خواطر عن التعليم والمعلم - يوسف القبلان

  • 11/4/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

المعلم يقوم بدور قيادي، ولذلك فالتميز في الأداء لا يجب أن يكون أسيرا لتعليمات الوزارة وتوجيهات المشرفين. الإبداع لا ينتظر التعليمات بل يسلك طريق المبادرات وطرح الأفكار والأساليب التي تطور بيئة التعليم مهما كان اسم وزارة التعليم فإن هذا لا يلغي دور المدرسة التربوي. هذا الدور مسؤولية أساسية للمدرسة. مفهوم الأمية تغير. السلوك هو معيار التفوق وليس حفظ المعلومات من أجل تجاوز الاختبار. هذا السلوك المستهدف هو السلوك الإيجابي، وهذا هدف لا يتحقق بأساليب التوجيه المباشر بل عن طريق الممارسة. عندما يمارس الطالب السلوك الإيجابي في المدرسة سوف ينقله الى المجتمع. لا نبحث عن الطالب الذي يحقق درجة ممتاز لأنه كتب مقالاً جميلاً عن احترام النظام ثم نجده عمليا يخالف النظام. نبحث عن شخصية الطالب الإيجابي الذي يكتسب المهارات السلوكية في المدرسة وتستمر معه خارج المدرسة. نبحث عن التربية التي تهذب سلوك الطالب وتجعله انساناً منتجاً متعاوناً يملك الرغبة والقدرة على المشاركة والتفاعل الإيجابي. الانسان الذي يحترم حقوق الانسان، ويحترم الرأي الآخر، ويحترم القانون، ويساهم في بناء وتنمية المجتمع. ان أحد الأساليب التعليمية والتربوية الفعالة أن يشارك الطالب في انتاج المعرفة، وفي قرارات المدرسة، وأنشطتها المختلفة. قبل سنوات أصدرت الوزارة قراراً يتيح الفرصة للطلاب بممارسة مبادئ الشورى في المدارس وهو قرار صائب يساعد الطالب على اكتساب مهارة المشاركة، كما يشعر بالأهمية والانتماء ويتعود على الحوار، ويكتسب مهارات الاتصال بشكل عام. تلك احدى التجارب التربوية العملية المفيدة. المؤمل أن الوزارة قيمت التجربة وعززت نقاط قوتها واستمرت في تطبيقها. المؤمل أيضا أن تتيح الوزارة الفرصة للمدارس للتجريب لإعطاء مساحة للتجديد والابتكار في المفاهيم والتطبيقات والابتعاد عن تعميم نموذج واحد لجميع المدارس. تلك تجربة أعيد التذكير بها لأهميتها وهي تشير الى دور المدرسة القيادي في بناء الجسور مع المجتمع. وهذا مجال واسع لا يقتصر على موضوع الشورى، بل يشمل قضايا البحث العلمي، والأعمال التطوعية والإنسانية، واكتساب المهارات المهنية. ان دور المدرسة القيادي التربوي يتطلب إحداث نقلة نوعية في المفاهيم والتطبيقات المتبعة في المدارس؛ نقلة تحفز الطالب على التفكير والتحليل والابداع. نقلة تعمل على النظر الى المنهج نظرة شمولية، منهج يقدم مخرجات قوية قادرة على التكيف مع الحياة العملية. نقلة تجعل المدرسة بيئة تربوية جاذبة وتساعد على اكتشاف المواهب والقدرات ورعايتها. هنا يمكن القول إن وجود علاقة غير ودية بين الطالب والمدرسة هو فشل تربوي ومؤشر قوي على أن بيئة المدرسة بكل تفاصيلها من حيث المبنى، والمعلم، والأنشطة الصفية وغير الصفية والأساليب التعليمية والتربوية المتبعة، هي بيئة بحاجة الى تطوير. طبعا العنصر الأهم في مكونات بيئة المدرسة هو المعلم. هذا المعلم حين يكون قدوة للطالب بأخلاقه وعلمه وثقافته فسوف يكسب احترام الطالب، وسوف يكون له تأثير إيجابي على سلوك الطالب. وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن هيبة المعلم. الحقيقة ان المعلم الذي نبحث عنه ليس المعلم الذي يهابه الطالب بل المعلم الذي يحترمه الطالب لأنه يحترم عقول الطلاب فيكسب قلوبهم. نبحث عن المعلم الذي يقوم بدور تعليمي وتربوي، المعلم الذي يتحدث مع الطلاب، لا يتحدث إليهم. وهذا يعني أن يتحاور معهم ويشاركهم ويبتعد عن الأسلوب التلقيني. المعلم الذي ينظر الى الطالب نظرة شمولية إيجابية تسلط الضوء على الشخصية بكافة جوانبها. المعلم الذي يعزز التفكير الإيجابي لدى الطالب، ويكتشف قدراته ومواهبه ويتيح له الفرص لتنميتها. العنصر الآخر في بيئة المدرسة هو المبنى المدرسي وقد انشغلت الوزارة سنوات طويلة بمشروع المباني المدرسية وحققت إنجازات لم تكتمل بعد بسبب النمو السكاني وافتتاح المدارس في أرجاء المملكة. ومن المهم هنا الإشارة الى أن القضية ليست هل المبنى ملك أو مستأجر بل تصميم المبنى المدرسي بمواصفات تربوية تتفق مع أهداف المدرسة وأنشطتها وتوفر بيئة تساعد المدرسة على القيام بدورها التربوي. ان تعزيز دور المدرسة التربوي يتطلب أن ننظر الى المدرسة كبيئة لتربية الأجيال القادمة لتكون عندها القدرة على اعلاء مكانة العلم والعمل والمشاركة في البناء والاضافات العلمية والحضارية. أجيال لديها القدرة على الربط بين القيم والممارسات في سلوك ينبذ التعصب والازدواجية والتطرف الفكري والسلبية والاتكالية. المدرسة مسؤولة عن القيام بدور تربوي وهي قادرة على القيام بهذه المسؤولية العظيمة إذا أصبحت المدرسة بلا أسوار تفصلها عن المجتمع، وأصبح لديها القدرة على بناء الجسور بين القيم والممارسات. الحديث عن المعلم ورسالته ومسؤوليته ودوره القيادي التربوي حديث يجب أن يستمر ولا يرتبط بيوم المعلم. ولست مع الذين يطالبون بهيبة المعلم فالمعلم كما أشرنا في السطور السابقة لا يُهاب بل يحترم. وهو يستحق الاحترام لجسامة رسالته ومسؤوليته العظيمة في تربية الأجيال، وما يبذله من جهد عقلي وعاطفي. المعلم يقوم بدور قيادي، ولذلك فالتميز في الأداء لا يجب أن يكون أسيرا لتعليمات الوزارة وتوجيهات المشرفين. الإبداع لا ينتظر التعليمات بل يسلك طريق المبادرات وطرح الأفكار والأساليب التي تطور بيئة التعليم. طرق التدريس على سبيل المثال متنوعة ويعتمد اختيار الطريقة المناسبة على عدة عوامل منها طبيعة المادة واهدافها، والمهارات المستهدفة، وخصائص الطلاب، وحجم الفصل الدراسي. ولا أعتقد أن وزارة التعليم تلزم المعلم بطريقة واحدة. إن تطور تقنيات التعليم لا يعني انتهاء دور المعلم القيادي، ولا يلغي أهمية التفاعل الانساني بين المعلم والطالب. الاتجاه الواحد في انتقال المعلومات والآراء من المعلم الى الطالب اأسلوب يلغي مشاركة الطالب ويحرمه فرصة بناء شخصيته وإطلاق قدراته، فطريقة التدريس هي وسيلة لإيصال المعلومة، والتقنية أداة مساعدة. أما المعلم فهو الإنسان القائد الذي يتعامل مع قلوب وعقول الطلاب ويتحمل مسؤولية تربوية عظيمة؛ مسؤولية إدارة العملية التعليمية بكل تفاصيلها. من هنا كان المعلم ولا يزال هو العنصر الأهم في منظومة التعليم. إن التميز الحقيقي للمعلم لا يكمن في استخدام تقنيات التعليم فهي وسائل متاحة للجميع. التميز هو في وجود معلم قائد ومبادر ومبتكر في أساليبه وقدوة في أخلاقه وتعامله مع الطلاب. وقد أصبحت مهمة إعداد المعلمين للتعليم العام مسؤولية وزارة واحدة هي وزارة التعليم ما يعني أن الاحتياجات والمخرجات تحت تصرفها، وبالتالي فهي تستطيع تصميم برامج التعليم والتدريب الخاصة بإعداد المعلمين وتطوير أدائهم بما يتفق مع رؤيتها وتوجهاتها الجديدة، وأن يكون للجامعات دور في ذلك. إن دور المعلم الأهم في العملية التعليمية يقتضي أن يحظى بنصيب كبير في مشروع تطوير التعليم من حيث الإعداد والتدريب المستمر والتقييم وبيئة العمل الإيجابية التي تحفز على الابتكار والتجديد، والبيئة المدرسية التي تساعد المعلم على تطبيق المفاهيم الحديثة في التربية والتعليم. وزارة التعليم سبق وأن اعلنت برنامج تطوير التعليم يشمل التأهيل النوعي للمعلمين من خلال برامج دولية لما يقارب (25) ألف معلم ومعلمة. وهي خطوة جيدة ينتظر المعلمون والمشرفون تفاصيلها وآلية تنفيذها، المهم أن يكون التدريب عملية مستمرة للمعلمين ومديري المدارس والمشرفين من خلال مراكز محلية متخصصة تستفيد من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال. والمتابع لشؤون المعلمين ربما يلاحظ وجود حالة من عدم الرضا تتمثل في الشكوى من عدد الحصص وعدد الطلاب وعدم ملاءمة المبنى المدرسي. يضاف الى ذلك قضايا أخرى تثار بين الحين والآخر مثل مكانة المعلم في المجتمع، والحوافز، والتأمين الصحي. ومن الواضح أن العلاقة بين الوزارة والمعلم وجميع من في الميدان تحتاج إلى تعزيز وهذا هدف يمكن تحقيقه من خلال الشفافية والمشاركة وبيئة العمل الإيجابية. دعونا نستمر في تعزيز مكانة المعلم وندعمه مادياً ومعنوياً، وفي المقابل نضع معايير صارمة لاختياره وإعداده وتقييم أدائه وتطويره وترقياته. وأخيراً، قلت إن المتابع لشؤون المعلمين (ربما) يلاحظ حالة من عدم الرضا. يصعب طبعاً الجزم بذلك بدون دراسة عن الرضا الوظيفي التي يفترض أن تقوم بها جهة متخصصة حتى تستفيد منها الوزارة في مشروع التطوير الشامل للتعليم.

مشاركة :