السرديات المضادة: الأزياء وتفكيك خطابات السرديات الكبرى!

  • 10/23/2021
  • 09:17
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

اجترح‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬جان‭ ‬فرانسوا‭ ‬ليوتار‭ ‬مصطلح‭ (‬السرديات‭ ‬الكبرى‭) ‬في‭ ‬عام‭  ‬1979؛‭ ‬ويعني‭ ‬به‭  ‬ذلك‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬الخطابات‭ ‬التي‭ ‬تتمركز‭ ‬حول‭ ‬افتراضاتها‭ ‬المسبقة‭ ‬ولا‭ ‬تسمح‭ ‬بالتعددية‭ ‬والاختلاف‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬تنوّع‭ ‬السياقات‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬والثقافيّة؛‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنَّها‭ ‬تنكر‭ ‬إمكانية‭ ‬قيام‭ ‬أيّ‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬المعرفة‭ ‬والحقيقة‭ ‬خارجها،‭ ‬وتقاوم‭ ‬أيّ‭ ‬محاولة‭ ‬للتغيير‭ ‬أو‭ ‬النقد‭ ‬أو‭ ‬المراجعة‭. ‬وتكون‭ ‬السرديات‭ ‬الكبرى‭ ‬ذات‭ ‬طبيعة‭ ‬سلطوية‭ ‬وإقصائية‭ ‬تمارس‭ ‬التهميش‭ ‬ضد‭ ‬كلَّ‭ ‬أنواع‭ ‬الخطابات‭ ‬الأخرى‭ ‬الممكنة‭. ‬وتكون‭ ‬هذه‭ ‬السرديات‭ ‬الكبرى‭ ‬بمثابة‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ (‬stereotype‭) ‬للشعوب‭ ‬والمجتمعات‭ ‬والحضارات‭ ‬والثقافات‭ ‬والأديان‭.‬ لقد‭ ‬اجتذبت‭ ‬عوالم‭ ‬الأزياء‭ ‬بوصفها‭ ‬تمثيلات‭ ‬ثقافيّة‭ ‬عددًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والنقاد،‭ ‬وأشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الأسماء‭ ‬مثل‭ ‬رينهارت‭ ‬دوزي‭ ‬ورولان‭ ‬بارت‭ ‬وماري‭ ‬ستيلمان‭ ‬وغيرهم‭ ‬الذين‭ ‬درسوها‭ ‬بوصفها‭ ‬نصوصًا‭ ‬خاضعة‭ ‬للتأويل‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مرجعياتهم‭ ‬الثقافيّة‭ ‬والفكرية‭. ‬إنَّ‭ ‬دراسة‭ ‬تواريخ‭ ‬الأزياء‭ ‬العالميّة‭ ‬يسهم‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬سرديات‭ ‬الجماعات‭ ‬البشرية‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬علاقة‭ ‬الزيِّ‭ ‬بالتاريخ‭ ‬والثقافة،‭ ‬وكذلك‭ ‬يفيدنا‭ ‬التأمُّل‭ ‬في‭ ‬اتجاهات‭ ‬دور‭ ‬الأزياء‭ ‬العالميّة‭ ‬في‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الثقافيّة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬توجِّه‭ ‬تلك‭ ‬الدار‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬رؤيتها‭ ‬الثقافيّة‭ ‬لعلاقة‭ ‬الزيّ‭ ‬بالكون‭ ‬كلّه‭ ‬في‭ ‬تنوعاته‭ ‬واختلافاته‭. ‬ولطالما‭ ‬اتخذت‭ ‬الأزياء‭ ‬بوصفها‭ ‬سرديات‭ ‬كبرى‭ ‬للجماعات‭ ‬الإنسانيّة‭ ‬المختلفة؛‭ ‬وبالتالي‭ ‬كانت‭ ‬أبرز‭ ‬علامات‭ ‬التنميط‭ ‬الثقافيّ‭. ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬ظهرت‭ ‬لدينا‭ (‬السرديات‭ ‬المضادة‭)‬؛‭ ‬فدور‭ ‬الأزياء‭ ‬الذكية‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الدور‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬تلك‭ ‬الفلسفات‭ ‬العميقة‭ ‬وتلك‭ ‬الرؤى‭ ‬الثقافيّة‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬الزيّ‭ ‬جسرًا‭ ‬ثقافيًا‭ ‬للتواصل‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭. ‬إنّ‭ ‬عصر‭ ‬المركزيات‭ ‬الثقافيّة‭ ‬الكبرى‭ ‬انتهى‭ ‬ولم‭ ‬نعد‭ ‬أمام‭ ‬مركزيات‭ ‬وهوامش‭ ‬مطلقًا؛‭ ‬ولذلك‭ ‬فإنَّ‭ ‬كبريات‭ ‬دور‭ ‬الأزياء‭ ‬العالميّة‭ ‬مثل‭ ‬كريستيان‭ ‬ديور‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تستلهم‭ ‬أزياءها‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬المركزيات‭ ‬التاريخيّة،‭ ‬وتحتفي‭ ‬بذلك‭ ‬الخليط‭  ‬والتمازج‭ ‬الجميل‭ ‬بين‭ ‬ثقافات‭ ‬المراكز‭ ‬والهوامش‭ ‬التاريخيّة‭ ‬عبر‭ ‬العصور؛‭ ‬وتحتفي‭ ‬كذلك‭ ‬بعصرنا‭ ‬الذي‭ ‬انهارت‭ ‬فيه‭ ‬تلك‭ ‬الحدود‭ ‬الثقافيّة‭ ‬والتاريخيّة‭. ‬نحتاج‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬الأزياء‭ ‬العربيّة‭ ‬إلى‭ ‬دراسات‭ ‬منهجيّة‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬مقاربات‭ ‬نقدية‭ ‬لدراسة‭ ‬علاقة‭ ‬الزيّ‭ ‬بالتاريخ‭ ‬والثقافة‭: ‬دراسات‭ ‬ترصد‭ ‬التنوّع‭ ‬والتشابهات‭ ‬والاختلافات‭.‬ أستاذة‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،‭ ‬كلية‭ ‬الآداب،‭  ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

مشاركة :