أيام قليلة قبل قمة غلاسكو للتغير المناخي وقبل قمة مجموعة العشرين في روما نهاية هذا الأسبوع، أعلنت السعودية، أكبر مصدر للنفط في منظمة أوبك وصاحبة أكبر احتياطي عالمي، أنها ستنفق 187 مليار دولار على مبادرات مرتبطة بمكافحة التغيير المناخي، في حدث بالغ الأهمية إذا تبلور على المدى الطويل. أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن السعودية ستخفض الانبعاثات الكربونية الى صفر من الآن الى 2060، مؤكداً بقاء النفط والغاز مصدرين أساسيين للطاقة، الى جانب اعتماد المملكة تقنيات متقدمة لتقليص الانبعاثات. وطالبت المملكة الأمم المتحدة بحذف الشق المتعلق بالابتعاد عن الطاقة الأحفورية لمصلحة مصادر طاقة متجددة خالية من الانبعاثات من خلاصة تقرير علماء المنظمة. ويواكب إعلان ولي العهد السعودي عن مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون التي ترتكز على تقنيات استخلاص الـCO2 وتخزينه، وتطوير تقنيات رفع كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، وزير النفط الأمير عبد العزيز بن سلمان في سعي بلده الى تطوير مشاريع إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة المتجددة، والأزرق باستخدام النفط والغاز، استمرارية إنتاج نفط أكبر دولة نفطية ولا يناقض نياتها بحماية البيئة. وتجدر الإشارة الى أن شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو تطور مشاريع حماية البيئة منذ سنوات. والواقع أن أسعار النفط لتي بلغت أعلى مستوى منذ سنتين مع 85 دولاراً للبرميل، تتيح للدول النفطية صرف مبالغ ضخمة على خططها الخضراء لحماية البيئة ومكافحة التغيير المناخي. وارتفاع أسعار الطاقة في العالم حالياً مرده الى قلة الاستثمارات في هذا القطاع في السنوات الماضية، فشركات النفط قلّصت استثماراتها خلال جائحة كورونا إثر تراجع اقتصادات العالم، ما أدى الى الشح الذي يحدث حالياً ويرفع أسعار النفط والغاز. وتجد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي جعل من مكافحة التغيير المناخي شعار حملته الرئاسية نفسها في مأزق، فهي من جانب تطالب دول أوبك برفع إنتاجها النفطي، ومن جانب آخر توصي الدول المشاركة في غلاسكو بالابتعاد عن الطاقة الأحفورية لتقليص الانبعاثات الغازية. والتوجه السعودي والخليجي عموماً نحو تطوير تقنيات استخلاص الـCO2 وتخزينه وتطوير تقنيات أخرى لتقليص الانبعاثات الغازية هو خيار صائب، رغم كلفته المرتفعة. ووحدها الدول الخليجية النفطية والغازية بإمكانها تحملها. اللافت أيضاً أن الفرق شاسع بين الدول المشاركة، الغنية والفقيرة، في قمة غلاسكو إزاء هدف التغيير المناخي، فهناك 196 دولة مشاركة، منها دول فقيرة غير قادرة على تطوير الطاقات المتجددة من دون مساعدة. وكانت الدول الصناعية قد التزمت في 2009 بدفع مئة مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول النامية الفقيرة التي تواجه التدهور المناخي، ولكنها تأخرت بتنفيذ التزاماتها، علماً أن تقريراً نشرته الرئاسة البريطانية لقمة غلاسكو يشير الى أنه رغم التأخير في التزامات الدول الصناعية، قد تقدم مئة مليار دولار سنوياً بين 2021 و2025. والتأخير في تمويل دول الجنوب هو مشكلة محورية، لأن هذه الدول في طليعة الدول التي تعاني من التأثير السلبي للاحتباس الحراري. ففي 2019، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي OECD، حصلت هذه الدول على 79.6 مليار دولار. والسؤال هو من هي الدول الغنية التي ستساهم في هذه الالتزامات التي نفذت حصتها منها الولايات المتحدة ونيوزيلندة والاتحاد الأوروبي وكندا؟ ومن المنتظر إعلان تمويلات إضافية، بحسب رئاسة القمة البريطانية. لكن كيف يمكن الطلب من الدول الابتعاد عن مصادر الطاقة الأحفورية، والطلب على هذه الطاقة يحلّق في دول أوروبا التي تستخدم الغاز في مرحلة تحولها الى الطاقة المتجددة، مثل ألمانيا ودول أوروبية أخرى ودول آسيا التي ستأخذ وقتاً طويلاً للتحول. الموقف السعودي منطقي، إذ إن من مصلحة المملكة والدول الخليجية الأخرى تطوير مبادرات خضراء وطاقات نظيفة لحماية البيئة، ولكن تنفيذ هذه المبادرات وتطوير تقنيات جديدة بكلفة مرتفعة لا يمكن القيام بهما إلا عبر عائدات نفطها وغازها. لذا لا يمكن الطلب من دول نفطية أساسية أن توافق على الابتعاد عن الطاقة الأحفورية التي ستبقى لعقود مصدراً أساسياً، والتي قد تنتج مصادر طاقة متجددة نظيفة مثل الهيدروجين من الغاز. مشاركة السعودية ودول الخليج في قمة غلاسكو، بعد إعلان ولي العهد عن المبادرة الخضراء التي سيجري خلالها غرس ملايين الأشجار في كل أنحاء المملكة، ستكون مهمة للدفاع عن مبدأ أن إنتاج النفط والغاز بإمكانه ألا يكون نقيضاً لحماية البيئة ومكافحة التغيير المناخي إذا واكبه تطوير تقنيات استخلاص CO2 وتخزينه، وهو ما بدأت تنفذه السعودية.
مشاركة :