وشارك الشاذلي الذي كان يبلغ العشرين من عمره في الاحتجاجات التي عمّت أرجاء البلاد وأطاحت بعمر البشير، القائد العسكري الذي انقلب على السلطة المدنية في السودان عام 1989 وحكم البلاد لمدة 30 عاما إلى أن سقط في نيسان/أبريل 2019. بعد سقوط البشير، انضم الشاذلي الذي لقبه أصدقاؤه بـ"جوية"، إلى اعتصام جماعي أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم لمطالبة العسكريين بتسليم السلطة للمدنيين، إلى أن تم توقيع اتفاق في آب/أغسطس 2019 لتقاسم السلطة بين قادة الاحتجاج المدنيين وأعضاء المجلس العسكري الذين تسلموا السلطة بعد البشير، لمرحلة انتقالية. وبينما كان حلم الشاذلي يقترب من التحقّق على أرض الواقع بتولي المدنيين حكم البلاد، قام قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان فجر الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، بفرض حالة الطوارئ وحل مؤسسات الحكم الانتقالي وتوقيف العديد من وزراء الحكومة، في خطوة قضت على آمال الشاب السوداني ومن مثله. وخرج الشاذلي الأسبوع الماضي مع عشرات الآلاف من السودانيين مرة أخرى إلى الشارع منددا بالانقلاب العسكري، لكن هذه المرة لم يعد إلى منزله، بل قُتل. في منزل العائلة المتشح بالحزن جنوب العاصمة السودانية، يقول عبد الناصر الشاذلي، والد جمال، لوكالة فرانس برس "عندما دخلت إلى المشرحة لرؤيته لم أعرفه في البداية، عينه اليسرى كانت خارجة من مكانها". وأشار عبد الناصر إلى أن جثة نجله بدت وكأنه تعرض إلى الدهس. وقال "أُصيب بثلاث طلقات نارية يبدو أنها كانت من مسافة قريبة"، موضحا أن طلقتين كانتا في الرأس وواحدة في البطن. ومنذ إعلان البرهان الانقلاب العسكري في السودان، تشهد البلاد وخصوصا العاصمة احتجاجات منتظيمة. وقام متظاهرون بإغلاق الشوارع وإعلان العصيان المدني. في المقابل، واجهت قوات الأمن ذلك بقمع عنيف أسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة العشرات، حسب لجنة الأطباء المركزية في السودان. وقال عبد الناصر "كيف يمكنهم مواجهة المتظاهرين السلميين بالسلاح؟"، مضيفا "لقد أراد (جمال) حكما مدنيا فقط". "تعبنا" وتسبّب الانقلاب العسكري، إلى جانب الاحتجاجات المحلية، بموجة من الإدانات الدولية والإجراءات العقابية ودعوات لاعادة الحكم للسلطة المدنية وتصحيح ما حصل. وعلى مرّ تاريخ السودان منذ استقلاله عام 1956، لم ينعم سوى بفترات حكم مدني نادرة إذ كانت الانقلابات العسكرية هي المهيمنة معظم الفترات. ولم تحقق مؤسسات الحكم الانتقالية الكثير بعد سقوط البشير، فقد واجهت تفاقم الازمة الاقتصادية، وحصل انقسام بين المدنيين والعسكريين أوهن الحكومة. وفقد عبد السلام أنور من جهته نجله محمد في التظاهرات الأخيرة المناهضة للانقلاب. وقال لفرانس برس "قضيت 46 عاما من عمري تحت حكم العسكر.. اضطهاد وقمع.. لقد تعبنا". لكنه أضاف "الشعب لن يسكت". وأصيب محمد أنور بجروح خلال قمع عنيف لمتظاهرين، ومكث في المستشفى يومين قبل وفاته في السابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر. وكان أنور البالغ من العمر 21 عاما والملقب بين أصدقائه بـ"ميدو"، بين المتظاهرين الذين أقاموا الحواجز وأضرموا النيران في إطارات السيارات في بحري شمال الخرطوم، حسب شقيقه أسامة. وأشار أسامة إلى أن قوات الأمن "أطلقت الغاز المسيل للدموع" واستهدفت المتظاهرين. وقال "بدأوا في إطلاق النار بكثافة، وكنت خائفا جدا من الخروج"، مضيفا "عندما توقف إطلاق النار، أخبروني أن شقيقي أصيب ونقل إلى المستشفى". كان ميدو يبحث عن فرصة عمل خارج السودان خصوصا مع تدهور الظروف الاقتصادية في البلاد، لكنه "ظل متمسكا بهذا البلد ولذلك انضم إلى التظاهرات"، وفق شقيقته داليا. - "نظام قمعي" - على الرغم من العنف وانقطاع خدمات الإنترنت والاتصال، تمكن المتظاهرون المناهضون للانقلاب من حشد عشرات آلاف المشاركين في التظاهرات السبت. وطالب المحتجون بحكم مدني وبعودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي تم توقيفه لفترة وجيزة قبل أن يوضع قيد الإقامة الجبرية. ودانت منظمة العفو الدولية "مقتل ما لا يقل عن ستة محتجين في 25 تشرين الأول/أكتوبر"، ودعت السلطات إلى "منع قوات الأمن من استخدام القوة غير الضرورية، بما في ذلك القوة المميتة، ضد المحتجين المعارضين لسيطرة الجيش على البلاد". ونفت الشرطة السودانية استخدام الذخيرة الحية، وأكدت في بيان أنها اطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين. وتسعى جهات عديدة دولية ومحلية إلى التوسط بين المدنيين والعسكريين، ودعا دبلوماسيون أجانب إلى استعادة حمدوك منصبه، وحضّت بعض القوى العربية مثل السعودية والإمارات على إتمام المرحلة الانتقالية بقيادة مدنية. أما بالنسبة لعبد السلام، فهو لا يريد سوى العدالة لنجله. وقال "إنه نظام قمعي في كل شيء، ولا أريد أن يضيع دم ولدي هدرا". وأضاف "أنا أطالب (منظمات) حقوق الانسان العالمية بأن يثبتوا لنا حقوقنا"، مرددا هتاف المتظاهرين "لا لحكم العسكر".
مشاركة :