أستطيع أن أقول إنه عاشق للموروث والتراث، بل ومن المهمومين بتتبعه، وحفظه، ثم توثيقه. ذاكم هو العميد ركن متقاعد (علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني) .. والذي نجح في يقدم لنا – مؤخرًا – وللموروث، كتابه الثاني، الموسوم بـ (قال ابن خرمان) …. هنا حوار مع شخصية شغوفة بالكتابة، تتعاطى الفعل الثقافي، منذ سنوات بعيدة، منذ أيام المنتديات، وتمحور حوارنا حول كتابيه الإثنين…. لِمَ فكرت في تألف كتابك الجديد (قال ابن خرمان)، وما مختصر محتواه؟ كتبت مجموعة مقالات في الأدب الشعبي وفي موروث منطقة الباحة خاصة، نشرت في منتديات إنترنت وبعضها في صحف ورقية أو صحف إلكترونية، ولم تكن هذه المقالات إلا محاولة لشرح بعض القصائد، وربط بعض ما فيها من الكلمات والمصطلحات، بما يقابلها في الشعر الفصيح، حيث يعتقد البعض أن لغة أبناء المنطقة، وخاصة شعر الشقر محلي، لا يفهمه الآخرون. علماً أنه لغة فصيحة وقد شهد بذلك كتاب ومؤلفون من خارج المنطقة، مثل الشيخ العلامة حمد الجاسر رحمه الله تعالى، وكذلك تحدث عن فصاحة أبناء غامد وزهران مؤرخون سابقون، كابن جبير وابن بطوطة وغيرهم، وقد ألف البعض كتباً في فصاحة لغة أبناء المنطقة، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: الأستاذ الدكتور عبدالرزاق حمود الزهراني، والأستاذ محمد بن زياد الزهراني، والأستاذ علي بن سدران الزهراني، والأستاذ محمد بن سعيد الغامدي، وغيرهم. وبعد أن فقدنا الكثير مما كُتب في المنتديات بانتهائها، وخشية من فقد ما تبقى مع تسارع التطور في التقنية، ومع تشجيع من بعض الأصدقاء والمهتمين بجمع شتات هذه المقالات، بين دفتي كتاب لتحفظ للأجيال القادمة، كما حفظت لنا قصائد وقصص السابقين بفضل الله، ثم بفضل بعض المؤلفين مثل الأستاذ علي السلوك رحمه الله. ولهذا رأيت من المستحسن فعل هذا الأمر، وأعانني الله سبحانه على ذلك. والكتاب من الحجم الصغير بعدد يقارب 300 صفحة، وهو كما ذكرت مجموعة مقالات متنوعة يغلب عليها الأدب الشعبي، وقصائد طرق الجبل، وفيه أيضا الحديث عن بعض الشعراء الشعبيين في المنطقة من خلال بعض قصائدهم، وتطرقت إلى بعض الشعراء الذين توفوا رحمهم الله، ولم ينالوا الشهرة المستحقة وفقدنا بفقدهم الكثير. وفي الكتاب الحديث عن بعض المصطلحات الشعبية التي قد يستهزئ البعض بها عند سماع اللفظ، بينما ينبغي أن تكون مثار اعتزاز وفخر لا سخرية مثل مصطلح (القالة). وفي الكتاب بعض الإخوانيات (وأقصد مساجلات بيني وبين إخوة أصدقاء) ولا يخلو الكتاب من الفصيح، حيث كان لإحدى قصائد بحتري الباحة، الشاعر حسن محمد الزهراني، وجوداً وقراءة انطباعية لها. وهذا باختصار شديد، محتوى الكتاب. . . كيف وجدت القبول المبدئي له عند القراء؟ الحمد لله رب العالمين فقد وجدت له صدى طيباً لم أكن أتوقعه، رغم أن الكتاب لم يصل إلا آخر يوم من معرض الكتاب الدولي بالرياض، لكن من تمكن من الحصول على نسخة من المعرض أو عن طريق مكتبة المتنبي دار النشر، كانت انطباعاتهم التي نقلت إلي عن طريق الاتصال أو رسائل الواتساب أو تويتر جيدة. وأسعدتني حيث لم يكن اهتمامي إلا رضا القارئ ووصول الرسالة للمتلقي، وحفظ هذا الموروث للأجيال. . . هذا عن كتابك الثاني، لكن ماذا عن كتابك الأول، الذي سبق لك إصداره؟ سبق لي بفضل الله تعالى نشر كتاب قبل هذا، وهو بعنوان (صالح اللخمي – حياته وشعره)، وهو مجلد يقع فيما يقارب 600 صفحة، قسمته إلى جزأين، كل جزء يتكون من أربعة فصول. الجزء الأول عن منطقة النشأة ونبذة مختصرة عن غامد وزهران وبعض الأعلام والشعراء من القبيلتين، ثم الشعر الشعبي في المنطقة ومقومات العرضة ومراحل التحول في العرضة، والفصل الثالث عن سيرة الشاعر صالح اللخمي ومسيرته الشعرية مشتملا خصائص شعره وأغراضه الشعرية، ثم الفصل الرابع بعنوان (قالوا عن الشاعر). أما الجزء الثاني فخصص لديوان الشاعر الشعري جمعت فيه ما تمكنت من قصائده. ويعتبر الكتاب وخاصة جزؤه الأول شاملاً وتوثيقاً للشعر في المنطقة. . . الكتابة عن الموروث توثيقا وعرضا، تحتاج قدرة وشغفًا، إلى أي مدى أنت مهموم بتراث الباحة الشعري؟ نحن أبناء المنطقة وخاصة من نشأ في المنطقة وعاش أحوالها وعاصر حفلاتها وحفظ من أشعار شعرائها، قبل أن تكون هناك وسائل حفظ وتسجيل فيديو، وقبل أن تحضر وسائل التواصل تسلب من الناس أوقاتهم، كنا كثيري الاهتمام بالموروث بل بفنون المنطقة كما أطلق عليها الدكتور عبدالواحد الزهراني في مقاله الأخير. كان اهتمامنا بحضور الحفلات والمشاركة في العرضات وحفظ القصائد والمحاورات، مما جعلنا عاشقين لهذه الفنون التي هي جزء من تكويننا وحافظة لتاريخنا. تابعنا أحداث تاريخ وقوف زهران وغامد ضد الغازي التركي من خلال قصائد الشعراء، أمثال ابن ثامرة وجريبيع وعيفان وغيرهم، من الذين شاركوا في تلك الحروب وخلدوها في قصائدهم. واستمتعنا بقصائد طرق الجبل اللبيني واللعب، التي حفظت لنا من قبل مؤلفين سبقونا في رصد وحفظ هذا الموروث المهم، مثل الأستاذ علي بن صالح السلوك، والأستاذ علي بن سدران، والأستاذ محمد بن زياد، واللواء علي الغامدي، والمالحي – رحم الله من مات وحفظ وأطال عمر من بقي منهم – ومالم نتابع مسيرتهم في حفظ هذا الإرث والفنون الجميلة، ستنقطع عمن بعدنا .. فنحاول إضافة لبنات وإن كانت صغيرة إلى بناء بدأه من سبقنا، ولعل آخرين يستكملون مسيرة بناء وحفظ هذا الموروث الجميل. وختاماً نسأل جل في علاه أن يجعل ما قمنا به يحسب لنا لا علينا، وأن يغفر لنا زلاتنا. وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
مشاركة :