تنوير العقل إن تنوير العقل لدى الفرد في المجتمع.. من شأنه -في آخر المطاف- أن يحلّ مفتاحه أقفال الحكايات في العقول الأخرى، حيث أنه يرفرف بأجنحته وينفض شيئاً عن جسده بنور ذلك الديجور المضيء؛ ليعمّ عتمة بدن تلك الأزمنة، وإن كان كلّ ما حوله سرد طويل من الظلام الأليل. مائة وثلاثون صفحة.. تمّ تفكيك ثلاثين منها تمثّل جراح حقبة دامسة بالمائة الأخرى التي تمثّل مستقبل مجتمع بأكمله.. تناولتها الكاتبة وفاء الرشيد في كتابها الجديد بعنوان «تحرير العقل- تحدّيات الحاضر ورهانات المستقبل» إذ يصل الكتاب أواخر عتبات سلّم العلم والمعرفة.. متطلّعاً إلى بابين ممرّدين ومشرعين يوصلان إلى سماء تتطلّع إليها العقول المتنوّرة.. إلى ما هو أكثر علواً وإشراقاً وإنداءً.. يتناول كتاب “تحرير العقل” الذي أهدته مؤلّفته «إلى العقول النيّرة الباحثة عن الحقيقة ومن أثروا محيطنا الثقافي بأفكارهم وقدّموا لنا مفاتيح العقل لتحريره من الجهل ومن تنبض قلوبهم حباً وعقولهم تشعّ فكراً» حالات التنوير العقلي وفلسفة العقلانية وتفكيك خطاب التشدد والتطرّف ودحضه بالحجج والبراهين والمحجّات الواضحة.. بين الليل والنهار.. بين العقل واللاعقل.. بين الغروب والشروق... بين الماضي والحاضر.. بين كتمان العتمة وفلقة الصبح! قسّمت الرشيد كتابها، الصادر حديثاً عن دار مدارك للنشر بالرياض، إلى ستة فصول، تناول الفصل الأول الذي جاء بعنوان «العقل والحرية: جرأة التنوير» عن الفتوى والفقه والسياق والعامل الزمكاني والقواعد المقررة في مسار التشريع الإسلامي والمنطق والأخلاق وتدبير النفس ولغة العقل والبرهان وأهمية التفكير ومدى أهمية العقل لتقدم الأمم والحفاظ على نسيجها. أما الفصل الثاني فذكرت الرشيد فيه عن العلمانية وأطروحتها لعلاقة الدين والدولة في المجتمعات الحديثة والوقوف على تمايز واختلاف تجاربها والمرجعية الدينية في أمور الحياة والفكر بالمرجعيات الأخرى والتمايزات والسلطة المؤسسة والفكرية والرمزية وحياة الإنسان وتجديد الفهم الديني ومبادئ العدل والمساواة ومفهوم الدين وجاء بعنوان: الدين والعلمانية: فك الالتباس. وفي الفصل الثالث: الدين والدولة، الخيار المدني، تسرد المؤلفة مبحثاً عن الدين والدولة من الإشكالات الكبرى المطروحة في الفكر العربي، والمقاربات الجوهرية في السياسة والمجتمع، ومعالجة موضوع الدين والدولة، والإمامة وأصول الاعتقاد، وعن الخلافة والسياسة الشرعية والإسلام السياسي، وفكرة تجسيد الدين في نظام سياسي، والأطروحة الاستشراقية والنخب التحديثية. وأصّل الفصل الرابع في مشروع الإخوان وأدلجة الدين، منذ بدايته ومحاولة وضع الأسس.. مروراً بالاختراق الذي تمّ من خلاله هذا المشروع لأسباب استراتيجية وجيوسياسية ودينية، وانتهاء بتوزع التنظيمات والأحزاب في مختلف الدول، ورموزه منذ التأسيس حتى الوقت الحاضر، والنزعة الشعبوية المخترقة، ودور الإسلام السياسي في كل هذا، وآثار ذلك المشروع في الثقافة والمناهج التربوية والحقل الدعوي والإرشادي الديني. في حين جاء الفصل الخامس عن: التسامح والتعايش، وتحديات الواقع وأسئلة المستقبل، إذ استشهدت المؤلفة بمثال عميق على ردة فعل المتشدّدون تجاه الآخر والتعايش الديني معه بسلام ونبذ الكراهية، وكشف تفاصيل الوجدان العربي المثقل بهموم الماضي الذي فرض عليه في حقب وصراعات سابقة يجهل كثير من الشباب تفاصيلها. وأخيراً تحدّثت المؤلفة في الفصل السادس عن الآفاق المفتوحة في تجديد الفكر الديني مستشهدة بالدراسات والأدلة التي تثبت بأن الإنسان يولد وهو كتلة من الفضول والشغف متحسساً المعرفة في كل شيء وطرق كل الأبواب وزرع كل علامات الاستفهام، والإيمان بالهوية وحقائق التجارب، ونبذ الجهل بأنواعه. الكتاب يحمل أسماء تنويرية يحمل الكتاب أسماء كثيرة استشهدت بها المؤلفة من العلماء والمفكّرين والأئمة والفلاسفة والأدباء منهم: إسحاق نيوتن، والإمام الشافعي، وجابر بن حيان، وابو حيّان التوحيدي، والفارابي، وابن سينا، والكندي، وابن رشد، والحسن بن الهيثم، وأبو بكر الرازي، وعبدالرحمن بن خلدون، وإمانويل كانت، ومحمد عبده، وجورج برنارد شو، ومحمد أركون، ومحمد عابد الجابري، وعبدالرحمن الكواكبي. تقول المؤلفة في مقدمة الكتاب “هذا الكتاب هو حصيلة شهور طويلة ممتدة من العزلة التي فرضها علينا وعلى الإنسانية وباء (كورونا). هذا الوباء الذي جاء بمرحلة هي الأصعب بحياتي، وهي مرض أبي وكسرة الظهر التي أتت معها. تساقطت الكثير من الأقنعة، وتعرّت النفوس ولم يبق إلا عقلي سنداً... كانت فرصة لأراجع فيها نفسي، وللتفكير المعمق بموضوعات طالما شدّتني وطالما شغلت كل من له هم تفكيري في وطني وأمتنا.” وتتابع “... ما ستقرأه - أيها القارئ العزيز- هو خلاصة عزلتي، وحصاد تفكيري في موضوعات (التنوير، والتسامح، والدولة المدنية، وحصيلة خصوماتي المتواصلة مع دعاة التطرّف والكراهية والتعصب)”.
مشاركة :