حوار أجرته: زهراء محمد علي ناصر فنان تشكيلي موهوب بالفطرة، متنوع الإنتاج، فهو يمزج ما بين تشكيل الفن بطريقة إبداعية والخط، مع حرصه أن تكون الحروف ظاهرة في إبداعاته، له أفكاره الخاصة التي يتفرد بها وذلك من خلال استخدامه المواد الخام ليخلق منها أعمالاً فنية.. أقام العديد من الورش الحروفية في البحرين وخارجها، وهو الفنان التشكيلي الذي حاولت اليوم الكشف عن بعض أسراره بعد اطلاعي على إبداعاته، إنه الفنان التشكيلي محسن غريب. بدايةً عرفنا على الفنان التشكيلي محسن غريب؟ محسن غريب، فنان تشكيلي بحريني، متزوج ولدي 4 أولاد، من مواليد 1971م، عضو في جمعية البحرين للفن المعاصر. حدثنا عن بداية مسيرتك الفنية.. متى بدأت تمارس هذه الهواية وكيف دخلت هذا المجال؟ بدأت مسيرتي الفنية في سن الثالثة عشرة، وطبعاً كانت البداية مع الخط العربي من خلال القرآن الكريم وقراءة القرآن وتتبع الإعلانات التجارية.. حينها لم تكن هناك إعلانات مُعَدّة من خلال الحاسوب، جميعها كانت تُعَد يدوياً وكانت تجذبني جداً، وبدأت حينها أحاول أن أتعلم الخط العربي من خلال كراسة (هاشم البغدادي) ولم تكن هناك كراسات متوافرة ولا الأدوات، فكانت هناك صعوبة بالغة، ولكن الحمد لله الأمور تيسرت وبدأنا بالخط العربي لفترة طويلة. من أول من شجعك وأخذ بيدك لتنمية هذه الموهبة؟ التشجيع كان من الأهل، الحمدلله والدتي كانت خيّاطة وفنانة وأغلب إخواني وأخواتي كانوا يحبون الفن، فقد عشت في أسرة فنية، وأيضاً منطقتي كان بها فنانون وخطّاطون، بالإضافة إلى ذلك كان التشجيع من الأصدقاء، وأيضاً في المدرسة كانوا يلاحظون أني أمتلك خطاً جميلاً، فكان المدرسون يسلمونني دفاترهم الخاصة لأقوم بالخط فيها، فـالحمد لله التشجيع كان من أكثر من طرف. هل لأسرتك دور فعال في ميولك إلى الفن التشكيلي؟ نعم، بالتأكيد. ما هي أبرز أعمالك؟ وكيف تخطط لها؟ لدي أعمال ميدانية في متحف البحرين الوطني باسم (قرويّتان) وهو عمل نحت 3 أمتار تقريباً ومتران ونصف، بالإضافة إلى عمل في مطار البحرين الدولي باسم (الكمثرى)، ولدي عمل في سلطنة عمان، عمل نحت رخامي، بالإضافة إلى ذلك أعمال ببعض الوزارات داخل البحرين وخارجها، أما بالنسبة إلى التخطيط فأخطط لها بالمرسم مسبقاً، وأغلب الأوقات التي أعمل بها، أو بمعنى أفضل الأوقات التي أحب العمل والتخطيط فيها تكون في وقت الفجر. ما هي المعارض الفنية التي شاركت بها؟ شاركت في عدّة معارض، داخل وخارج البحرين، ولدي 6 معارض شخصية في البحرين، الكويت، سلطنة عمان وألمانيا، كذلك لدي معرضان مشتركان في البحرين مع الفنان أحمد عنان والفنان عبدالشهيد خمدن. بشكل عام كثيرة هي المعارض التي شاركت بها خارج وداخل البحرين منها في الهند، بنغلاديش، المغرب وتونس. ما هي الجوائز والتكريمات التي حصلت عليها في مجال الفن التشكيلي؟ حصلت على الجائزة الأولى في مسابقة القرآن الكريم، والجائزة الثانية في الخط العربي على دول مجلس التعاون، وأيضاً حصلت على الجائزة الثانية في معرض جمعية البحرين للفن المعاصر. بمن تأثرت سواء من الفنانين المحليين أو العالميين؟ في البحرين تأثرت بالفنان إبراهيم بوسعد وعالمياً بالفنان هنري مور ومايكل أنجلو في النحت، وطبعاً التأثر يكون ربما غير مباشر بالنسبة لبعض الفنانين، يتم الاختزال من خلال رؤية الأعمال الفنية والحضور في المعارض التشكيلية. من هم الفنانون التشكيليون المفضلون لديك؟ بما أنني تأثرت بـهنري مور و مايكل إنجلو، فإنهُما الفنانان المفضلان لدي في مجال النحت، أما في المجال التشكيلي فالأستاذ إبراهيم بو سعد وضياء العزاوي، وفي مجال الخط العربي الأستاذ سلمان أكبر والأستاذ عبدالله العرب، كانوا من أفضل الأساتذة والخطاطين في البحرين. من أين تستوحي أو تأتي بمواضيع اللوحات التي ترسمها؟ وكيف يأتيك الإيحاء؟ المواضيع تأتي من خلال الواقع الذي نعيشه يومياً، من الأحداث العالمية التي تمر علينا، وكذلك المواضيع الاجتماعية التي أنا شخصياً أحس بها من خلال معاشرتي للناس، ودائماً أستوحي منها بالدرجة الأولى. بعد ذلك أحاول أن أخطط لهذه الإيحاءات، فربما تكون هذه الأعمال نحتا وبعضها رسم أو حروفيات. في العادة كم من الوقت تأخذ لديك الأعمال الفنية الجيدة؟ لا يوجد وقت معين، بعض الأعمال تأخذ مني تقريباً شهرا، وبعض الأعمال تكتمل في يومين، على حسب نوع العمل.. مثلاً إذا كان (كلاسيك) يأخذ وقتا ليس بقصير، وأما إذا كان العمل نحتاً فيأخذ وقتاً أطول، وإذا كانت لوحات حروفية فتأخذ مني وقتا أقل لأن لدي خبرة طويلة جدا في عملها، فعندما يقول الفنان إني أنهيت العمل الفني في يومين، فليس معناه أن هذا العمل يستحق أن يكتمل في يومين، بل هذه خبرة سنوات، تتمحور وتكتمل في لحظات بسيطة من خلال النفس الطويل في الفن والخبرة العريقة للفنان. هناك عدة مدراس في الفن التشكيلي مثل: الكلاسيكي، والواقعي وغيرها الكثير، إلى أي المدارس الفنية تنتمي؟ ولماذا؟ أنتمي إلى المدرسة الحروفية التي يتم بها توظيف الخط العربي ويكون العنصر الرئيسي، وأيضاً عملت في الرسومات الواقعية والنحت الواقعي فترة من الزمن، فلذلك أنتمي أيضاً إلى المدرسة الواقعية، إضافة إلى المدرسة الانطباعية. ما هي الصعوبات والعراقيل التي واجهتك في بداية مشوارك كفنان تشكيلي؟ الصعوبات والعراقيل كانت في أن المواد الفنية لم تكن متوافرة بالدرجة الأولى، منها الكتب والمصادر الفنية لم تكن متوافرة في فترة الثمانينيات، عكس وقتنا الحاضر، السوشال ميديا مثل الفيس بوك والإنستغرام وغيرها، بالإضافة إلى أن المتاجر التي تبيع الأدوات الفنية أصبحت كثيرة جداً، وقد كانت من أصعب الأمور بالنسبة لي الحصول على المواد الفنية والمعلومات والمصادر. هل الموهبةُ الفطرية هي الأساس للإبداع أم إن الموهبة بحاجة إلى دراسةٍ لتنمية الموهبة وتطويرها؟ بالتأكيد عندما تكون هناك موهبة، الشيء الذي يصقل هذه الموهبة هو الدراسة الأكاديمية. في البداية يشعر الإنسان بالميول إلى شيء معين أو إلى أي فن مثل الرسم أو النحت وما شابه، ثم يبدأ هاويا إذا استطاع تخطي هذه المرحلة ثم يستمر بقوة ويحصل على الدراسة الأكاديمية، طبعاً هذا الأمر يساعد جداً، ولكن أعتقد أن الحس الفني لا يمكن أن يُدرّس، والموهبة عندما تكون لدى الفنان هي أعظم طاقة يمكن أن يمتلكها الإنسان، لأن هناك الكثير من الأشخاص الذين يدرسون ولم يصبحوا ممتعين، فالإبداع يوجد بذات الإنسان نفسه ومن خلال الممارسة، ولا نستبعد أيضاً الدراسة الأكاديمية ودورها المهم في حياة الفنان. البيئة البحرينية، المحيط الاجتماعي، قضايا الساعة، هل لها دور في أعمالك؟ الفنان محسن غريب يعيش الحدث ويعيش الواقع في المجتمع والقضايا التي تمس مجتمعنا بشكل خاص والعالمية بشكل عام، المواضيع الإنسانية لها وجود كبير في أعمال محسن غريب، وطبعاً الفنان الأصيل يفترض أن يعيش مع الناس في أحداثها، أفراحها، آلامها، قضاياها، فإذا الفنان أصبح محصوراً بمجرد أنه يقدم فنا له جمالية من دون أن يطرح أي قضايا إنسانية فهذا أعتبره فنانا ناقصا. ما رأيك في وضع الفن التشكيلي في البحرين؟ البحرين لها تاريخ عريق في مجال الفن، ولدينا فنانون أثْروا الساحة العربية بأساليبهم الرائعة، كذلك لدينا كم هائل من الفنانين نسبةً إلى عدد السكان، وهذا الشيء مصدر اعتزاز لنا.. ولكن في الآونة الأخيرة أصبح هناك اتجاه مع الأسف غير مرضي لأغلب الفنانين وهو الاتجاه نحو الحداثة وإلى تقديم الأعمال التجريدية واستبعاد المدارس الكلاسيكية، وهذا بحد ذاته سوف يؤثر مستقبلاً على حركة الفن التشكيلي في البحرين. يقال ان التكنولوجيا الان أصبحت تنافس الفنان في عمله.. مارأيك؟ التكنولوجيا لم تكن يوماً ضد الإنسان بل العكس، الفنان يستطيع توظيف التكنولوجيا في أعماله ويرتقي بها، فكما نرى الأعمال اليدوية قلّت ولكن يبقى الفكر هو المصدر الأساسي في العمل الفني، فالفنان بإمكانه الاستعانة بالحاسوب في التصاميم بدلاً من استخدام اليد، ويمكن أن ينفذ جزءا من أعماله بالأجهزة.. وهذا لن يشكّل أي ضرر على الفنان بل العكس يخدم الفنان إن استطاع توظيف فنه الأصيل ويوظف التكنولوجيا في أعماله، لكن عندما نقوم بالتركيز على هذه الأعمال نرى أنها ميتة وجامدة لأنها بلا روح، فالحس اليدوي يختلف جداً عن نتائج الأجهزة لأنه لا روح لها، إذن يبقى الفنان هو العنصر الرئيسي والتكنولوجيا تبقى جزءا فرعيا جداً جداً ومحدودا في أعماله. ماهي مشاريعك وطموحاتك المستقبلية؟ كل فنان يطمح إلى أن يصل إلى أكبر دائرة من القاعدة الجماهيرية في مستوى الوطن العربي ويصل إلى العالمية، يشارك في البيناليات، أعماله تدخل في مزادات عالمية، محسن غريب حاول أن ينقل تجربته المتواضعة للدورات، وأما الحقيبتان الفنيتان فتحملان أغلب التجارب التي عاش بها وقطع فيها طريقاً طويلاً وقدمها للأشخاص الراغبين في تعلم هذا النوع من الفن، وعلى أمل إن شاء الله أن يكون لنا معهد خاص نستطيع من خلاله استقطاب كل عشاق الفن فيه. نصيحة توجهها لمن يرى نفسه مندفعا لحب وهواية الفن والرسم؟ أنصح كل إنسان له رغبة بدخول هذا المجال أن يكون لديه شغف وعشق حقيقي وقليل من الصبر لأن هذا النوع من التخصص يحتاج إلى صبر كثير، واستحالة أن يصل الإنسان إلى هدفه وإلى مبتغاه خلال مدة بسيطة، بل يحتاج إلى الصبر والمثابرة والتجارب، ومن ناحية الجانب الإنساني أن يحمل جزءا كبيرا في ذاته وقناعاته.. التواضع وحب الناس؛ لأن الذي يخلق الجمال مستحيل أن يعيش داخلياً خلاف هذا الشيء. كلمة أخيرة للقراء؟ موضوع الفن التشكيلي بشكل خاص والفنون البصرية بشكل عام، المسرح، السينما، الموسيقى، جميع التخصصات الفنية، مع الأسف في العالم العربي لدينا هذا الشيء ليس من الأساسيات، وننظر إليه على أنه عمل أقل من فرعي، في أوروبا ينظرون إلى الفن على أنه ثقافة وفكر إنساني، يحترمون الفنان والفن بحد ذاته، ولديهم حضور جماهيري كبير في المعارض الفنية، فالناس تدفع المال حتى تدخل هذه المعارض، نحن مع الأسف في العالم العربي ليس لدينا هذا التوجه، أتمنى على الناس أن تتثقف أكثر وتتجه إلى الفن لأنه في النهاية الفن توثيق لتاريخ الإنسانية، في أي أمة في أي شعب عندما لا توجد بها الفنون تصبح ناقصة، فأتمنى إن شاء الله أن تكون الأمور أفضل في السنوات القادمة.
مشاركة :