كانت لحظة مبهجة تدعو للفرحة، والاحتفاء بها، للمصريين خاصة، والعرب عامة - الذين يعرفون، بدقة، أن مصر هى قاطرة الدول العربية كلها ـ عندما اتخذ الرئيس عبدالفتاح السيسى قراره ـ الذى أعتقد أنه مفاجئ ـ عدم اللجوء إلى قرار مد العمل بقانون الطوارئ. ورغم أن كثيرا من المصريين لم يشعروا بقانون الطوارئ، رغم سريانه المستمر طوال السنوات السبع الماضية، فإنه قبلها كان من الطبيعى، منذ أن أطلق المتأسلمون الرصاص على الرئيس الراحل أنور السادات، وقتلوه، أن تُشهر مصر- حماية للدولة، والاستقرار- سلاح الطوارئ، لمواجهة الإرهابيين، بكل أشكالهم، وأن نعيش فى ظروفه، وفى كنفه، سنوات طوالا، شكل فيها طبيعة للعيش، والحياة تحت ظلال الإرهاب، والتطرف. وعندما تخلصت مصر من سُبة أن تحكمها جماعة ارهابية معروفة استغلت التطورات السياسية ما بعد عام ٢٠١١ ، وقفزت للحكم، اسمها ـ الإخوان المسلمين ـ كانت لحظة حرب قاسية من هذه الجماعة ضد المصريين عامة، وليس دولتهم فقط، فقد كانت هذه المرة موجعة، وصعبة، وخطيرة، فى التاريخ الإنسانى للمصريين ككل، أن يتقبلوا على تلك، لأن الذى خلصهم هذه المرة منها لم يكن الحكومة، ومؤسساتها الأمنية، أو العسكرية فقط، ولكن كانت هبّة شعبية كبرى، لم تعرف لها مصر نظيرا من قبل، ولو راعينا الدقة، فقد كانت ثورة ١٩١٩ ضد الإنجليز شبيهة بهبّة المصريين لخلع ـ الإخوان المسلمين ـ من الحكم، وعودة الوطن للشعب عام ٢٠١٣، منذ ٨ سنوات. هذه الحرب، التى كنا نرى شواهدها فى أسلحة «الإخوان» الإعلامية، وقواهم، وداعميهم الإقليميين فى منطقتنا ضد الرئيس، والجيش، ثم ضد الشعب عندما وجدوه لا يستجيب لدعاواهم، بل يرفضهم قطعيا- كانت لحظة جنون إخوانى ضد المصريين؛ جعلتنا جميعا نرى أن الطوارئ، ومدها، لا غنى عنهما، حتى نحمى الوطن، والمصريين، ككل، من شرورهم، ومخاوفهم من الحرب الأهلية، وتقسيم البلاد، بل إن بعضنا كان يتصور أننا لم نكن محتاجين للطوارئ فقط، ولكن لأحكام عرفية، وعسكرية، فى الشوارع، تخلصنا من هذا الهم الإخوانى، وبأقصى سرعة ممكنة، حتى نعود إلى حياتنا الطبيعية مرة أخرى، ولكن يبدو لنا أن الصبر المصرى، خاصة المؤسساتى، الذى اتبعته الدولة فى تعاملها مع هذه الهجمة الإخوانية، والإرهابية الجديدة، فى كل ربوع مصر، خاصة فى سيناء، هذه المرة- نستطيع أن نسميه الصبر الإستراتيجى، وأنه حدث تخطيط أمنى لاقتلاع جذور الإرهاب، والإرهابيين، خاصة التى تحمل السلاح، ثم تم تفكيك الخلايا، والتنظيمات، التى تمول هذه الجماعات، وكشفها واحدة تلو الأخرى أمام المصريين، وأمام الرأى العام، مرة بعد أخرى. ما حدث من عودة الحياة الطبيعية، وقرار عدم مد حالة الطوارئ ــ نقل للمصريين حالة من الثقة فى مستقبل مصر ككل، وأننا نجحنا فى وقف هذه الهجمة العاتية، وفى اقتلاع الإرهابيين، بحيث سمح هذا الوضع الجديد، وبعد حسابه بدقة، للرئيس بالعودة إلى الحالة الطبيعية، ونحن جميعا نعرف طموح الرئيس السيسى للوطن، وأنه لا يقبل بأنصاف الحلول لعلاج الأوضاع السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، التى تعيشها مصر، فهو الذى خطط لإصلاح اقتصادى شامل، وصعب، وقاس، وتحمل، مع الشعب، تبعاته، حتى عادت للدولة هيبتها المجتمعية، وهو الذى خط مسارا لتغيير البنية الأساسية، والتحتية، لمصر ككل، بحيث أنشأ عاصمة جديدة، وضاعف حجم المدن المصرية، وهو الذى وضع إستراتيجية ضخمة لانتشال حالة الفقر المجتمعى، والعشوائيات، بحيث أصبحت مصر أكبر بلد فى العالم يبنى لأهله مساكن، ومجتمعات عمرانية حديثة، ومدنا جديدة، وأحياء تُنهى، وتخلصنا من حالة العشوائية السكانية، التى عشنا فى كنفها عقودا من الزمن، ونسير جنبا إلى جنب مع بناء طرق حديثة، وشبكات مياه، وصرف لكل المدن، والقرى، والمحافظات، بل إنه الذى دخل إلى جُب الريف المصرى لكى يغير حياة نصف الشعب المصرى إلى حياة كريمة. أكثر من هذا، فإنه لكل هذه الحالة المجتمعية الشاملة، التى تعيشها مصرالآن ، كانت لا تستطيع أن تفرط فى الاستقرار الأمنى، واقتلاع الإرهاب، والمتطرفين، بل وضتعهم فى أحجامهم الطبيعية، واستأصلت قدرتهم على التأثير، وعملت على عدم عودتهم لتهديد الأمن السياسى، والاستقرار المجتمعى، ومن هنا التقطنا جميعا معنى قرار عدم مد حالة الطوارئ، وهو أننا نملك مؤسسات أمنية، وتضامنية طبيعية، تمكن الوطن من التعامل مع كل الحالات التى تخرج على القانون، وأننا لم نعد فى حاجة إلى قانون استثنائى، وأن السنوات العجاف، والصعبة، التى عشنا فى ظلها طويلا، قد رحلت إلى الأبد، وأن الشعب، ومؤسساته الحالية يُمسكان بزمام المجتمع، وإدارته، بقدرة، واحترافية لا يشوبها أى اهتزاز، بل ثقة، وأننا نعيش حالة من الاطمئنان، والتعامل بين الشعب وحكومته، لا يهزها صوت هنا، أو هناك، وهذه إشارة، ليس للمصريين فقط، بل إنها رسالة إلى الجميع، فى المنطقة العربية، والعالم، من حولنا. صحيح أننا محاطون بحالة من الارتباك، سواء فى شمال إفريقيا، أو فى كل جيراننا العرب، حيث لم يخرجوا بعد من حالة الاضطرابات، ومازلنا نترقب استقرار الأوضاع فى السودان، وليبيا، والعراق، واليمن، وتونس، وسوريا ــ لكننا نقف على أرض صلبة، ونستطيع أن نرسل رسائل تحمل أننا اجتزنا أوضاعنا، وقادرون على مد يد المساعدة، بل تغيير الأوضاع العربية، لذا، فإن هذا القرار سوف يكون دافعا لكل رءوس الأموال المحلية، والإقليمية، والعالمية، للعودة إلى مصر، والاستمرار فى كنفها. إنها لحظة مبهجة، ومفرحة، لا تجعلوا ما ينتظركم من تطورات مستقبلية جديدة أخرى، قد تكون صعبة ــ يقف أمامكم، حتى تستخلصوا المعنى من حالة عدم مد حالة الطوارئ فى مصر، لأنها تعنى أنكم انتصرتم فى المعركة الصعبة، معركة التخلص من الإرهابيين، والمتطرفين، وعدتم إلى المعركة الأصعب، أن تبنوا مجتمع الرفاه، والتقدم لكل المصريين.
مشاركة :