جامعة الملك فيصل ومبادرة معرفية وطنية - د.فوزية أبو خالد

  • 11/4/2015
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

موقف لا علاقة له بالموضوع أذكر في بداية الانفتاح أو عودة الحياة لجامعة الملك سعود ومعظم جامعاتنا منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، بعد فترة السبات، إن لم نقل الموات والانكفاء التي اعترت المجتمع والجامعات من منتصف الثمانينات إلى نهاية التسعينات، بأنني وزميلتي من الأحساء د. هيا مسلم قد خاطبنا أحد المسؤولين بقسم الدراسات الاجتماعية باقتراح أن نقوم بزيارة رمزية إلى جامعة الملك فيصل لفتح مبادرة تواصل معرفي أكاديمي وطلابي يمكن تعميمها على العلاقة مع جامعات أخرى بمناطق المملكة يكون لأول جامعة سعودية دور رائد في خلق أرضية للقاء المعرفي بين جامعات المملكة، خاصة وقد بدأت الجامعة وقتها بفتح قنوات مع جامعات أجنبية. وبانتظار الموافقة التي خلنا وقتها أنه مفروغ منها، قمنا بالاتصال مع د. شعاع عبد المحسن المنقور من جامعة الأحساء لتنسيق أمر الزيارة. غير أن الطلب خلافا لتوقعنا قد رفض، وذلك لأن تقدير المسؤول كان وقتها يشبه المثل القائل «ما أصعب من وضع قديد إلا عسفان» أو «العطشان لا يسقي الظمآن». على كلٍّ ذهب ذلك المسؤول وسواه ولم يبقَ من رعيل عريض لتلك المراحل التأسيسية بالجامعات السعودية بنهوضها وكبواتها إلا القليل، وكل يوم - بفضل الله - تبزغ أجيال جديدة بتطلعات ورؤى مغايرة، فالثابت الوحيد في معادلة الوجود معرفيا واجتماعيا وعلى كافة الأصعدة هو قانون الحركة. الموضوع: لقد سبق ووجهت أكثر من مرة وأكثر من سؤال عن السبب أو الأسباب التي تنأى بالجامعات السعودية عن الاهتمام بقضايا الشأن العام، وعن خدمة المجتمع في المجال الفكري والميداني خاصة من قبل كلياتها للعلوم الإِنسانية. وكان من تلك الأسئلة لماذا تفشل الجامعات أو لا تحفل أصلا بتقديم التحليل العقلاني العلمي لغير الموضوعات المحدودة المحنطة التي تزيد من اغتراب الجامعات وعزلتها عن محيطها الاجتماعي، بل لماذا نراها تتعالى في عزلة عن تلك الموضوعات الساخنة التي تشغل الوطن والمواطن في الميدانين القريب والبعيد؟ ولماذا تتشاغل الجامعات ميدانيا بنشاطات لا تتعدى النشاطات المدرسية المعتادة المفرغة من أي مضامين عميقة عن تقديم مبادرات ميدانية تجذب القوى الاجتماعية خصوصاً الشباب، وترشد أي تعقلن اتجاهاتهم نحو تلك القضايا اليومية والمصيرية التي قد تقلقهم، وقد تعود بالقلق على المجتمع وعلى النظام الوطني العام إن استمر تجاهلها. وليس في هذا دعوة لأدلجة الجامعات ولكن فيه تساؤل عما لا يليق بالمؤسسات العلمية من انحياز للسكون عوضا عن الحركة وللتظاهر بالنوم بدلا من ملاحقة الأحلام، وفي إهمال الجراح أو غض الطرف عنها مكان فتحها وتطهيرها وتعريضها للهواء الطلق، بدل تركها للتعفن والتحول إلى أمراض اجتماعية وسياسية عضال تتفشى بين الشباب وتنتقل بعدواها للمجتمع والعكس. إننا اليوم نواجه فضاء مفتوحا على كل التيارات ولا يجدي أن تتخلف الجامعات كمؤسسة «فكرية طليعية»، كما يفترض، عن أن تكون طرفا فعالا في أنواع ذلك الجدل الذي يتجاذب الشباب. وفي ضوء ما تقدم فقد رأيت في المبادرة الميدانية التي أطلقتها جامعة الملك فيصل بالأحساء مؤخرا، بعنوان «عفوا.. وطني أولا» لمجابهة الفكر المتطرف ومواجهة الشحن الطائفي بوقفة عقلانية وطنية، مبادرة رائدة تستحق الثمين . فلا يمكن أن يكون النظام السياسي والمجتمع يخوض يوميا مثل هذه المواجهة الشرسة، بينما المؤسسة العلمية للتعليم العالي لا تضطلع بمسؤولية تجاه هذه المواجهة باسم الموضوعية العلمية أو التحييد السياسي أو سواه من مسميات تبرر ألا يكون للجامعات ناقة ولا جمل لا ميدانيا ولا فكريا، وهي التي تم تضم بين جنباتها أعرض شريحة من شرائح الشباب السعودي بما لهم وما عليهم من مسؤولية تجاه هذه المواجهة . وإن كنت عن بعد وبما قرأت من أخبار المبادرة آخذ عليها جزءا من عنوانها القائل، «إن هذه الحملة الوطنية للتحذير من الفكر الضال» . فمثل هذا العنوان يبدو مكتوبا بروح وعظية تقليدية قد تنفر الشباب بلغته الحيوية المتجددة خاصة لغته التقنية. وفي هذه النقطة فإنَّ جمهور الحملة وهو الشباب الجامعي ليس جمهورا قاصرا أو يعاني من الأمية الوطنية والسياسية، فلا بد أن يكون عنوان الحملة وأرجو ان تكون مضامينها كذلك أو أي حملة مماثلة أرضية للحوار في التعدد واللحمة الوطنية وفي السلم الأهلي وتشريح الموقف، بدل أن يكتفى بالتحذير الذي قد يكون مثار غواية في العلاقة الجدلية بين الممنوع والمرغوب، بينما المراد شراكة الشباب وجدانيا وعقليا في مواجهة الشحن الطائفي على أسس تحليلية وليس على مجرد أسس تحذيرية. المفارقة أنه بينما تتشاغل جامعاتنا عنا، تنشغل مؤسسة علمية وتعليمية في حجم جامعة هارفارد ومعهدها للبحوث بأبحاث وطنية وعالمية في مجال العلوم الإِنسانية، بما يشمل البحث في قضايانا، كتقريره الأخير فيما يخص السؤال المالي المبرح الذي تواجهه المملكة، ففي تقرير اقتصادي أخير لمعهدها للبحوث نجد له تحليلا مهما بما يخصنا ومنه القول :» إن الاحتياطي المالي للسعودية يمكن أن يزيد على مليارات الدولارات عن نسبته الحالية، فيما لو عمدت المملكة إلى تدوير تلك الأموال بدل استخدامها كمادة خام» وهذا على سبيل المثال. فقد سبق وجاء للمملكة باحثات وباحثون موفدون من جامعات ذات تقاليد معرفية عالية مثل جامعة كمبريدج واكسفورد البريطانية وجامعة برنستون وستانفورد ويل الأمريكية في موضوعات بحثية تتعدد من الأنثروبولوجيا لبحث التراث الاجتماعي للجماعات القبلية والحضرية بالمملكة إلى العلوم النفسية المتعلقة بالحالة النفسية للأفراد بالمجتمعات المحافظة، وكذلك لدراسة الآثار التاريخية في مدائن صالح والفيفا ونجران وتاروت، ولدراسة كل ما هو سائل على حد تعبير الباحثة من برنستون ماري ميللر من مياه الصمان إلى حقول النفط. ومنها إلى مجالات أعمال بحثية متعددة أخرى تمتد من الدراسات النسوية لواقع المرأة السعودية بل والنساء العاملات بالسعودية إلى تركيبة النظام السياسي وقضايا سياسية وثقافية أخرى. وهؤلاء لم يكونوا يستطيعوا أن يأتوا إلى المملكة ويبحثون ويلتقون بأريحية بمختلف مشارب المبحوثين من المواطنين والمسؤولين السعوديين لولا أذون مصرحة من الحكومة، بل إن بعضهم كان ينزل ضيفا على بعض المؤسسات البحثية لدينا مثل مركز الملك فيصل. وهذا أدعى ألا تتحجج جامعاتنا من تخوف الخوض في مثل تلك القضايا لأن البحث والحفر في واقعنا الاجتماعي هو واجبنا الوطني والمعرفي الذي لا يسقط إذا قام به غيرنا عنا، ولن يتغلغل داخله الباحث الأجنبي مثلنا مهما بلغ من الموضوعية والمهارة البحثية. وأخيرا الجامعات في عالم اليوم لم تعد تلك المعازل المتعالية في أبراجها العاجية، والمسؤولون في الجامعات لم يعودوا أولئك «المنشايين» في مكاتبهم أو المتعالمون في محاضراتهم. العالم يتحرك والعمداء ومديرو الجامعات وكبار المسؤولين والمسؤولات يقفون في طابور الكافتيريا مع الطلاب ويجالسونهم ويستمعون إليهم.. ونحن لسنا بدعا من ذلك فالطلاب هم من المجتمع وإليه، وإن لم ندخل أسئلتهم وقلقهم إلى صلب البنية المعرفية فقد يقلقوننا كثيرا إن لم يقلقلوا القائم بما قد لا يكون في اتجاه واضح ولا بطريقة آمنة أو سلمية. تحية لجامعة الملك فيصل بالأحساء ولكل جامعة من جامعاتنا تعمل معرفيا وفي مجالاتها العلمية على الاستماع لنبض الوطن. مقالات أخرى للكاتب نظرة بانورامية لمواجهاتنا الوطنية سؤال للأجيال الاستشفاء من الماضي بين مكر الذاكرة وعلم المستقبل (*) متى نكتب تاريخنا الاجتماعي؟.. وأسئلة أخرى!! اليوم الوطني وموسم الحج قراءة استلهامية

مشاركة :