فتحت الأحداث التي وقعت في لبنان يوم الرابع عشر من أكتوبر الماضي، والتي عرفت بـ«أحداث الطيونة»، الباب واسعًا لكثير من التكهنات والتخمينات بشأن إعادة ترتيب الوضع السياسي اللبناني، خصوصًا في ظل ما يعيشه من تغول ما يسمى «حزب الله» وسيطرته الكاملة على مفاصل الدولة اللبنانية، باعتراف واضح وصريح من رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، خلال إحدى لقاءاته التلفزيونية. مواجهات «الطيونة»، والتي اندلعت بين منطقتي الشياح (ذات الأغلبية الشيعية) وعين الرمانة ـ بدارو (ذات الأغلبية المسيحية)، وما تبعها من تصريحات إعلامية عنترية من قيادات الفريقين، نصرالله وجعجع، أوهمت كثيرا من المتابعين بإمكانية الدفع بجعجع ليكون الند المقبل لنصر الله؛ خصوصًا مع تراجع قدرة زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، وعجزه المتواصل عن لم شتات تحالف قوى الرابع عشر من آذار - مارس للوقوف أمام هيمنة «حزب الله» وتحرير القرار السياسي والاقتصادي اللبناني من سيطرته وسيطرة من خلفه. تاريخيًّا، ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير عام 2005. لم تتشكل حكومة لبنانية، حتى تلك التي قادها سعد الحريري أو حلفاؤه، إلا بموافقة تامة من «حزب الله»، كونه يملك ما يسمونه «الثلث المعطل»، من دون أدنى قدرة من القوى السياسية على تغيير واقع الحال القائم، أضف إلى كل ذلك ما عاشه ويعيشه لبنان من كوارث سياسية واقتصادية وأمنية، كانت من الأسباب الإضافية التي أسهمت في تراجع الثقة بتيار المستقبل وقوى الرابع عشر من آذار- مارس قاطبة. عودة سمير جعجع مرة أخرى إلى بؤرة الأحداث السياسية يشي بالكثير مما يحمله الرجل من أحلام ورغبة في الزعامة، ليس على مستوى حزب القوات اللبنانية فحسب؛ وإنما كزعيم سياسي يستطيع تحدي «حزب الله»، وهو ما قد يدفع بعض الدول إلى تحويل دعمها السياسي والمالي تجاهه، وتقديمه كمنقذ للبنان من براثن النظام الإيراني وحلفائه. أسئلة صريحة وواضحة يجب أن تطرح هنا؛ هل يملك جعجع الإمكانيات والقدرات الفعلية لتنفيذ ما يحلم به؟ وهل سيحظى بالدعم الكامل من أطياف المجتمع اللبناني ليصعد للزعامة؛ خصوصًا في ظل تاريخه الدموي الطويل ضد كل مكونات الشعب اللبناني؟ وأخيرًا؛ ما الضمانات التي يمكن أن يقدمها جعجع لحلفائه بعدم الانقلاب عليهم مستقبلا؟! تاريخ سمير جعجع الدموي وعلاقاته المتشعبة، إضافة إلى نرجسيته الواضحة، لا تؤهله لتولي قيادة وطنية عريضة أو حتى تيار سياسي كبير بسبب كثرة خصومه منذ زمن الحرب الأهلية، فالجرائم التي ارتكبها سواء خلال الحرب الأهلية في لبنان وما بعدها معروفة للجميع، نذكر منها على سبيل المثال؛ دوره المخزي في مجزرة صبرا وشاتيلا وتفجير كنيسة سيدة النجاة واتهامه بالوقوف وراء اغتيال رشيد كرامي وخصمه داني شمعون والعشرات من القيادات المدنية والعسكرية، وهي جرائم حكم بموجبها بالإعدام قبل أن يخفف إلى السجن المؤبد، ولم ينقذه من سجنه الذي قضى فيه 11 عامًا إلا قرار العفو الذي أصدره مجلس النواب اللبناني في عام 2005. جعجع مثل غريمه نصرالله؛ كلاهما يملكان تاريخًا إجراميًّا موغلاً بدماء اللبنانيين والعرب، وكلاهما يسعيان إلى تنفيذ أجندات طائفية وحزبية بمنظور ضيق بعيد عن مصالح لبنان وأشقائه العرب، يتملكهما وهم الزعامة والسعي إلى تحقيق أهداف ومآرب خاصة. فشل الحريري في القدرة على مواجه تغول «حزب الله» في لبنان، وتشرذم قوى الرابع عشر من آذار- مارس وهيمنة «حزب الله » على القرار السياسي والاقتصادي اللبناني؛ كل ذلك لا يمكن أن يدفعنا إلى الاعتقاد أن سمير جعجع قد يكون بديلا مقبولا للزعامة، فعلاقاته وتاريخه المتقلب يؤكدان أنه قد يبيع أي شيء مقابل طموحه ومصالحه.
مشاركة :