دول الخليج وحتمية التوازن في العلاقات بين الغرب والشرق

  • 11/5/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬نتيجة‭ ‬لعدم‭ ‬استقرار‭ ‬المواقف‭ ‬الأمريكية‭ ‬خاصة‭ ‬والغرب‭ ‬عامة‭ ‬والتي‭ ‬تتسم‭ ‬بتقلبات‭ ‬دراماتيكية‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬أن‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬بدائل‭ ‬ووسائل‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬المناورة‭ ‬والتصرف‭ ‬بمقتضى‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬لدولنا‭ ‬ومن‭ ‬أوجه‭ ‬هذه‭ ‬الخيارات‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬نادت‭ ‬بها‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬الاتجاه‭ ‬شرقا‭ ‬بالاستفادة‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والصين‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬الأمني‭ ‬والعسكري،‭ ‬ونذكر‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمنعها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬بشراء‭ ‬منظومة‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬إس‭ ‬إس‭ ‬400‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬شراكة‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬المعقدة‭ ‬مثل‭ ‬الملف‭ ‬السوري‭ ‬والملف‭ ‬الليبي‭ ‬والملفات‭ ‬في‭ ‬القوقاز‭ ‬والصراع‭ ‬الأذربيجاني‭ ‬الأرميني،‭ ‬وتحولت‭ ‬روسيا‭ ‬وتركيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬وبفضل‭ ‬هذه‭ ‬الشراكة‭ ‬إلى‭ ‬لاعبين‭ ‬أساسيين‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭.‬ ونعتقد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تراجع‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬عامة‭ ‬ومع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬خاصة‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬التاريخية‭ ‬القوية‭ ‬وإنما‭ ‬موازنتها‭ ‬مع‭ ‬علاقات‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬حجمها‭ ‬ونوعيتها‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والصين‭ ‬الشعبية‭.‬ لقد‭ ‬كانت‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬قد‭ ‬قسمت‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬شرق‭ ‬وغرب‭ ‬وكانت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬تعتبر‭ ‬حليفا‭ ‬للغرب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مرحلة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬وتغيرت‭ ‬معادلات‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬الثنائية‭ ‬القطبية‭ ‬إلى‭ ‬تعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الانحياز‭ ‬إلى‭ ‬طرف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬كل‭ ‬بيضنا‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬واحدة‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نلاحظ‭ ‬ارتفاع‭ ‬أصوات‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬للمناداة‭ ‬بعلاقات‭ ‬أكثر‭ ‬توازنا‭ ‬بين‭ ‬الحليف‭ ‬الغربي‭ ‬وروسيا‭ ‬والصين‭ ‬ليكون‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬حلفاء‭ ‬بشكل‭ ‬متوازن‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالحنا‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬الواقع‭ ‬قد‭ ‬أظهر‭ ‬أن‭ ‬الحليف‭ ‬الروسي‭ ‬مضمون‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬كيف‭ ‬استطاعت‭ ‬روسيا‭ ‬إنقاذ‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬وكيف‭ ‬استطاعت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬الفيتو‭ ‬وتوفير‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬المباشر‭ ‬من‭ ‬منع‭ ‬سقوط‭ ‬سوريا،‭ ‬ونفس‭ ‬الكلام‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الصيني‭ ‬الذي‭ ‬وقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬انهيار‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭ ‬وتفككها‭ ‬باستخدام‭ ‬الفيتو‭ ‬أيضا‭ ‬وتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬الضروري‭ ‬لسوريا‭ ‬لمنع‭ ‬تقسيمها‭ ‬سياسيا‭ ‬وطائفيا‭ ‬كما‭ ‬تريده‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭.‬ كما‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬الجديدة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والصين‭ ‬الشعبية‭ ‬قد‭ ‬باتت‭ ‬خيارا‭ ‬ضروريا‭ ‬وحتميا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬دولنا‭ ‬ونلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬قد‭ ‬تنبهت‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬وبدأنا‭ ‬نرى‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬كيف‭ ‬ارتفعت‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الروسية‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬متقدمة‭ ‬سواء‭ ‬بتنسيق‭ ‬العلاقات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالطاقة‭ ‬والبترول‭ ‬وأسعار‭ ‬النفط‭ ‬لحفظ‭ ‬التوازن‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الطرفين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬مثلما‭ ‬فعلت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬ومملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬وغيرها‭ ‬حيث‭ ‬تعددت‭ ‬زيارات‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وروسيا،‭ ‬فالعلاقات‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬لتتجاوز‭ ‬الملف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬إلى‭ ‬ملفات‭ ‬أخرى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬إمكانية‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬المنظومة‭ ‬الدفاعية‭ ‬والعسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬متطورة‭ ‬جدا‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬تطورا‭ ‬من‭ ‬المنظومة‭ ‬الغربية‭ ‬وأقل‭ ‬كلفة‭ ‬وأكثر‭ ‬موثوقية‭ ‬تماما‭ ‬مثلما‭ ‬فعلت‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭.‬ أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬باتت‭ ‬الشريك‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬الأول‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تطورت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإنها‭ ‬مع‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬سوف‭ ‬تشكلان‭ ‬صمام‭ ‬أمان‭ ‬حقيقي‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬الموقف‭ ‬الغربي‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الوثوق،‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬حيث‭ ‬تخلت‭ ‬الإدارة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأمريكية‭ ‬وأغلب‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬عن‭ ‬حلفائها‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬وتركتهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬تدعمها‭ ‬إيران‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬من‭ ‬الإرهابيين‭ ‬لتدمير‭ ‬المجتمعات‭ ‬الخليجية‭ ‬وسيطرة‭ ‬الطائفية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬تماما‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬دولة‭ ‬فاشلة‭ ‬تحكمها‭ ‬المليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬ولا‭ ‬تعطي‭ ‬أهمية‭ ‬تقريبا‭ ‬للمنظومة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الحشود‭ ‬من‭ ‬المليشيات‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬إيران‭.‬

مشاركة :