عمّان – تقوم فكرة المتوالية القصصية "بلابل الشرق" لمؤلفها د. هيثم العقيلي على مجموعة من الرحلات المتخيلة التي تقوم بها شخصيات مستمدة من واقع الحياة اليومية لبيئة المؤلف، وهي بيئة تمتزج فيها سمات المكان الأردني وهموم مواطنه بإطاره العربي الأكبر، وتمتد في بعض مفاصلها لتقدم رؤية إنسانية جامعة. وجاءت المتوالية الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 80 صفحة من القطع المتوسط، واختيرت لغلافها صورة لتماثيل عين غزال الأثرية، ما يدخل القارئ في جو العمل القائم على الجمع بين الماضي والحاضر، واستلهام التراث الحضاري للأردن الذي شهد حضارات متنوعة، تعاقبت عليه منذ العصور القديمة وصولا إلى عصره الحاضر، فأثْرَتْ هويته المكانية، وصقلت شخصية إنسانه ومجتمعه. وحرصت مقدمة العمل التي وسمها المؤلف بـ"رحلة بلبل عبر الزمان" على تقديم الفكرة والشخصية معًا، فقال المؤلف فيها: "بعد شهور من القراءة والبحث والتنقيب في نشأة الحضارات، اقتنع أحد البلابل التي تمكنّا من رصد أفكارها الداخلية بأن حضارات الشرق وحدةٌ متجانسة امتدت عبر الزمان. وعلم أن تلك الحضارات قامت على ضفاف الأنهار، ثم تنافست في ما بينها وتحاربت وتعاونت، وحافظت على بقائها حضارة وراء حضارة بالهجرات التي لم تتوقف، متجاوزة كل ما هدَّدها من أخطار كان مصدرها شعوب مجاورة كالفرس والتتار والأوروبيين وقبائل القارة الإفريقية". ووصف الحضارات التي شهدتها المنطقة بأنها: "لم تخبُ شعلتها فانتقلت إلى بتراء الأنباط ومأرب اليمن، لتبتلع الغزاة في جرش وتدمر، وبعد قرون عادت وأشرقت من قلب مكة إلى مشارق الارض ومغاربها فمرت بالعلا وجدارا وفيلادلفيا، وكان في كل بقعة من هذه البقاع أسلاف لبلبل صارعوا المكان والزمان، ليتركوا أثرا استمدت منه البشرية أساسيات العلوم والثقافة والحضارة". أما بلبل فهو كائن ذو "أصالة شرقية وانسياق قدري مع مستجدات الواقع، لكنه كان بالمقابل نسخة معدلة عن أسلافه الذين انتشروا في الأرض منذ هبط إليها أبوهم آدم، ليبدؤوا رحلة زمنية حركتها غرائز التناسل والبقاء، وانحرفت بها عن الجادة شهوات السيطرة والمال والمتعة، وهذبتها في بعض الأحيان القيم والأخلاق، وقمعتها القوانين". وسافر بلبل عبر المكان والزمان، واقتحم عالم الحداثة فعاش في مدينة باريس التي تجسد حضارة الإنسان في القرن العشرين. وخاض صراعات كادت أن تعصف بقيمه لولا ما نشأ عليه من تربية رصينة في قريته الوادعة التي حفلت بمجالس الرجال وبالأصالة والعادات النبيلة. وتنقل بلبل بعد عودته من "بلاد الفرنجة" في أرجاء وطنه، فطاف مدنه شمالا وجنوبا، وواجه إيجابيات مجتمعه وسلبياته، وقدم كثيرا من الملامح اليومية المشاهدة التي يمكن تلمسها في حياة البادية والريف والمدينة داخل المجتمع الأردني خصوصا والعربي عموما، وشخَّصَ مجموعة من المشاكل. وقدَّم رؤى نقدية لعدد من الظواهر في إطار سردي اتخذ من القصة قالبا له. يصف العقيلي بطله في إحدى القصص: "ومع النسمات الخريفية يغالبه النعاس فتغفو عيناه قليلا، ويدخل في حلم يرى فيه أنه يقود المرسيدس في شوارع فسيحة، والكل يقود بانتظام ويصل إلى عمله نشيطا ليجلس وراء المكتب الأنيق في الغرفة المكيفة التي تفوح منها روائح معطر الجو، ويرى المراجعين على كراسيهم في صالة انتظار أنيقة، كلٌّ ينتظر الدور دون ازدحام أو تجاوز، ومراجع واحد أمام كل شباك يقابل موظفًا بلباس أنيق بشوش مبتسم يعمل بهمة ويعيد المعاملات مع ابتسامة". ويضيف "أما رشيد فهو مسترخٍ خلف طاولة المكتب يراقب العمل بهدوء من الزجاج الذي يفصله عن الصالة، يشعر بلسعات هواء المكيف تزداد ليصحو فجأة على لسعات الناموس الذي يغزو الشرفة ويعود للواقع، يجر رشيد نفسه إلى السرير ليستعد ليوم جديد لا يختلف عن يومه الذي بدأ بالشارع المغلق وانتهى بلسعات الناموس". وهيثم العقيلي استشاري في جراحة الأعصاب، وحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم العصبية.. و"بلابل الشرق" هو الإصدار الثاني له بعد مجموعته القصصية "مصابيح دبي" الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في عام 2020.
مشاركة :