كيف يُمكن أن نشرح أبعاد «إكسبو 2020 دبي» وأثره على مستقبل العالم أجمع، إنه السؤال الجوهري القائمة عليه رؤى الوسائل الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية، الكل يبحث عن آلية جمالية لسرد القصص، إي أن الطرق التقليدية لم تعد سوى بيان لأبعاد محدودة من الحدث العالمي الأول من نوعة في المنطقة، لذا فإن إدراك الموجودات الثقافية، أبرزها الموروث التاريخي والاجتماعي والحضاري للبلدان المشاركة، هي بمثابة فُرصة نوعية لتجربة الإبداع السردي في عوالم التقنية الجديدة، أهمها وأكثرها شهرة وتفاعلية هي الفوتوغرافيا الجوية، التي يستخدم فيها طائرات بدون طيار، وأحياناً طائرات سياحية، وربما التحليق بالمنطاد، لنا أن نتخيل في فضاءات المساحات الشاسعة لـ«إكسبو 2020 دبي»، ماذا يمكن أن تلتقط تلك العدسات الطائرة من على بعد أميال عمودية، وكيف يمكن أن يترجم المصورون والكتاب والباحثون، تلك اللحظات التبادلية بين الرؤية وقوفاً من على الأرض، والرؤية من أعالي السماء. من بين تلك الأيقونات الثقافية اللافتة في التجسيد الثقافي والفني، والتي بإمكانها أن تعبر عن جماليات ثقافية لمناظر جوية في «إكسبو 2020 دبي» هي «خطوط نازكا» ـ اعتبرها اليونسكو موقعًا للتراث العالمي في عام 1994 ـ التي رُسمت عند مدخل جناح بيرو، بينما يمر الزائر من على جسر الإنكا التاريخي، يصل عند بهو مكشوف السقف يدخل فيه ضوء مباشر يُضيء تلك الخطوط المتحركة بشكل دائري خلاق، يوحي بحركة لا نهائية، مُخفياً الأسرار المحفوفة بالغموض في صحراء بيرو، من خلال تصميمات الـ «جيوغليف» ـ أنماط ورسومات يتم تطبيقها على سطح الأرض، تعبيراً عن النقوش الحجرية ـ توجد تحديداً في جنوب «ليما» عاصمة بيرو، ويُعتقد أنها تعود إلى حضارة «نازكا» التي قامت في الساحل الجنوبي في البيرو، بين أعوام (200 ق.م - 600 م)، كما تم تصميم شعار الجناح وتحديداً حرف (P) من كلمة Peru، باستخدام الرسومات الجيوغليف، لننطلق من خلالها إلى أثر التطور الفوتوغرافي الحديث، في تأصيل علاقتنا بالتصميمات التاريخية، وكيف يُمكنها أن تُلهمنا لمشاريع الاستدامة، وفُرص إحداث التغير، عبر مستوى متقدم من التنقل بين الإبداعات الإنسانية المجهولة، التي لم تُسفسر بعد! يحظى النقاش حول أثر التصوير الجوي، في اكتشاف «خطوط نازكا» التاريخية، محل اهتمام كبير، وذلك بسبب الدور المهم الذي لعبه في اكتشافات حديثة في السنوات الماضية والحالية لتلك الخطوط، بعد أن ظلت العديد منها غير مرئية بشكل واضح، من أعالي الهضاب في صحراء بيرو، ما يقودنا إلى ما يشبه الاكتشافات الفضائية، وإمكانية مناقشة تطوير التكنولوجيا ودرجة حساسيتها للمخزون الأثري في باطن كوكب الأرض، ورغم أن الكثير من تلك الخطوط لها وضوح سطحي، إلا أنها تعرضت لبعض الضرر الجزئي أثناء التفاعلات المباشرة من الإنسان، بسبب دقتها وطبيعة مكوناتها الصخرية والترابية. يُذكر أن المؤرخ الإسباني بيدرو سييزا دي ليون (1520 ـ 1554)، الشهير يتاريخ وصفه لبيرو، رصد أول إشارة لـ «خطوط نازكا» في كتاباته، وأنهالت بعدها النظريات من علماء «الأنثروبولوجيا» وعلماء «الأعراق» وعلماء «الآثار»، في محاولة جادة ومستمرة حتى هذه اللحظة، في محاولة لتحديد الغرض والسبب من تلك الخطوط والأشكال، معتمدين على دراسة ثقافة نازكا القديمة، التي لم يكن لديها نظام كتابة، مقارنة بمجتمعات الشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية، فكانت الرموز والأيقونات وسيلة اتصال رئيسة، وقد تم التوصل إلى فرضية العلاقة التي تربط بين الخطوط وبين حضارة نازكا، من خلال الزخارف المرسومة على الفخار ـ ويعتبر الفخار أساس التقسيم الزمني لحضارة النازكا ـ أهمها تصوير أناس نازكا لأرواح الطبيعية من خلال رسومات لكائنات تحمل الخصائص الحيوانية والإنسانية والنباتية، إلى جانب تفرد «خطوط نازكا» بتجسيدات هندسية للدائرة والمربع، وتنوعت الرسومات في الخطوط بين العنكبوت، والطائر الطنان، والشجرة، والحوت، والبجع، والكلب، والقرد، والسحلية، إضافة إلى صور رمزية نباتية. الارتفاع دائماً ما يقدم بُعداً ثالثاً ومختلفاً في التجسيد البصري، ما يدعم بالضرورة، ما يمكن أن نطلق عليه حاجة العمارة الثقافية في «إكسبو 2020 دبي»، أن تكون قادرة على إلهام الزوار، نحو أفق جديدة للتفكير، ما يعنيه أن تجربة اكتشاف جناح بيرو فنياً، يعتمد على مستوى الرؤية الذهنية للأشياء، باعتبارها تمريناً إبداعياً لرؤية الابتكارات الإنسانية من وجهة نظر غير متوقعة، وتحديداً عندما يكتشف الزوار النظريات الأبرز للعلماء حول «خطوط نازكا»، والتي صنفت إلى مجموعات مختلفة، منها أن تلك الرسومات تعود إلى معتقدات دينية، وعبادة آلهة الزراعة والخصوبة، في طريقة لمواجهة تحديات الجفاف والدعوة لجلب المياه، ما يؤسس فكرة أهمية الإيمان في استدامة الاتصال بالأرض، بالمقابل ذهبت بعض النظريات إلى كونها أنظمة ري قديمة، وصولاً إلى النظريات ذات الاعتقاد في كونها مرتبطة بعلم الفلك، أبرز من عمل على تلك النظريات بول كوسوك، المؤرخ الأمريكي من جامعة لونغ آيلاند في نيويورك، من ذهب إلى بيرو بدايةً لدراسة أنظمة الري القديمة، لتنضم إليه مساعدته عالمة الآثار والرياضيات الألمانية ماريا رايش، وتوصلهم لارتباط الخطوط بعلم الفلك والأكوان، وعملت ماريا رايش على رسم خرائط لأشكال النازكا، واعتبرتها تقويم ومرصد فلكي، وقد فسرت نظريتها حول الموقع عبر كتابها «لغز الصحراء»، من المدهش فعلاً ما قدمته ماريا رايش (1903 ـ 1998)، لـ «خطوط نازكا»، مقررةً بشكل شخصي أن تحمي تلك الخطوط، من خلال إقناع الحكومة وقتها، بحماية الموقع من مشاريع التمدد لخطوط النقل، وتقييد دخول الزوار، حتى لا تواجه الخطوط أي تدمير أو تخريب، وتوثق قصتها أبعاد المسؤولية الكونية للإنسان نحو الطبيعة والموروثات الحضارية، في كونها متصلة بمختلف الثقافات في العالم، فكيف لمواطنة ألمانية، ترتحل إلى بيرو، وتقرر الاستقرار فيها لحماية إرث إنساني مشترك، غير مكتفية بالبحث والكتابة، بل ببناء محيط من النقاشات والتباحث لتطوير وحماية المنجز الثقافي. نظريات مبتكرة لزوار «إكسبو 2020 دبي» هل يُمكن لزاور «إكسبو 2020 دبي»، أن يضعوا نظريات مبتكرة بعد الإطلاع على نظريات العلماء المختلفة، في محاولة يشارك فيها الوعي الجمعي من حول العالم، لإعادة تصور العلاقة التي تربط الحضارات القديمة بالطبيعة، باستخدام التقنيات ذات العلاقة بمكونات الطبقات الأرضية، بعد أن غرقت المدن العصرية، بشيء من الانفصال شبه التام عن مكونات الحياة البرية وملاحظة متغيرات المناخ والقراءة التقليدية للنجوم، وإذا ما تحققت تلك المساحة النقاشية، فإنه بمقدورها أن تفتح مصدراً مغايراً للتكنولوجيا المتعلقة بالاتصال بين الإنسان والأرض، أي أنها ستتجاوز فكرة اكتشاف الأشياء، إلى تعزيز استخدام الآثار في إنتاج التكنولوجيا، خاصةً إذا ما ثبت أن تلك الأشكال والرسومات في «خطوط نازكا» تعتبر مرصداً فلكياً، فنحن فعلياً أمام بوابة ضخمة من المضامين الفلكية والاكتشافات الفضائية، بمقدور خطوط نازكا أن تقدمها لنا، إلى جانب طبيعة الحياة في تلك الفترة اللافتة من حضارة «نازكا» وما قبلها، من خلال دراسة رسومات الطيور المكتشفة، والتي تعد الأكثر تصويراً في «خطوط نازكا»، حيث لاحظ مجموعة من الباحثين اليابانيين، أثناء عمليات البحث في الموقع، أنه توجد نقوش لطيور لا تسكن عادةً في البيئات الصحراوية، وتوصف بالغريبة عن المكان، ما يفتح أسئلة للمؤشرات المختلفة لتلك الطيور، يطرحها المتابعون والمهتمون في أنه ربما تكون تلك الطيور حالة إبداعية متخيلة من صنع أناس نازكا وقتها، استحضاراً لتطور الحياة على أرضهم، كون الطيور أينما تواجدت يتواجد الماء، ويمكن الافتراض أن تلك الطيور أتت في مواسم زراعية غنية، رغم الطبيعة القاحلة للأراضي !
مشاركة :