بعد توقف دنا من العامين، فرضته الجائحة وتبعاتها، استأنف «منتدى البحرين للكتاب» فعالياته مساء الإثنين الموافق 24 أكتوبر في «مركز عيسى الثقافي»، منطلقًا بأولى محاضراته التي قدمها الدكتور هاشم الباش، قارئا فيها كتاب «السقوط المدوي، الأسواق الحرة وغرق الاقتصاد العالمي»، لعالم الاقتصاد الأمريكي الحافز على نوبل (جوزيف ستيجلز)، والذي ترجمه المترجم البحريني محمد الصياد حديثًا، وصدر عن «الدار العربية للعلوم». في هذه المحاضرة، استعرض الباش مضامين الكتاب، الذي يبحث في الأزمات الاقتصادية التي مر بها الاقتصاد العالمي، ليكشف أسسها، ويدرس السياقات الاقتصادية، والسياسية، والفكرية التي أدت إليها، ومن هذا المنطلق، يؤكد الباش بأن هذا الكتاب «يشكل سردية اقتصادية رائعة، تحمل في طياتها المعلومة، والتحليل العميق والتفسير الرصين»، مضيفًا بأن هذا الكتاب «يمثل ساحة صراع فكري في السياسات الفاشلة التي أنتجته الأزمة المالية عام 2008، وعصفت بالاقتصاد الأمريكي، جارفة معها دول العالم لاحقا». وبيّن الباش، بأن القارئ للكتاب، «سيجد مردستين تتشابكان في الكتاب، المدرسة الكينزية التي ينتمي إليها المؤلف، والمدرسة السائدة في وقتنا الحاضر، والمتمثلة في الليبرالية الجديدة أو (النيوليبرالية)»، لافتًا إلى أن النيوليبرالية «فكرة قائمة على الكثير من الأدلجة، وهي مدرسة تريد العودة بالاقتصاد إلى رأسمالية القرن التاسع عشر»، وبالتالي إلى الرأسمالية المتوحشة، التي تهمش العمال، وعلى هذا، يرفض المؤلف النيوليبرالية ويهاجمها، كما يبين الباش، مضيفا بأن هذه الحركة ظهرت في سبعينيات القرن الماضي، على إثر الأزمة الحاصلة آنذاك، والتي عجزت فيها الكينزية عن تجاوز الأزمة بما قدمته من وصفة، لافتًا إلى أن «سبعينيات القرن الماضي، تشكل حقبة مهمة على الصعيد الاقتصادي، حيث أزمة النفط العربي، وحرب فيتنام، وتعويم الدولار (فك ارتباطه بالذهب)، بالإضافة للتضخم والركود الذي شهدته هذه الحقبة التي كانت فيها أمريكا كينزية المذهب»، ومهد كل ذلك لبروز النيوليبرالية. ثم عرّج الباش على الأزمة المالية العالمية، عام 2008، بوصفها «ثاني أزمات الرأسمالية، وأولى أزمات العولمة»، ليكشف عن أسبابها، ويعود بالزمن إلى سنوات قلائل حيث فقاعة الإنترنت أو كما تسمى «فقاعة الدوت كوم»، مفصلا تحليلات المؤلف الاقتصادية والسياسية والفكرية لهذه الأزمة، ليبين محاججة المؤلف الذي يرى بأن «الحكومة الأمريكية وعبر مساعداتها للشركات الكبرى والبنوك في هذه الأزمات، ساعدت الأغنياء على حساب الفقراء»، مؤكدا على «عكس الكاتب نتائج المأساة التي حلت بملايين الأشخاص في أمريكا والعالم بخسارتهم بيوتهم، وفقدان أعمالهم ومدخراتهم، وتضاؤل استثماراتهم، إضافة إلى سقوط عشرات الملايين في براثن الفقر». وخلص الباش إلى أن «هناك دورًا جديدًا أخذ في ترسيخ أقدامه في الممارسات الاقتصادية، يركز على تدخل الدولة، وتشديد القوانين، والدعوة إلى إصلاح النظام المالي العالمي، وإيجاد نظام مالي قادر على التعامل بكفاءة مع الأزمات المالية في العصر الحديث»، مؤكدا على أن «الأحداث التي جاءت بعد الأزمة والكساد، تمثل خبرات متراكمة كافية، لوضع إرشادات ورسم سياسات عامة»، لافتا إلى أن الكتاب «هو صراع أفكار اقتصادية، نحن في أمس الحاجة للاطلاع عليها وفهمها»، مضيفا «نحن بحاجة لهذا الصراع الفكري، كما لا يمكن لنا تجاهل أن الاقتصاد هو المجتمع، ولابد بأن يكون للمجتمع دوره، ذلك الدور المتمثل في المعرفة، والتزود بالعلوم، والفلسفة، ومعرفة اللغات للنهوض بمجتمعاتنا». من جانبه تداخل مترجم الكتاب محمد الصياد، مبينًا بأن ما دفعه لترجمة الكتاب، هو كوننا في العالم العربي «نستورد التطبيقات والممارسات، ونجهل الأفكار وراءها»، والكتاب، يعمل على تأصيل الأفكار، لهذا يقول الصياد «يؤصل الكتاب للممارسات الاقتصادية الرأسمالية المضادة لما دعت إليه الرأسمالية النيوليبرالية، وهو دعوة للتخلي عنها، وإعادة الاعتبار للرأسمالية الرشيدة».
مشاركة :