مقالة خاصة: خبيرة سورية تعيد الألق للمخطوطات القديمة بحماس وحرفية

  • 10/24/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تجلس الخبيرة السورية رجاء راجحة ساعات طويلة أمام طاولة خشبية مضاءة في غرفة كبيرة في بطريركية الروم الأرثوذكس بدمشق القديمة، لتقوم بترميم مخطوط قديم تعرض للتلف إما لعوامل الطبيعة مثل الرطوبة أو التآكل بسبب الحشرات. وبحماس وصبر، تحاول راجحة، التي تبلغ من العمر (50 عاما)، إعادة الألق والروح لهذا المخطوط وغيره من المخطوطات وأمهات الكتب المهددة بالتلف. وتعمل الخبيرة السورية بعملية ترميم الكتب وصيانتها بحرفية عالية، وهي عملية تحتاج، حسب قولها، إلى الصبر والنفس الطويل في العمل وفي الوقت ذاته تحتاج إلى حس عال ومهارات فائقة. وتتضمن مهمة راجحة عمليات تجميع وتثبيت وتقوية وإعادة المواد الأثرية إلى شكل أقرب إلى أصلها وهي بتعبير آخر عملية "علاج" لأثر الزمن ومحاولة إزالة بصماته ومظاهره المتعددة. وخضعت راجحة إلى عدة دورات في مجال ترميم المخطوطات بعد تخرجها في جامعة دمشق باختصاص فيزياء وكيمياء، ودراستها لعلم اللاهوت بجامعة البلمند بلبنان، لتبدأ بعدها رحلة عملها الممتعة بترميم المخطوطات بكثير من الحب والشغف لهذا العمل. وقالت راجحة لوكالة أنباء ((شينخوا)) وهي تجلس في قاعة كبيرة في البطريركية أمام الطاولة المضاءة، "درست بجامعة دمشق اختصاص فيزياء وكيمياء، وبعدها درست علم اللاهوت بجامعة بلمند، وتخرجت فيها عام 2003، وفي العام التالي حضرت دورة دولية للترميم في دبي تعلمت خلالها كل مراحل الترميم". وشاركت راجحة بعد ذلك في عدة دورات بهدف تبادل الخبرات في مجال ترميم المخطوطات والاطلاع على تجارب الآخرين في هذا المجال. وأوضحت راجحة، بينما كانت تقوم بتنظيف مخطوط تعرض للتلف، أنها تعلمت خلال الدورات التي خضعت لها مراحل ترميم المخطوطات والتي تبدأ من التنظيف ومعالجة الورق والتجليد إضافة لتعلمها ترميم الجلد. وبعد اكتسابها الخبرة والمعرفة اللازمتين في ترميم الكتب، بدأت راجحة العمل في بطريركية الروم الأرثوذكس مع فتاة أخرى كانت تساعدها في عملية الترميم التي حملتها مسؤولية كبيرة في المحافظة على المخطوطات الموجودة في الكنيسة. وقالت راجحة "بعد أن تعلمت الترميم ومراحله المختلفة بدأت العمل في الكنيسة بدمشق ومع فتاة كانت تساعدني واستمر العمل فترة طويلة وقمنا بترميم عدد من المخطوطات الهامة"، مشيرة إلى أنها خلال تلك المدة قامت بتدريب عدد من الأشخاص بقصد الإسراع بترميم عدد من المخطوطات المهمة في الكنيسة. وتشرح راجحة خطوات ترميم المخطوطات وقالت، وهي تمسك بفرشاة صغيرة وتقوم بتنظيف صفحات المخطوط المراد ترميه بهدوء شديد، إن "عملية ترميم المخطوط تبدأ بترقيمه في حال كان المخطوط غير مرقم حسب تسلسله بعدها أقوم بتصويره لتأتي عملية التنظيف الرطب أو الجاف". وبعد إنجاز هذه العملية، تقوم الخبيرة السورية بوضع تعريف للمخطط وهل يحتاج الى تفكيكه أو ترميم بعض الأشياء فيه دون تفكيكه. وفي حال كان المخطوط مهترئا ويحتاج الى تفكيكه، فإن الأمر يتطلب معرفة موضع كل ورقة وتعريفها إضافة إلى تصوير مواضع خياطة المخطوط ومعرفة المسافة بين القطبة والأخرى للمحافظة على شكله وإعادته كما كان. وأشارت إلى أن عملية ترميم المخطوط تستغرق وقتا قد يمتد الى عام تقريبا. وتؤكد راجحة أن علاقة تنشأ بينها وبين المخطوط تتحول إلى مرحلة عشق في مرحلة ما، فحبها لعملها دفعها للعمل بهذا المجال وباتت تخاف على أي مخطوط تعمل به ولا تسمح لأ شخص أن يعبث به. وتابعت تقول "أنجزت خلال عملي بترميم المخطوطات عددا كبيرا منها يفوق الـ 200 مخطوط، أما الآن كوني وحيدة لم أعد أنجز كثيرا". وتشعر راجحة بالسرور عندما ترى أشخاصا يعملون بترميم المخطوط لأن هذا العمل أصبح على حد وصفها "مهنة نادرة" حاليا وقلائل من يعملون بها، ولذلك تسعى لكي تنقل خبراتها إلى أشخاص مهتمين بذلك. وأضافت "أرغب أن يكون هناك أشخاص يعملون معي لكن للأسف ظروف البلد صعبة، والأشخاص الذين كانوا يعملون معي سافروا إلى الخارج وهم أشخاص مميزون". وتؤكد راجحة ارتباطها بسوريا وتاريخها، مشيرة إلى أنها شعرت بالخوف من تعرض أرشيف الكنيسة للتلف والحريق أثناء الحرب بسوريا وتساقط القذائف بين الحين والآخر على أحياء دمشق حيث تتواجد البطريركية. وقالت "كنت أخشى على الأرشيف من التلف وتعرضه للحريق خلال سنوات الحرب وسقوط القذائف وتم نقل الأرشيف من مكان لآخر"، موضحة أنها كانت تسكن ببلدة عربين إحدى قرى الغوطة الشرقية في بداية الأزمة وكانت تأتي إلى البطريركية تحت القذائف كي تبقى بجانب المخطوطات. وأشارت إلى أن عائلتها تركت عربين عندما اشتدت صعوبة الأوضاع واستقرت بمكان قريب من مكان عملها الذي قالت إنه "يحتاج إلى هدوء، والمخطوط لا يعرف المشاكل". وتصر راجحة على العودة الى بلدتها عربين قائلة "أنا مصرة على العودة إلى بلدتي عربين وبيتنا، وسأعمل على إصلاح المنزل وأسكن به"، مؤكدة أنها ستبقى تعمل بمهنة الترميم حتى آخر لحظة بعمرها.

مشاركة :