بقلم ا.د كريم فرمان   لعل من نافلة القول ان تطور وسائل الاتصال قد احدث نقلة سريعة في نقل الاخبار والاحداث والافكار ، وبالتالي ربط العالم والعائلة والاصدقاء بصورة اقرب وجعل من المسافات البعيدة مجرد ضغطة زر يتحقق خلالها الوصل بالصورة والصوت، ولكن .. كما قيل في عالم الطب ان لكل دواء اعراض جانبية إلا ان اعراض السوشيل مديا تفوقت على جوهر الدواء.   قبل فترة اتصلت بي صديقة إعلامية وطلبت مني ان اكتب لها كلمة لا تزيد عن عشرة اسطر تريد القاءها في احتفالية تكريمية لها، ظهرت على انستغرامها ترتدي حلة قشيبة تطرزها شفاه منتفخة وارداف مرتفعة من انتاج جراحات التجميل ثم حصدت تلك الكلمة والمناسبة ثلاثة ملايين مشاهدة خلال اربع وعشرون ساعة، تفاجات بان عدد متابعيها فعلا عشرة ملايين بينما كاتب هذه السطور امضى ثلاثة عقود من عمره يلقي محاضراته على طلبة الجامعات ولم يحصد حسابه في تويتر سوى مائتين من المتابعين!!.   قبل ايام حصدت مطربة لبنانية ستينية، لا اظن أحدا كان سيهتم بها لو انها ظهرت قبل عقود من الزمن ، حصدت في اليوتيوب 750 مليون مشاهدة فقط خلال يومين، واصابتني الدهشة حينما رايت مشهدها وهي تهم بالدخول إلى قاعة الحفل في بغداد يحيط بها لا يقل عن عشرون حارسا من رجال اشاوس غلاظ هم حمايتها بينما هي كانت ترتدي سترة واقية من الرصاص وكانك تشاهد موكب لزعيم كوريا الشمالية!! بينما لم يتجاوز عدد المتابعين في حسابه على الفيسبوك بروفسور في اللغة العربية والنحو تجاوز عمره 88عاما ويلقبه الكثير بانه من البقية الباقية واعلم اهل الأرض بلغة الضاد لم يسجل في حسابه بعد اربعة اعوام غير تسعون الف متابع!!!.   يروي لي صحفي صديق يراس تحرير مجلة ثقافية اجتماعية جادة انه ذهب للقاء صاحب شركة اعلانات وتسويق شهيرة لعله يفوز منه بإعلان واحد عن بعض اكسسوارات النساء او صورة لقارورة عطر تعينه على تسديد فاتورة كهرباء ومياه وراتب السكرتيرة في مقر صحيفته.. يقول سالني كم متابع لصحيفتك؟اجبته عشرون الف الحمد لله..فهز راسه تعجبا عشرون الف وتريد مني إعلانا!! وشرف امك لو لم تكن ابن الجيران في الضيعة لطردتك من المكتب!!اذهب وسوق مجلتك عن طريق مؤثرة ع السوشيل ميديا ؟سالته من تكون هذه المؤثرة؟. قال الفنانة الصاعدة فلانة… قلت اين صعدت ومتى؟ اجاب نعم صعدت السلم بسرعة وتركت امثالك ينشر ثقافة وابداع!! وانت ان بقيت على قيمك القديمة سوف تبق محشورا في الدرجة الاولى من سلم الشهرة، يصف هذه المرحلة من التاريخ ابن خلدون بانها فترة تطول بعد هزائم الامم والشعوب!هل نحن حقا وقعنا في تلك المرحلة وكم ستطول سيطرة التافهون على سطح الكوكب فلم يعد هناك مجالا للابداع والأفكار والفلسفة والشعر والفن، فقط يتقافز على مسرح الحياة ثلة من التافهين يؤلفون الروايات ويصورون الفلوقات ليكسبوا المال والجاه ووجبات الطعام في افخر المطاعم، نعم وجبات الطعام المجانية..ذكر لي احدهم بانه يختار ارقى مطعم في مدينة شهيرة يتناول افخر واغلى انواع الطعام مجانا فقط مقابل ان يبث صورة له في المطعم !بل انه زاد بالقول حينما يغادر المطعم مودعا من طاقمه بعد ان يلتقط مجموعة من صور السيلفي يسير معه صاحب المطعم مودعا حتى باب سيارته الرولزرويس ليدس في جيبه ثلاثون الف من عملة البلد! حقا عندما تتراجع طبقة الادباء والعلماء والشعراء والكتاب والمفكرين وتتقدم شريحة هامشية تطفو على سطح المجتمع ندرك باننا نعيش مرحلة التدهور والانحطاط التي حددها ابن خلدون بعد خسارة حروبنا ومعاركنا.. هل ان امتنا العربية قد ادت افضل ما عندها ولم يتبق في جوفها شيء؟هل عقمت؟ ام ان ما نراه هو افرازات العولمة!!!. . . . . كاتب واكاديمي من العراق مقيم في المغرب واستاذ القانون والنظم السياسية في جامعة الاخوين في افران المغربية