كانت ليلى تفترش ركنا في حارتها البسيطة، تكاد عيونها تنطق بالحزن بعدما فقدت دميتها المتهالكة التي كانت مصدرا لابتسامتها. لا تدري كيف أو متى سوف يمنحها القدر لعبة أخرى جديدة وهي تتذكر كيف كان من الصعب على أسرتها أن توفر لها لعبة وسط صعوبة الظروف التي تحاصرهم. أسئلة كثيرة كانت تجول بخاطرها وتزيد أحزانها بينما اقتحمت خلوتها أصوات عالية، لم تشعر ليلى بالخوف هذه المرة فبين الأصوات هناك أطفال تضحك وتنادي كأنهم يشاركون في مهرجان أو يحتفلون بالعيد. قامت ليلى تقترب من مصدر الصوت لتجد تجمعا كبيرا من الأطفال يتنافسون في الحصول على نصيبهم من علب ملونة لا تدري بالتحديد ما بداخلها، ولكن يبدو أنها شيء يبعث على الفرحة. وهناك بعض الأشخاص يحملون أكياسا كبيرة يخرجون منها هذه العلب. اقتربت ليلى أكثر من تلك السيدة التي تحمل ملامحها الكثير من الحنان مع ابتسامة هادئة. وتوزع ما في حقيبتها من علب مغلفة بألوان زاهية يفتحها الأطفال فيجدون ألعابا وعرائس جديدة ويسمعون أنها هدية من طفلة أخرى اسمها هايما. وكانت والدة أحد الأطفال وتدعى إيمان تقف على بعد خطوات تراقب المشهد لا تخفي سعادتها بما حصلت عليه ابنتها من هدية غير متوقعة من أشخاص لم نرهم من قبل ولكنهم رسموا ابتسامة على وجوه الأطفال في تلك المنطقة الفقيرة التي لا تعرف عادة سوى ألعاب رخيصة وبعض البالونات التي قد يحصل عليها الأطفال في الأعياد. أسرعت إيمان تطلب مقابلة هايما لتشكرها على الهدية التي قدمتها لابنتها، ولكنها استقبلت مفاجأة كانت ثقيلة على أذنيها. فهايما التي أسعدت عشرات الأطفال المحتاجين في هذه المنطقة الفقيرة من أحياء القاهرة ليست بينهم لترى سعادة الأطفال بعينيها لأنها توفيت منذ سنوات، وتلك السيدة ذات الملامح الهادئة والابتسامة الحنونة هي في الحقيقة والدة هايما ومديرة مبادرة تدعى “دمية لكل طفلة”. تلك المبادرة التي أسستها الطفلة “هايما” قبل وفاتها حين كتبت خطابا تمنت فيه أن يحصل كل الأطفال على دمى تسعد قلوبهم. “دمیتى صغیرة، دمیتى جمیلة، تغنى أحلى الأنغام، كیف لطفلة أن لا یكون لها دمیة ترقص وتغني، لابد أنها حزینة دون ألعاب لتتكلم وتلعب معها، أما أنا فلدي الكثیر، ترى ما الضرر الذى سیأتي لي إذا أعطیتها واحدة؟ لا ضرر، نعم، لا ضرر، حسنا، ها أنا أعطيها واحدة وأنا سعیدة، ابتسمت! ظننت أنها ستهرب خائفة، ولكنها ابتسمت، كانت أجمل ابتسامة رقیقة، لم أر في حیاتي ابتسامة بهذه الرقة والجمال، لم لا نرعى الأطفال الفقیرة، إنهم أطفال وعليهم أن یعیشوا فى الجنة مثل الأطفال الآخرين.. إن الأطفال دمیة وعلینا تحریكها بشكل صحیح فى المكان المناسب فى الحیاة التى یستحقونها، إذا كان الوطن یرید مستقبلا باهرا فحركوا واستخدموا دمیتكم بشكل صحیح”.. كان هذا نص خطاب هايما الذي كتبته قبل عام من وفاتها في سن الثانية عشرة. وبعد وفاتها رأت الأم هذا الخطاب بمثابة وصية لإسعاد الأطفال وأطلقت الحملة في عام 2018 بجهود ذاتية توزع الألعاب على الأطفال في عدد من الأحياء الفقيرة ثم اتسع الإقبال على دعمها بالتبرع بالدمى، ليبدأ التوزيع بشكل شبه شهري في العديد من القرى والنجوع ودور الأيتام والمناطق العشوائية، ويتخطى عدد الدمى التي تم توزيعها 5 آلاف لعبة. أما الطفلة ليلى التي كانت لاتزال تراقب المشهد من بعيد فلم تصدق نفسها من الفرحة حين وجدت السيدة ذات الملامح الهادئة تقترب منها وتعطيها علبة فتحتها بسرعة لتجد دمية جديدة تبتسم لها كأنها ترحب بصديق جديد. ولمست ابتسامتها قلب ليلى فاحتضنت دميتها واصطحبتها إلى بيتها غير مصدقة أنه صار لديها عروس جديدة وصديقة تشاركها سريرها وأحلامها.
مشاركة :