لمواجهة التحديات الكبيرة التي تتعرض لها دول الخليج العربية نتيجة لعدم استقرار المواقف الأمريكية خاصة والغرب عامة والتي تتسم بتقلبات دراماتيكية كان على دول المنطقة أن تبحث عن بدائل ووسائل تمكنها من المناورة والتصرف بمقتضى المصلحة الوطنية لدولنا ومن أوجه هذه الخيارات التي طالما نادت بها النخب السياسية العسكرية في دول الخليج العربية الاتجاه شرقا بالاستفادة من روسيا الاتحادية والصين سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاقتصادي أو الأمني والعسكري، ونذكر هنا أن تركيا بالرغم من كونها عضوا في حلف الناتو فإن ذلك لم يمنعها من أن تطور علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا بشراء منظومة الدفاع الصاروخي إس إس 400 إضافة إلى بناء شراكة استراتيجية مع إيران فضلا عن حل المشكلات المعقدة مثل الملف السوري والملف الليبي والملفات في القوقاز والصراع الأذربيجاني الأرميني، وتحولت روسيا وتركيا في هذه المرحلة وبفضل هذه الشراكة إلى لاعبين أساسيين في السياسة الدولية. ونعتقد في هذا الإطار أن دول المنطقة يمكنها أن تراجع علاقاتها مع الغرب عامة ومع الولايات المتحدة الأمريكية خاصة ليس في اتجاه التراجع عن هذه العلاقات التاريخية القوية وإنما موازنتها مع علاقات مماثلة في حجمها ونوعيتها مع روسيا الاتحادية والصين الشعبية. لقد كانت الحرب الباردة في القرن الماضي قد قسمت العالم إلى شرق وغرب وكانت دول الخليج العربية تعتبر حليفا للغرب، إلا أن مرحلة الحرب الباردة قد انتهت وتغيرت معادلات العلاقات الدولية من الثنائية القطبية إلى تعدد الأقطاب ولذلك لم يعد من الحكمة الاستمرار في الانحياز إلى طرف من دون آخر أو وضع كل بيضنا في سلة واحدة ومن هنا نلاحظ ارتفاع أصوات النخب السياسية والفكرية في المنطقة للمناداة بعلاقات أكثر توازنا بين الحليف الغربي وروسيا والصين ليكون كل هؤلاء حلفاء بشكل متوازن للدفاع عن مصالحنا خاصة وأن الواقع قد أظهر أن الحليف الروسي مضمون بشكل كبير وقد رأينا كيف استطاعت روسيا إنقاذ الدولة السورية من الانهيار وكيف استطاعت من خلال استخدام الفيتو وتوفير الدعم العسكري المباشر من منع سقوط سوريا، ونفس الكلام ينطبق على الجانب الصيني الذي وقف في وجه انهيار الدولة السورية وتفككها باستخدام الفيتو أيضا وتقديم الدعم الضروري لسوريا لمنع تقسيمها سياسيا وطائفيا كما تريده القوى الغربية. كما أن العلاقة الجديدة مع كل من روسيا الاتحادية والصين الشعبية قد باتت خيارا ضروريا وحتميا بالنسبة إلى دولنا ونلاحظ هنا أن دول الخليج قد تنبهت إلى ذلك وبدأنا نرى خلال السنوات القليلة الماضية كيف ارتفعت العلاقات الخليجية الروسية إلى مرتبة متقدمة سواء بتنسيق العلاقات المتعلقة بالطاقة والبترول وأسعار النفط لحفظ التوازن على أسعار هذه المادة الاستراتيجية بالنسبة إلى الطرفين أو من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مثلما فعلت كل من المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها حيث تعددت زيارات كبار المسؤولين بين هذه الدول وروسيا، فالعلاقات مع روسيا يمكن أن تتطور لتتجاوز الملف الاقتصادي والتجاري إلى ملفات أخرى تصل إلى إمكانية الاستفادة من المنظومة الدفاعية والعسكرية الروسية التي أصبحت متطورة جدا بل أكثر تطورا من المنظومة الغربية وأقل كلفة وأكثر موثوقية تماما مثلما فعلت تركيا على سبيل المثال. أما بالنسبة إلى العلاقات مع الصين الشعبية فإن من الواضح أن الصين باتت الشريك الاقتصادي والتجاري الأول بالنسبة إلى دول الخليج وأن هذه العلاقة إذا ما تطورت إلى ما هو أبعد من ذلك فإنها مع العلاقة مع روسيا سوف تشكلان صمام أمان حقيقي وذلك لأن الموقف الغربي بات من الصعب الوثوق، به أو الاعتماد عليه بعد ما حدث في عام 2011 حيث تخلت الإدارة الديمقراطية الأمريكية وأغلب الدول الأوروبية عن حلفائها في دول الخليج وتركتهم في مواجهة الفوضى التي تدعمها إيران وحلفاؤها من الإرهابيين لتدمير المجتمعات الخليجية وسيطرة الطائفية في المنطقة تماما مثلما حدث في العراق الذي أصبح اليوم دولة فاشلة تحكمها المليشيات المسلحة التي تتبع الحرس الثوري الإيراني ولا تعطي أهمية تقريبا للمنظومة السياسية والعسكرية الرسمية التي لا تمتلك القدرة على مواجهة هذه الحشود من المليشيات التي تقودها إيران.
مشاركة :