يرى الفائز بجائزة نوبل للآداب (2021) الكاتب والروائي التنزاني من أصول عربية عبد الرزاق قرنح، أن الكتابة أشبه بقطعة موسيقية، نسمعها ولا نعرف سر جمالها، وأنه عمل في سنوات حياته الأدبية على إبراز معاناة المهاجرين الذين أفضت بهم الحياة إلى ركوب المخاطر والسفر خلف حياة أفضل. جاء ذلك خلال جلسة حوارية عقدتها هيئة الشارقة للكتاب، أدارتها الإعلامية سالي موسى. قال عبد الرزاق: «إن الجميل في حصولي على الجائزة أنني رأيت السعادة على وجوه أشخاص بعثت الجائزة في أنفسهم رسائل إيجابية، وحملت لهم مشاعر صادقة عن إنسان عمل قدر الإمكان ليجعل حياتهم أفضل مما هي عليه من خلال كتبه ورواياته»، مشيراً إلى أنه لا يستطيع تغيير حياة الآخرين بالكتابة، وإن كان يتمنى ذلك. جانب من الجلسة الحوارية على هامش «الشارقة للكتاب» (الصور من المصدر) جانب من الجلسة الحوارية على هامش «الشارقة للكتاب» (الصور من المصدر) مضيفاً أنّ الفكرة السياسيّة المرتبطة بالأرض والموطن الأول أو مسقط الرأس، موضوعٌ مؤهّل وبقوّة ليدعم الكاتب، مبيّناً أنّه شخصيّاً طبّق هذه المقولة في رواياته التي تتكئ جميعها على فكرة مقاومة الاستعمار، وتحديداً في قراءة الأثر النفسي الذي تتركه هجرة شاب إلى بريطانيا أواخر الستينيات، بمحمولها الذي وثّقه منذ روايته الأولى «ذاكرة المغادر»، وفق مشروع أدبي متكامل يستند على الفكرة ذاتها في أكثر من مكان. وروى قرنح كيف كان فوزه مفاجأةً له، معتقداً أنّه من قبيل المداعبة، غير أنّه تحقق من بريده الإلكتروني، ليرى الفرحة في عيون كلّ من عرفه ومن لم يعرفه، فقد أعطته الجائزة مدىً أوسع لتمرير رسائله الإنسانيّة وقضاياه الذاتيّة، خصوصاً وهو أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة كينت ببريطانيا، التي هاجر إليها عام 1968، وعرف بكتاباته المقاومة والمناهضة للاستعمار. وتبدو الهجرة ثيمةً مهمّة في هذا التوثيق الأدبي الذي عبّر من خلاله قرنح عن تجربته في الهجرة إلى بريطانيا، في رواياته الثلاث الأولى: «ذاكرة المغادر»، «طريق الحج»، «دوتي»، في حين كانت روايته الرابعة «الجنة» تتأسس على منطقة شرق أفريقيا المستعمرة خلال الحرب العالمية الأولى، مروراً بروايات «عبر البحر»، «الهجرة»، «الهدية الأخيرة»، «القلب الحصى»، «الحياة بعد الموت»، لتحكي رواية «الإعجاب بالصمت» قصّة الشاب الذي يغادر زنجبار مهاجراً إلى بريطانيا، فيتزوج، ويصبح مدرساً، ليروي ذاته، بين مكانين، الأثير فيهما موطنه الأصلي بعد عشرين عاماً من الغياب. وتتدرّج روايات الكاتب قرنح زمنياً بموضوعية، منذ أواخر الستينيات، مروراً بأواخر الثمانينيات، وبداية التسعينيات ومنتصفها، إلى بداية الألفية فمنتصفها، مروراً ببداية العشرية الأولى بعد الألفية، إلى عام 2017، وأخيراً في رواية «الحياة بعد الموت» في 2020. عدد من الحضور خلال الجلسة عدد من الحضور خلال الجلسة يكتب الروائي قرنح ببساطة دون عناء، معتمداً على طقوس قد يجلبها كرسي أو طاولة، أو حتى يمكن أن يأتي بها الهواء، في حديثه عن طريقته المثلى في الكتابة، معترفاً بأنّ في الكتابة موسيقى وتناغماً يشعر به الكاتب، وأنّه لا يتوخّى الحبكة في أعماله، فنصوصه من النوع الذي يحتاج تراكميّةً في الأفكار وملاحظات وتفاصيل جديدة تتكشف كلّما أوغل في الكتابة. ومع أنّ اللغة الإنجليزية يمكن أن تكون للكتّاب الأفارقة وسيلةً لمواجهة الاستعمار، انطلاقاً من قدرة اللغة على اختراق طرق التفكير وغزوها، إلا أنّ قرنح يفضّل أسلوب الكتابة عن المكان الذي يهاجر إليه أو يكون فيه، معترفاً أنّ عدم ترجمة أعماله للغة السواحلية كان وراءه امتناع الناشرين عن ذلك. ويرى قرنح أنّ الجوائز دائماً تمنح أصحابها ميزات جديدة وآفاقاً أوسع، في الترشح لجوائز عديدة والإقبال على قراءة الأعمال أو الانتباه لها، فهي توفّر على الكاتب مجهوداً يبذله في جذب اهتمام الناس والتعريف بقضيّته التي يسعى إلى تأطيرها أو نشرها على نطاق أوسع، كما أنّ القراء أنفسهم ربما يجدون ما يبحثون عنه في هذه الأعمال الفائزة، فيقبلون عليها.
مشاركة :