عندما تمَّ التخلص من الرئيس السوداني السابق عمر البشير -غير مأسوف عليه- ونظامه البائد الذي كرَّس حكمه على مدى ثلاثة عقود بالحديد والنار، باركنا ثورة الشعب، وأيَّدنا حركة التغيير، ووقفنا إلى جانب خيار الشعب وقوف من يتمنى الخير لمواطني السودان، رغم وجود وسائل إعلام كانت تنفخ في نار الفتنة، وزرع الخلافات، وجرّ البلاد إلى عدم الاستقرار، وبشحن الخلافات بين الشركاء في النظام الجديد!. * * وليس من تفسير لهذا الموقف الإعلامي غير المحب للشعب السوداني الشقيق غير أنه يبحث عن متابعين على حساب مصلحة السودان، والعجيب الغريب أن هذه الأبواق تنتمي إلى دول عربية، وربَّما أن أنظمة عربية هي من يوجه سياساتها، دون مراعاة لحاجة السودان إلى أن يخيم عليه الهدوء، ويبدأ مرحلة جديدة من الحياة والعمل، وتصحيح ما أفسده النظام السابق. * * هذه الصورة السوداء القاتمة من التعاطي الإعلامي المشبوه مع الوضع في السودان، يثير الاهتمام والتساؤل، ويطرح أكثر من جواب، وأكثر من استنتاج، مع بقاء الوضع الإعلامي إياه في دائرة الاتهام، وربما الإدانة في ظل ما نراه من ممارسات عبثية لا تخدم السودان، ولا الاستقرار في المنطقة. * * وما يجري هذا الأسبوع من تطورات في السودان، لا يمكن تفسيرها، طالما أنه تم الاتفاق بين المدنيين والعسكريين على إدارة الحكم في البلاد بالشراكة إثر سقوط نظام البشير، إلا أن الخلافات وشهوة الانفراد بالحكم هما من قوَّض ما تم الاتفاق عليه، وأوصل السودان إلى ما وصل إليه. * * وفي كل الأحوال، فليس من المصلحة التصعيد والعصيان، أو الخروج إلى الشارع بمظاهرات غير سلمية، وغير منضبطة، أو التعامل الإعلامي مع هذه التطورات بشكل سلبي لا يساعد على الاستقرار في السودان الشقيق. * * كما أن تدخُّل دول العالم الكبرى في الشأن السوداني، وعدم إعطاء الفرصة لما يجري الآن هو -بنظرنا- تأجيج للحالة السودانية، وزيادة في دفع المواطنين إلى التوتر، حتى وإن جاء سبب هذا التدخل الدولي ضمن المطالبة بالحرية، وحقوق الإنسان، والحكم المدني، وهي ما تفعله هذه الدول لتبرر تدخلها مع أي تطورات في أي دولة من دولنا العربية. * * وبنظرنا فإن المطلوب الآن، ولمصلحة الشعب السوداني، عدم الانسياق إلى ما تقوله بعض الأبواق في بعض وسائلنا الإعلامية العربية، وعدم الانقياد إلى ما تعلق به الدول الأجنبية على التطورات في البلاد، مع التزام الهدوء، وعدم التصعيد، والتوجه نحو المصالحة والتفاهم مع كل القوى لإدارة شؤون الدولة، ومعالجة نقاط الخلاف بالحوار والتفاهم. * * وبنظرنا أيضاً فإنه من المبكر معرفة التداعيات (اللاحقة) لهذا التغيير وأسبابه (السابقة)، وبالتالي، فلابد من إعطاء الفرصة والوقت، والاستماع إلى كل الأطراف قبل أي موقف قد لا يخدم البلاد. * * على أن العقلاء من السودانيين في الحكم وخارج الحكم هم أحرص على مصلحة الدولة، ومعالجة هموم الشعب، وتحقيق تطلعاته وآماله وطموحاته من أبواق (سياسية وإعلامية) تكيل بمكيالين ضد مصلحة السودان وشعبه الشقيق. * * ولابد لي من القول أخيراً: دعوا السودانيين بدلاً من التدخل في شؤونهم يشكِّلوا حكومتهم القادمة من غير السياسيين والحزبيين، واعتمادها على قوى من الكفاءات كما أعلن عن ذلك عبدالفتاح برهان رئيس مجلس السيادة في السودان، فقد شبع الشعب السوداني من فشل العسكريين والسياسيين، وآن الأوان لتكون الحكومة القادمة معتمدة على الكفاءات التي يزخر بها السودان، كأول تجربة جديرة بالترحيب والإقناع في السودان الشقيق.
مشاركة :