتظم في موعدها المحدد في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم، سواء بسبب ضغط الوقت، أو كنتيجة للخلافات المحتدمة في المشهد السياسي، ولغياب الثقة بين الأطراف المتنازعة، ولظهور معطيات تفيد بعدم رغبة السلطات المنتخبة من قبل ملتقى الحوار السياسي في التخلي عن مواقعها لفائدة سلطات منتخبة. ويرى محللون محليون للوضع السياسي أن الأطراف الساعية لتأجيل الانتخابات، تعتمد على فرض الأمر الواقع والاستفادة من تسارع الوقت دون التوصل إلى توافقات حول القواعد القانونية والدستورية، رغم القانونين الصادرين عن مجلس النواب، كما تحاول تبرير موقفها بالعمل على تسبيق إجلاء المقاتلين الأجانب لتمهيد الطريق أمام الاستحقاق الانتخابي. وأكد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء عن إقليم برقة حسين القطراني أن “كل المعطيات تنذر بعدم وجود انتخابات، وذلك لعدم تفاهم بين مجلسي النواب والدولة، وهو ما يضع رئيس مفوضية الانتخابات عماد السايح في موقف محرج، وأعتقد أنه سيضطر إلى الإعلان عن تأجيل الانتخابات إلا إذا كانت هناك حلول أخرى وكان للمجتمع الدولي رأي آخر”، وفق تقديره. ولم تتلقّ مفوضية الانتخابات أي مؤشرات حول إمكانية تأجيل الاستحقاق، سواء من البعثة الأممية أو من البعثات الدبلوماسية للدول الكبرى، وأعلنت عن مؤتمر صحافي ستعقده الأحد القادم بمقرها في ضاحية “سيدي المصري”. وقالت المفوضية إن المؤتمر يأتي “في إطار استعداداتها لتنفيذ استحقاقات الرابع والعشرين من ديسمبر، وحرصا منها على تحقيق مبدأ الشفافية في تنفيذها للعمليات الانتخابية، وإحاطة الشعب الليبي عامة والإعلاميين على وجه الخصوص، بمستجدات تنفيذها للتشريعات والقوانين الصادرة في شأني انتخاب رئيس الدولة ومجلس النواب”. ومن المرتقب أن يخصص المؤتمر لتقديم التفاصيل الخاصة بالناخبين والقوائم، وبطاقة الناخبين وموعد تسليمها وكل ما تم الانتهاء منه الفترة الماضية، كما أنه سيشير إلى عملية فتح باب الترشح دون تحديد الموعد. وسيصادف المؤتمر الصحافي اليوم الستين قبل الموعد المحدد للانتخابات، فيما يتساءل مراقبون محليون عما إذا كانت فترة شهرين كافية لتنفيذ الجدول الزمني للاستحقاق، ولاسيما في ما يتعلق بتوزيع بطاقات الناخبين وفتح باب الترشحات والنظر في ملفات المرشحين وفي الطعون المتصلة بها، وفسح المجال أمامهم لتنظيم الحملات الدعائية. ولا تزال مفوضية الانتخابات تنتظر موافاتها بالتعديلات التي طلبتها من مجلس النواب والمتعلقة بقانوني انتخاب الرئيس وانتخاب البرلمان، وتشكيل اللجنة الخاصة بالنظر في الطعون بسجل المرشحين، رغم أنها خاطبت المجلس الأعلى للقضاء من أجل تشكيل اللجنة، علما وأن فترة النظر في الطعون هي 14 يوما بعد إغلاق باب الترشح.
مشاركة :