أثار الاجتماع الرباعي الذي عقد مؤخرا على الإنترنت بين وزراء خارجية الولايات المتحدة والهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، اهتمامًا واسعا بين أوساط المراقبين. وبحسب ما تم توارده، فقد تطرّق الاجتماع إلى قضايا التعاون السياسي، وتسهيل التجارة والأمن البحري. في حين اعتبرته بعض وسائل الإعلام الدولية تدشينا لآلية رباعية جديدة للحوار الأمني، أو نسخة شرق أوسطية من الآلية الرباعية للحوار الأمني، تطمح إلى توسيع الآلية الرباعية للمحيطين الهندي والهادي نحو الشرق الأوسط. في هذا الصدد، نشر دينغ لونغ، الأستاذ في معهد الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، والباحثة تشانغ هانوين، تعليقًا في صحيفة غلوبال تايمز يوم 28 أكتوبر الجاري، أشارا فيه إلى وجود تعاون ثنائي وثيق بين الدول الأربعة، معتبران أن الضرورة التي دعت إلى تأسيس هذه الآلية الجديدة تبقى مثيرة للشكوك. وذكر المقال بأن بايدن قد ادعى العودة إلى "التعددية" أثناء توليه السلطة، لكن رغم ذلك، فإن الولايات المتحدة لم تعد إلى الآليات الدولية متعددة الأطراف القائمة. وبدلاً من ذلك، سعت إلى انتقاء بعض حلفائها لبناء آليات تعاون جديدة ضيقة واقصائية. حيث أن الثابت الآن، هو أن الولايات المتحدة قد بدأت إنشاء دوائر تحالف صغيرة في العديد من مناطق العالم خدمة لمصلحتها الذاتية واستهدافا للصين. من تعزيز "تحالف العيون الخمس" وإنشاء الآلية الرباعية للمحيطين الهندي والهادي، إلى تحالف أوكوس الأنجلوساكسوني بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا. وتعد الآلية الرباعية الجديدة في الشرق الأوسط، أحدث خطوة من جانب الولايات المتحدة في إطار تكوينها للدوائر التعددية الضيّقة. وتطمح الولايات المتحدة في الوقت الحالي، لاستخدام الشرق الأوسط كميدان صراع جديد مع الصين، بهدف مناهضة الصين والضغط عليها داخل هذه المنطقة. ويعتقد المقال أن تشكيل الولايات المتحدة لدوائر تحالفية مصغرة، يستخدم في الواقع وسائل مؤسسية لإجبار حلفاء أمريكا على الاختيار بين الصين والولايات المتحدة، مما يضع حلفائها في موقف محرج، ويضرّ بعلاقاتها مع الصين، على غرار الإمارات وإسرائيل، اللتان تطورت علاقتهما بالصين بشكل قوي خلال السنوات الأخيرة. حيث استمرت الزيارات رفيعة المستوى بين الصين والإمارات العربية المتحدة، وتطور التعاون متبادل المنفعة في مجالات الطاقة والاتصالات وتجارب اللقاحات والإنتاج التعاوني بسرعة وحقق نتائج مثمرة. ومع ذلك، تجاهلت الولايات المتحدة رغبة الجانب الإماراتي في "التطلع شرقا" وتطوير علاقاته مع الصين، وحاولت قمع زخم التطور الذي يشهده التعاون بين الصين والإمارات العربية المتحدة. بل هددت الجانب الإماراتي بمنع بيعه مقاتلات F-35 وطالبته بتفكيك منشآت5G التابعة لشركة هواوي. وقد تصرفت بنفس المنطق مع إسرائيل، حيث قامت بعرقلة مشاريع البنية التحتية الكبيرة للشركات الصينية في إسرائيل، وحاولت إجبار إسرائيل على الانضمام إلى المعسكر المناهض للصين بشأن القضايا المتعلقة بشينجيانغ. ومع ذلك، فإن مؤامرة الولايات المتحدة لتشكيل تحالف مناهض للصين في الشرق الأوسط لن تنجح. حيث أشار المقال إلى أن المواقف المناهضة للصين لن تخدم مصلحة الإمارات وإسرائيل. إذا تعد الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل من أشد المؤيدين والمشاركين في مبادرة "الحزام والطريق"، فضلا عن استفادتهما الكبيرة من المبادرة. وعلى الرغم من أن البلدين يعتمدان على الولايات المتحدة في المجال الأمني، إلا أن اعتمادهما على الصين في مجالي الاقتصاد والتجارة مستمر في التزايد، ويعتقد كلا البلدين أن تطوير العلاقات مع الصين هو ضمان للتنمية الاقتصادية على المدى الطويل. ولذلك فإنه من الصعب دفعهما للاختيار بين الصين أو أمريكا. وحتى تحت الضغط، ربما يتخذان قرارات خاطئة تضر بعلاقاتهما مع الصين على المدى القصير، لكنهما لن ينضما بشكل كليّ إلى المعسكر المناهض للصين. وقد بادرت إسرائيل مؤخرا لتصحيح قرارها الخاطئ، ورفضت التوقيع على مقترح من الأمم المتحدة يتعلق بقضايا شينجيانغ. وترحب كل من الإمارات العربية المتحدة واسرائيل مثل بقية دول المنطقة بالصين للعب دور أكبر في الشرق الأوسط. لأن الغرض من سياسات الصين في الشرق الأوسط هو تعزيز السلام من خلال التنمية وبناء مجتمع المصير المشترك مع دول الشرق الأوسط من خلال التعاون متبادل المنفعة. كما لا تنخرط الصين في محاور النفوذ في الشرق الأوسط، ولا تتدخل في شؤون دول المنطقة. وبدلاً من ذلك، تدعو إلى تعزيز السلام والمحادثات وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل في الشرق الأوسط. ولا تستهدف دبلوماسية الصين في الشرق الأوسط أطرافًا ثالثة، ولا تنظر إلى الشرق الأوسط على أنه ميدان صراع مع الولايات المتحدة. وتدرك دول الشرق الأوسط جيدًا بأن تحالف الولايات المتحدة المناهض للصين في الشرق الأوسط يُعزى إلى عقلية الحرب الباردة، لذلك فهي تعارض ضغوط الولايات المتحدة على الصين داخل المنطقة، ولا ترغب في أن تكون ضحية للسياسات والمصالح الأمريكية أو الصراع الأمريكي الصيني. وحتى لو أرادت الولايات المتحدة أن تبني نسخة شرق أوسطية من الآلية الرباعية للمحيطين الهندي والهادي، فإن هذه الآلية ستقع في تناقضات معقدة ومتأصلة في طبيعة قضايا الشرق الأوسط، مما سيحرج الدول المنضمّة إليها. وفي ذات الوقت، سيؤثر ذلك على نجاعة وفاعلية الآلية، مما سيقلل أثرها الواقعي على الوضع في الشرق الأوسط، كما سيسهم ذلك في تقسيم دول الشرق الأوسط ويخلق تناقضات جديدة. ونبّه المقال إلى أن الولايات المتحدة تحاول استخدام نسخة شرق أوسطية من "الآلية الرباعية " وغيرها من الآليات الجديدة كمنطلق للحفاظ على هيمنتها على شؤون الشرق الأوسط. لكن يبقى من الصعب على الولايات المتحدة تحقيق الأهداف التي فشلت في التوصل إليها من خلال إنفاقها الضخم وتدخلها المباشر بالاعتماد على هذه الآليات الناعمة. وأشار المقال أخيرًا إلى أن النسخة الشرق أوسطية من الآلية الرباعية، إذا لم تكن إقصائية ومستهدفة لأطراف ثالثة، فيمكن اعتبارها ضمن النطاق الطبيعي للتعاون. ولكن إذا تم إستعمالها كآداة جيوسياسية للولايات المتحدة والهند، فإنها لن تفلت من مصير الفشل.
مشاركة :