ودعت دول عدة رعاياها إلى مغادرة إثيوبيا في وقت يشهد النزاع بين المتمردين والقوات الحكومية في شمال البلاد تصعيدًا. وأمرت الحكومة الأميركية السبت دبلوماسييها غير الأساسيين بمغادرة إثيوبيا. وبعدما أعلنوا في نهاية الأسبوع الماضي استعادتهم مدينتين استراتيجيتين على مسافة 400 كلم من العاصمة، لم يستبعد مقاتلو جبهة تحرير شعب تيغراي وحلفاؤهم من جيش تحرير أورومو الزحف نحو أديس أبابا. من جهتها، تنفي الحكومة أي تقدّم للمتمردين أو تهديد للعاصمة. إلا أنها أعلنت حال الطوارئ وطلبت سلطات أديس أبابا من السكان تنظيم أنفسهم للدفاع عن المدينة. وتجمّع الأحد عشرات الآلاف من سكان العاصمة في ساحة ميسكل الشهيرة وتعهّدوا بالتصدي للمتمردين. غير أن المتحدث باسم جبهة تحرير شعب تيغراي غيتاشيو رضا أكد في مقابلة مع فرانس برس أن "القول إن سكان أديس (أبابا) يعارضوننا بشدة، مبالغ فيه". وأضاف "أديس بوتقة يعيش فيها ناس من كافة الاهتمامات، والقول إن أديس ستتحوّل إلى حمام دمّ إذا دخلناها أمر سخيف جدا. لا أعتقد أن هذه الفرضية (...) تتمتع بالصدقية". تقرير المصير وأكد رضا أن السيطرة على العاصمة ليست "هدفًا". وقال "لسنا مهتمّين بشكل خاص بأديس أبابا بل نريد التأكد من أن أبيي لا يشكل تهديدًا لشعبنا". وأشار إلى أنه في حال لم يرحل رئيس الوزراء فالمتمرّدون سيسيطرون "بالطبع" على المدينة. وأوضح أن المتمردين يتقدّمون نحو الجنوب و"يقتربون من أتاي" التي تبعد 270 كلم شمال العاصمة، وكذلك نحو الشرق باتجاه ميل الواقعة على الطريق المؤدي إلى جيبوتي الأساسي لإمدادات أديس أبابا. لكن جبهة تحرير شعب تيغراي لا ترغب في استعادة السلطة، بعدما حكمت بقبضة من حديد بين 1991 و2018. وقال "يمكنني أن أؤكد لكم أن ذلك لا يهمّنا". وأضاف "نريد ببساطة أن نتأكد من أن صوت شعبنا مسموع، ومن أنه يمارس حقّه في تقرير مصيره خصوصًا عبر تنظيم استفتاء لتقرير ما إذا كان يريد أن يبقى في إثيوبيا أو أن يصبح مستقلًا". وهيمنت جبهة تحرير شعب تيغراي على الأجهزة السياسية والأمنية في إثيوبيا لحوالى ثلاثين عامًا، بعدما سيطرت على أديس أبابا وأطاحت النظام العسكري الماركسي المتمثل بـ"المجلس العسكري الإداري الموقت" في 1991. وأزاح أبيي أحمد الذي عُيّن رئيسًا للوزراء في 2018، الجبهة من الحكم فتراجعت هذه الأخيرة إلى معقلها تيغراي. بعد خلافات استمرّت أشهرًا، أرسل أبيي أحمد الجيش إلى تيغراي في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 لطرد السلطات الإقليمية المنبثقة عن جبهة تحرير شعب تيغراي التي اتّهمها بمهاجمة قواعد عسكرية. وأعلن انتصاره في 28 شباط/نوفمبر. لكن في حزيران/يونيو، استعاد مقاتلو الجبهة معظم مناطق تيغراي وواصلوا هجومهم في منطقتي عفر وأمهرة المجاورتين. مكانها "الجحيم" في ساحة ميسكل في أديس أبابا، كان العداء واضحًا الأحد أثناء تجمّع مؤيد للحكومة. اتّهمت رئيسة بلدية أديس أبابا أدانيش أبيبي في خطاب "أعداء" إثيوبيا بأنهم يحاولون "ترويع سكاننا". وانتقدت الحكومة الأميركية التي قامت الأسبوع الماضي بإلغاء امتيازات تجارية ممنوحة لإثيوبيا بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان في حملتها العسكرية في إقليم تيغراي. وقالت "إن كانت المساعدات والقروض ستجردنا من حريتنا، وإن كانت ستقودنا للتضحية بحريتنا، فلن نضحي بحريتنا". وأكدت أن المكان المناسب لجبهة تحرير شعب تيغراي "هو الجحيم". وحمل المتظاهرون الأحد لافتات تنتقد وسائل الاعلام الغربية لبثها "أخبار كاذبة" والمبالغة في المكاسب التي حققها المتمردون. وحثّت لافتات أخرى الولايات المتحدة على "التوقف عن مص دمائنا". وأكد مشاركون في التجمع أنهم ليسوا خائفين من جبهة تحرير شعب تيغراي. وقال أحدهم واسمه كيبدي هايلو "لن يأتوا إلى اديس ابابا لأنني أعتقد أن الجيش سيدمرهم". وأضاف تاجر الملابس "لن يكون هناك أي مفاوضات (...) إنهم إرهابيون يجب دفنهم وتدميرهم". وتبدو المفاوضات التي دعت إليها الأسرة الدولية على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي، مستحيلة في الوقت الراهن. فمن جانب المتمردين، اكد رضا أن جبهة تحرير شعب تيغراي "مستعدّة للتفاوض حتى مع الشيطان" إلا أنه قال "لا يمكننا التفاوض مع طرف يريد أن يبقي سيطرته على شعبنا". رفض المتحدث باسم المتمردين أيضًا الشروط التي طرحتها الحكومة بالانسحاب من عفر وأمهرة معتبراً أن "ليس هناك أي فرصة" لتتحقق. ومن الفاتيكان دعا البابا فرنسيس الأحد إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية لإنهاء النزاع في إثيوبيا. وقال البابا " أتابع بقلق الأخبار التي تصل من منطقة القرن الأفريقي، ولا سيما من إثيوبيا التي يهزها صراع مستمر منذ أكثر من عام ويتسبب في وقوع العديد من الضحايا وأزمة إنسانية خطيرة". وأضاف الحبر الأعظم بعد صلاة الأحد التقليدية في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان "أجدد ندائي ليسود الوئام الأخوي والدرب السلمي للحوار".
مشاركة :