تظاهر عشرات الآلاف من أنصار الحكم المدني في السودان، الخميس، في شوارع الخرطوم، حيث يعتصم منذ ستة أيام مؤيدون لـ”حكومة عسكرية” يقولون إنها وحدها قادرة على إخراج البلاد من أزمتين اقتصادية وسياسية متفاقمتين. كما نزل متظاهرون آخرون إلى الشارع في مدن سودانية أخرى، وأطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع على متظاهرين يدعون إلى تسليم السلطة لحكومة مدنية أمام مبنى البرلمان بمدينة أم درمان، التوأم للعاصمة الخرطوم، وفق ما أفاد شهود وصحفي في وكالة فرانس برس. وكانت أطلقت الغاز المسيل للدموع، الإثنين، على مجموعة من المعتصمين المطالبين بحكومة عسكرية كانوا حاولوا الوصول إلى مبنى مجلس الوزراء في وسط العاصمة. وأثارت الدعوات إلى التظاهر مخاوف من حدوث صدامات بين الطرفين، على الرغم من دعوات تهدئة أطلقها قادتهما والحكومة خلال الأيام الأخيرة. وقال المتظاهر في أم درمان، أحمد حسين، “أطلقت القوات الأمنية علينا الغاز المسيل للدموع أمام مبنى البرلمان”، الأمر الذي شاهده أيضا صحفي في فرانس برس. لكن العدد الأكبر من المتظاهرين الرافضين لحكم العسكر اجتاح شوارع الخرطوم، ورفع مئات الشباب منهم أعلام السودان هاتفين “مدنية .. خيار الشعب”، و”ثوار.. أحرار.. حنكمل المشوار”. كما رفعوا شعار “الردة مستحيلة”، في إشارة إلى رفضهم العودة إلى الحكم العسكري أو النظام الإسلامي، الذي حكم السودان على مدى ثلاثين عاما بقيادة عمر البشير، الذي أطيح به تحت ضغط انتفاضة شعبية عارمة في أبريل/نيسان 2019. ونظم عشرات من الصحفيين مسيرة، رافعين لافتات كتب عليها “السلطة للشعب”. وارتفعت شعارات مناهضة لرئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وسط أنصار الحكم المدني. وهتف المتظاهرون “سلّم سلّم (السلطة) يا برهان”. وكان البرهان أكد، مساء الأربعاء، حرص القوات المسلحة، والمكوّن المدني على “إنجاح الفترة الانتقالية وصولا إلى حكومة مدنية منتخبة تلبي تطلعات الشعب السوداني”. وشدد على “الشراكة بين المكونين المدني والعسكري”. كما شهدت مدن بورتسودان (شرقا على البحر الأحمر) وعطبرة (350 كيلومترا شمال الخرطوم) ومدني (185 كيلومترا جنوب العاصمة) تظاهرات مماثلة. ومنذ مساء الأربعاء، أعلنت وزارة التربية والتعليم، أن الخميس يوم عطلة في جميع المدارس “حرصا على سلامة” التلاميذ والطلاب. وأغلقت العديد من المحلات التجارية أبوابها منذ الصباح. وانتشرت الشرطة لحماية المباني الحكومية، فيما أغلق الجيش كل الطرق المحيطة بمقر قيادته في وسط الخرطوم بوضع حواجز إسمنتية ونشر جنود. وسار مؤيدو الجيش من جهتهم على أحد الجسور في الخرطوم وهم يرفعون لافتات تحمل صور رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مع إشارة X عليها، في إشارة إلى مطلبهم حل حكومته. وقال حماد عبد الرحمن، ذو السبعة وثلاثين عاما، الذي يشارك في اعتصام المؤيدين لحكومة عسكرية، وقد ارتدى زيا سودانيا تقليديا هو عبارة عن جلباب أبيض مع عمامة على رأسه، “الناس الذين سيتظاهرون حقّهم أن يعبروا، لكننا نؤمن بأننا في الموقف الصحيح”. وأطاح الجيش في العام 2019 نظام عمر البشير، الذي حكم السودان لأكثر من ثلاثين عاما بقبضة من حديد، بعد انتفاضة شعبية عارمة استمرت شهورا، وتسلّم السلطة، لكن الاحتجاجات الشعبية استمرت مطالبة بسلطة مدنية وقد تخللتها اضطرابات وفض اعتصام بالقوة سقط خلاله قتلى وجرحى. في أغسطس/آب 2019، وقّع العسكريون والمدنيون (ائتلاف قوى الحرية والتغيير) الذين كانوا يقودون الحركة الاحتجاجية، اتفاقًا لتقاسم السلطة نصّ على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقا. وبموجب الاتفاق، تم تشكيل سلطة تنفيذية من الطرفين، على أن يتم تسليم الحكم لسلطة مدنية إثر انتخابات حرة في نهاية المرحلة الانتقالية. وينقسم الفريقان اليوم. حراك دبلوماسي ودعا الطرفان الأربعاء إلى التهدئة واحتجاجات سلمية. وتشهد الخرطوم حراكا دبلوماسيا مكثفا، فقد وصلت إلى الخرطوم قبل يومين وزيرة الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية البريطانية فيكي فورد. والتقى نائب المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي، بيتون نوف، عددا من المسؤولين، تمهيدا لزيارة المبعوث جيفري فيلتمان إلى الخرطوم نهاية الأسبوع. ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية “سونا” عن نوف قوله، الأربعاء، إن واشنطن “كصديقة للانتقال إلى الحكم الديمقراطي المدني الكامل ستبذل جهدها للمساعدة في تجاوز الأزمة الراهنة، وذلك بفعل كل ما بوسعها لحل الخلافات بين الأطراف المختلفة”. ودعت سفارة الولايات المتحدة بالخرطوم المتظاهرين الى الحفاظ على الطابع “السلمي” للاحتجاج. وقالت السفارة، في بيان، “نشجّع المتظاهرين على السلمية، ونذكّرهم بالدعم الأمريكي القوي للانتقال الديمقراطي في السودان”. وتقاسم الجيش الحكم مع المدنيين في سلطة انتقالية منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير عام 2019 في انتفاضة شعبية بعد ثلاثة عقود في السلطة. وشوهدت أعمدة دخان فيما كان المتظاهرون يحرقون الإطارات ويلوحون بالأعلام السودانية. وشوهد عدد من وزراء الحكومة يسيرون في أجزاء مختلفة من الخرطوم. وكتب عضو مجلس السيادة صديق تاور، أحد المسؤولين المدنيين العديدين الذين أيدوا الاحتجاجات، يقول على تويتر، “21 أكتوبر درس لكل واهم بتدوير عجلة الزمن للوراء من طغاة و فلول وانتهازيين، فالشعب أقوى، والردة مستحيلة، وبوصلة الثورة لا تتجه للخلف، معا من أجل استكمال مطلوبات الفترة الانتقالية كاملة غير منقوصة”. وقالت لجان مقاومة أحياء الخرطوم، في بيان، إنها تحتج على اتفاق تقاسم السلطة بالكامل وتطالب بحكم مدني واحد. ولا يزال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي يترأس مجلس الوزراء بموجب اتفاق لتقاسم السلطة بين الجيش والمدنييين، يتمتع بشعبية على الرغم من الأزمة الاقتصادية، وقال إنه يتحدث إلى جميع الأطراف في الأزمة من أجل إيجاد حل.
مشاركة :