نيروبي/الخرطوم - أعلن الاتحاد الإفريقي اليوم الأربعاء أنه علق عضوية السودان في الاتحاد المؤلف من 55 دولة بعد الإجراءات التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبدالفتاح برهان الاثنين الماضي وشملت حل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حالة الطوارئ. كما لم تهدأ الضغوط الخارجية على قيادة الجيش السوداني، إذ جمّد البنك الدولي مساعداته إلى البلد الغارق في أزمة اقتصادية خانقة. وجاء في بيان مجلس السلام والأمن بالاتحاد الإفريقي أن قرار التعليق " تم تفعيله فورا" ويحظر السودان من جميع أنشطة الاتحاد" لحين الاستعادة الفعلية للسلطة الانتقالية بقيادة المدنيين". وطالب المجلس من رئيس الاتحاد الإفريقي أن " يرسل فورا إلى السودان مبعوثه للحوار مع الأطراف السودانية بشأن الخطوات الضرورية اللازمة للتعجيل باستعادة النظام الدستوري في السودان". واعتبر الاتحاد في بيان الأربعاء سيطرة الجيش السوداني على السلطة أمرا "غير مقبول" و"إهانة للقيم المشتركة والمعايير الديمقراطية للاتحاد الإفريقي". وفي بيان مشترك الأربعاء، أكدت بعثة الاتحاد الأوروبي في الخرطوم ومجموعة دول الترويكا في السودان والتي تضم بريطانيا والنرويج والولايات المتحدة بدعم من سفارة سويسرا "التمسك بالاعتراف برئيس الوزراء وحكومته كقادة دستوريين للحكومة الانتقالية". وطالبوا بـ"الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين". وأضاف البيان "نطلب بشكل عاجل أن نتمكن من مقابلة رئيس الوزراء". وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الوزير أنتوني بلينكن أجرى محادثة هاتفية مع حمدوك الثلاثاء رحّب فيها بإطلاق سراحه. وقال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس في إعلان مكتوب الأربعاء إن مجموعة البنك "علّقت صرف أموال كافة عملياتها في السودان وتوقفت عن البتّ بأي عملية جديدة في وقت نراقب ونقيّم فيه الوضع عن كثب". وكان البنك الدولي يشارك خصوصا في آلية تخفيف دين السودان. وأعلنت الولايات المتحدة الثلاثاء تعليق جزء من مساعداتها للسودان. وكانت تعهدت بتقديم هذه المساعدات بعد أن رفعت اسم السودان عن لائحتها للدول الراعية للإرهاب في نهاية العام 2020. وهدّد الاتحاد الأوروبي أيضا بتعليق مساعداته، بينما اعتبرت موسكو من جهتها أن الانقلاب "نتيجة منطقية لسياسة فاشلة". وحتى الآن، لم يتمكن مجلس الأمن الدولي من التوصل إلى إعلان مشترك حول السودان بعد اجتماعه مساء أمس الثلاثاء. ويأتي هذا الإعلان بينما كثفت القوى الأمنية الأربعاء حملة التوقيفات التي تستهدف ناشطين ومتظاهرين محتجين على الانقلاب، حيث انتشرت في كل أنحاء الخرطوم لمحاولة وضع حد للتحركات الشعبية الرافضة لقرارات البرهان. ويتعرض الجيش الذي استأثر بالسلطة بعد أن أبعد شركاءه المدنيين في العملية الانتقالية، لضغوط سياسية ومالية خارجية. وفي محاولة لاحتواء الغضب الدولي والاحتقان الشعبي محليا، أفرج أمس الثلاثاء عن رئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك الذي كان أوقف الاثنين، وأُعيد إلى منزله، بعد تشديد دول غربية والأمم المتحدة على ضرورة إطلاق سراحه. وكان البرهان قال أمس في مؤتمر صحفي بالخرطوم، إن حمدوك في ضيافته بمنزله وأنه سيعود قريبا إلى بيته وما هي إلا ساعات قليلة حتى ذكرت مصادر مقرب من رئيس الوزراء المعزول أنه أُعيد إلى منزله تحت حراسة أمنية مشددة. لكن مكتبه قال إنه لا يزال "تحت حراسة مشددة"، مشيرا إلى أن "عددا من الوزراء والقادة السياسيين لا يزالون قيد الاعتقال في أماكن مجهولة". في الوقت نفسه، تواصلت محاولة إسكات المعارضة، فقد تمّ توقيف مساعد رئيس حزب الأمة صديق المهدي نجل رئيس الحكومة الراحل صادق المهدي وأحد قيادي ائتلاف قوى الحرية والتغيير المطالب بتسلم المدنيين السلطة، وفق ما أفادت أسرته. وشهدت شوارع العاصمة السودانية الأربعاء انتشارا أمنيا مكثفا من الجيش وقوات الدعم السريع، لا سيما في شارع المطار. وحاولت الشرطة إزالة الحواجز التي أقامها المتظاهرون من شارع الستين، أحد أبرز الشوارع في شرق العاصمة، ونفذت حملة توقيفات شملت عددا من الشباب الذين كانوا في المكان، وفق ما أفاد صحافيون. وقال أحد المتظاهرين يدعى هادي بشير "رأيت قوات الشرطة تفك كل المتاريس في الشوارع الرئيسية وشارع الستين منذ صباح الأربعاء.. وتعتقل جميع الأشخاص الموجودين في المنطقة". ومساء الثلاثاء، أطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين في منطقة بحري شرق الخرطوم في محاولة لتفريقهم وإزالة العوائق من الشوارع. وكانت لجنة أطباء السودان المركزية التي قادت الاحتجاجات ضد الرئيس المعزول عمر البشير، أعلنت عبر فيسبوك مقتل أربعة "ثائرين بإطلاق نار من قوات المجلس العسكري الانقلابي"، منذ الاثنين خلال احتجاجات. ودعا ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى "تظاهرة مليونية" السبت ضد الانقلاب. ويقول المتظاهرون السودانيون الرافضون للانقلاب إنهم لن يتركوا الشارع قبل عودة الحكم المدني للبلاد. وعاش السودان منذ استقلاله قبل 65 سنة، بشكل شبه مستمر تحت سيطرة العسكر. وكان الجيش تسلم السلطة بعد أن أطاح في أبريل/نيسان 2019 بنظام عمر البشير الذي حكم السودان أكثر من 30 عاما بقبضة من حديد، بعد انتفاضة شعبية عارمة استمرت شهورا. لكن الاحتجاجات الشعبية تواصلت مطالبة بسلطة مدنية وتخللتها اضطرابات وفض اعتصام بالقوة سقط خلالها أكثر من 250 قتيلا. وفي أغسطس/اب 2019، وقّع العسكريون والمدنيون في ائتلاف قوى الحرية والتغيير اتفاقًا لتقاسم السلطة نصّ على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقا. وبموجب الاتفاق، تم تشكيل سلطة تنفيذية من الطرفين (مجلس سيادة يرأسه عسكري، وحكومة يرأسها مدني)، على أن يتم تسليم الحكم لسلطة مدنية إثر انتخابات حرة في نهاية المرحلة الانتقالية. وعلّقت مجموعة الأزمات الدولية على الوضع، واصفة إياه بأنه "لحظة خطيرة بالنسبة للسودان وجيرانه (من الدول)". وأضافت "بالنسبة للقادة العسكريين في البلاد، فإن محاولات إخماد الاحتجاجات بالقوة كما فعلوا عام 2019، ستكون بمثابة سوء تقدير كبير"، معتبرة أنه بعد سنتين على "الثورة" السودانية، "تعلمت حركة الاحتجاج من أخطائها، وهي اليوم أكثر ابتكارا". وأشارت المجموعة في هذا الإطار إلى أن الناشطين المطالبين بالديمقراطية لديهم اليوم "شبكة من اللجان المحلية في كل أنحاء البلاد تمكنهم من تنظيم أنفسهم حتى من دون إنترنت" التي لا تزال مقطوعة إجمالا عن البلاد منذ الاثنين. وشهدت مدن أخرى غير الخرطوم الأربعاء تظاهرات فرقها عناصر الأمن، وفق شهود. وعلى صعيد آخر، أعلن مدير الطيران المدني إبراهيم عدلان استئناف العمل بمطار الخرطوم الأربعاء. وكانت السلطات قررت الثلاثاء تعليق جميع الرحلات من وإلى البلاد حتى نهاية الشهر الجاري بسبب الاضطرابات.
مشاركة :