الخرطوم - ستكون شوارع السودان غدا السبت على موعد مع مظاهرة يعتقد أنها ستكون الأكبر على الإطلاق تنديدا بانقلاب العسكر على شركائهم المدنيين في الحكم وللمطالبة بعودة الحكم المدني، وسط مخاوف من موجة عنف غير مسبوقة ولجوء الجيش للرصاص الحي على غرار ما حدث سابقا، بينما يواجه قائده عبدالفتاح البرهان ضغوطا دولية ومحلية شديدة. ورغم تصاعد العنف في الخرطوم حيث سقط ثمانية قتلى و170 جريحا منذ الاثنين، يحشد أنصار الحكم المدني لتعبئة عامة ومسيرات يريدونها "مليونية" السبت في السودان ضد انقلاب العسكر الذي أطاح بالمدنيين من السلطة. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخميس الجيش السوداني إلى "ضبط النفس" السبت في التعامل مع المتظاهرين. وقال ناشط يدعى هيثم محمد الجمعة "حصد أرواح المتظاهرين بالرصاص غير مقبول ولن يجعلنا نتراجع". وانهمر أثناء الليل وابل من الرصاص والرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع على المتظاهرين في اثنين على الأقل من أحياء الخرطوم، هما حي بري بشرق العاصمة وبحري في شمالها، لكن محمد قال "إن هذا لن يزيدنا إلا تصميما". ومنذ الاثنين، تغير المشهد تماما في السودان بعد سنتين من حكم انتقالي هش، ففي العام 2019، اتفق العسكريون الذين تولوا السلطة بعد الإطاحة بالبشير إثر حركة احتجاجات شعبية عارمة غير مسبوقة، والمدينون الذين قادوا تلك الاحتجاجات، على تقاسم السلطة لمرحلة انتقالية يتم في نهايتها تسليم الحكم إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا. لكن البرهان أعلن الاثنين حل مؤسسات الحكم الانتقالي، مطيحا بشركائه المدنيين من السلطة، وأيضا بآمال التحوّل الديمقراطي. وفجر الاثنين، اعتقل جنود رئيس الوزراء عبدالله حمدوك والعديد من أعضاء حكومته والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة المسؤول عن قيادة المرحلة الانتقالية. وأعيد حمدوك بعد أيام إلى منزله، لكنه "لا يتمتع بحرية الحركة"، بحسب مسؤولين دوليين تمكنوا من الحديث معه عبر الهاتف، لكن لم يتمكن أحد من مقابلته. وأصبح وزراء حكومة حمدوك الذين لم يعتقلوا، الناطقين باسم المطالبين بعودة "السلطات الشرعية"، ووضع حد لحكم العسكر الذي تواصل بشكل شبه مستمر في السودان منذ استقلاله قبل 65 عاما. وقال هيثم محمد "الجيش مثل النظام السابق تماما"، في إشارة إلى عمر البشير الذي وصل إلى السلطة عام 1989 بانقلاب أطاح آنذاك بحكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطيا، واستمر ثلاثين عاما. ويواجه الفريق أول البرهان مقاومة على الأرض، فرغم قطع الإنترنت في البلاد، ينظّم المتظاهرون أنفسهم للنزول إلى الشوارع في الخرطوم ومدن أخرى. ورغم إعلانه حل النقابات المهنية، إلا أن هذه المؤسسات التي دعت إلى "عصيان مدني" وما زالت تحشد أعضاءها وقادرة على تنظيم "إضراب عام" حوّل العاصمة السودانية إلى مدينة أشباح منذ الاثنين. ويحاول العسكريون إسكات المعارضة عبر اعتقال شخصيات سياسية وناشطين وأشخاص بشكل عشوائي وكذلك بالسيطرة على وسائل الإعلام. واقتحم جنود مقرّ التلفزيون الرسمي الذي أقيل رئيسه الخميس وقد كان مدافعا شرسا عن الحكم المدني. كما اقتحموا مقرّ وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا). وتتعرّض وسائل الإعلام الخاصة كذلك إلى الترهيب. وقد استهدفت الجمعة صحيفة "الديمقراطي"، عندما جاء جنود وأرغموا حارس المبنى على الرحيل وقالوا له "لا تعد"، وفق ما روى أحد الصحافيين في الوسيلة الإعلامية. والخميس، تمّ وقف جميع المحطات الإذاعية التي تبث على موجة "أف أم" ومن بينها راديو "هلا". ونقل التلفزيون الرسمي خطبة الجمعة التي دعت إلى دعم العسكريين. وقال الخطيب الذي جلس قبالته العديد من الجنود بزيهم العسكري "لا بدّ أن يكون لنا ولاء وحبّ للقوات النظامية وألا نسيء إليها"، مضيفا "إن أسأت لقواتك النظامية، فكأنك أسأت إلى وطنك". ويؤكد البرهان أن قراراته "ليست انقلابا"، إنما هي إجراءات "لتصحيح مسار الثورة". وفي هذا الوقت، يصعّد المجتمع الدولي الضغوط على العسكريين. وطالب مجلس الأمن الدولي في بيان صدر بإجماع أعضائه الخميس العسكريين في السودان "بعودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون"، مبديا "قلقه البالغ حيال الاستيلاء العسكري على السلطة". وقال الرئيس الأميركي جو بايدن "رسالتنا معا إلى السلطات العسكرية في السودان واضحة، ينبغي السماح للشعب السوداني بالتظاهر سلميا، وإعادة السلطة إلى الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون"، مؤكدا أن "الولايات المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوداني ونضاله اللاعنفي للمضي قدما نحو أهداف الثورة السودانية". الخرطوم - قال الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش الذي قاد الانقلاب العسكري في السودان ويواجه ضغوطا في الداخل والخارج لإعادة السلطة للمدنيين، إنه قد يتم الإعلان عن رئيس وزراء من التكنوقراط في غضون أسبوع، وإنه لا يزال يحاول إقناع الرجل الذي أطاح به بالعودة وتشكيل حكومة جديدة. وعلقت دول غربية مساعدات بمئات الملايين من الدولارات التي تشتد حاجة السودان إليها منذ حل البرهان حكومة تقاسم السلطة بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك يوم الاثنين. وكان من المفترض أن تقود هذه الحكومة السودان إلى انتخابات في عام 2023 بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير قبل عامين. ودعا معارضو انقلاب هذا الأسبوع إلى مظاهرات حاشدة السبت. وقتل ما لا يقل عن 11 محتجا في اشتباكات مع قوات الأمن هذا الأسبوع. وكثفت الولايات المتحدة والأمم المتحدة الضغوط على البرهان الخميس عندما دعا مجلس الأمن إلى إعادة الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن بلاده تقف إلى جانب المتظاهرين مثلها مثل الدول الأخرى. وقال البرهان في تصريحات لوكالة الأنباء الروسية سبوتنيك نشرت الجمعة إن الحكومة الجديدة سيقودها تكنوقراط وأضاف "لن نتدخل في اختيار الوزراء"، مضيفا "سيختارهم رئيس الوزراء الذي سيتوافق عليه من مختلف قطاعات الشعب السوداني ولن نتدخل في من يختاره". وأشار إلى أنه سيتم تعيين أعضاء جدد في مجلس السيادة وهو هيئة مدنية عسكرية حلها البرهان أيضا. ومساء الخميس ترك البرهان الباب مفتوحا أمام احتمال عودة حمدوك لرئاسة الحكومة مرة أخرى قائلا إن الجيش يتفاوض معه لتشكيل الحكومة الجديدة. وقال البرهان في كلمة إلى جماعات ساعدت في الإطاحة بحكم البشير في 2019 إن مشاورات تجري لاختيار رئيس للوزراء. واحتجز حمدوك، وهو اقتصادي ومسؤول كبير سابق في الأمم المتحدة، في البداية في مقر إقامة البرهان وسمح له بالعودة إلى منزله تحت الحراسة يوم الثلاثاء. ويقول حلفاء حمدوك إنه رفض مطالب قادة الانقلاب بالتعاون وطالب بإعادة تقاسم السلطة مع المدنيين والإفراج عن الوزراء المعتقلين. وقال مكتب ممثل الأمم المتحدة في السودان الخميس إنه عرض تسهيل تسوية سياسية لاستعادة المرحلة الانتقالية خلال اجتماع مع البرهان. وسط تقييد السلطات لخدمات الإنترنت والهاتف المحمول، وزع متظاهرون منشورات تدعو إلى "مسيرة مليونية" غدا السبت تحت شعار "ارحل!" وقال شهود إن قوات الأمن أطلقت ذخيرة حية وطلقات مطاطية باتجاه المتظاهرين ليل الخميس في بحري عبر النهر من العاصمة الخرطوم. وقالت لجنة من الأطباء إن شخصا قتل في تلك الاشتباكات بينما أصيب اثنان وهما في حالة حرجة. وأكد تحرك البرهان الدور المهيمن الذي يلعبه الجيش في السودان منذ الاستقلال عام 1956 وذلك بعد أسابيع من التوتر المتصاعد بين العسكريين والمدنيين في الحكومة الانتقالية بسبب قضايا منها ما إذا كان سيتم تسليم البشير وآخرين إلى لاهاي لمواجهة اتهامات بارتكاب جرائم حرب. وقال البرهان، الذي كان من المقرر أن يسلم قيادة المجلس السيادي إلى شخصية مدنية قريبا، إنه تحرك لمنع انزلاق البلاد إلى حرب أهلية ووعد بإجراء انتخابات في يوليو 2023. وأدى الانقلاب إلى تجميد المانحين مساعدات تشتد الحاجة إليها في بلد يعاني أكثر من نصف سكانه من الفقر وأدت المصاعب فيه إلى تأجيج الاضطرابات والحروب الأهلية. وبعد عقود من العزلة الدولية في عهد البشير، تمكن السودان أخيرا من الحصول على المساعدات الغربية التي لم تبدأ إلا منذ عهد قريب في جلب بعض الاستقرار للاقتصاد السوداني. ويشهد السودان أزمة اقتصادية عميقة بلغ فيها التضخم مستويات قياسية وشهدت نقصا في السلع الأساسية. وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت بعض علامات التحسن التي ساهمت فيها مساعدات قال كبار المانحين الغربيين إنها ستتوقف ما لم يتم العدول عن الانقلاب. وجمدت الولايات المتحدة مساعدات قدرها 700 مليون دولار، كما أوقف البنك الدولي، الذي منح السودان حق الحصول على تمويل بقيمة ملياري دولار في مارس آذار، مدفوعاته، فيما قال صندوق النقد الدولي، الذي وافق على تمويل قدره 2.5 مليار دولار للسودان في يونيو الخميس إن من السابق لأوانه التعليق على تداعيات استحواذ الجيش على السلطة. وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من نصف السكان يعيشون في فقر وبلغ معدل سوء التغذية بين الأطفال 38 بالمئة. ونظام الرعاية الصحية في البلاد في حالة انهيار.
مشاركة :