وافقت الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر على تأسيس والترخيص للشركات ذات غرض الاستحواذ ويطلق عليها “شركات الشيك على بياض”، وهي دون نشاط تشغيلي محدد وهدفها جمع الأموال من المستثمرين والأفراد بغرض الاندماج والاستحواذ على شركات خاصة وتتحول إلى عامة عبر طرح أسهمها للاكتتاب في البورصة. وطرقت الحكومة هذا الباب للخروج من كبوة شركات توظيف الأموال الوهمية وظاهرة “المستريح” التي تزدهر وقت الأزمات الاقتصادية وتتفنن في الاحتيال على الجمهور لسحب مدخراتهم وإغرائهم بالحصول على عوائد شهرية مرتفعة، ثم تنتهي الحكاية بضياع أموال الأفراد، ما وضع السلطات في حرج بسبب تكرارها، ما يؤكد غياب سياساتها الاحترازية في القضاء على مثل هذه الظواهر. ويقف تحدي الأمية وعزوف الأفراد عن استثمار أموالهم في القنوات الاستثمارية الشرعية بسبب الطمع ورفض إيداع الأموال في البنوك استنادًا على فتاوى تحريم فوائد البنوك، عائقًا أمام الانتشار السريع لتلك الشركات. وحسب البنك المركزي المصري بلغ إجمالي النقد المتداول خارج القطاع المصرفي نحو 43 مليار دولار حتى يونيو الماضي، ما يتطلب تكثيف برامج التوعية الحكومية لجذب الأفراد للمساهمة في النشاط الجديد الذي يؤسس لخلق كيانات استثمارية كبيرة. وذاع صيت الشركات ذات غرض الاستحواذ في الولايات المتحدة ثم انتشرت في مختلف أنحاء العالم. وبدأ رجال الأعمال المصريون في اتباع هذا النهج عبر شركاتهم بالخارج خلال السنوات الماضية، فقد استثمرت شركة مان كابيتال المملوكة للملياردير محمد منصور وتتخذ من لندن مقرا لها في غراب هولدينغز وهي الشركة الناشئة الأكثر قيمة في جنوب شرق آسيا، وتم الإعلان أخيرا عن شراكة بقيمة 40 مليار دولار. وتعاون مكتب أن.أن.أس غروب المملوك للملياردير المصري ناصف ساويرس مع شركة استثمارية تابعة لعائلات المستثمرين فرير وديسماريس لإطلاق أفانتي أكويزيشن لاستهداف الاستحواذ على شركات أوروبية ونجحت الشركة في جمع 600 مليون دولار عبر طرحها في الولايات المتحدة. وتأخرت مصر في استقبال هذا الوافد الجديد، رغم انتشاره في الأسواق المجاورة، ويعد قطاع الترويج والاندماجات في بنوك الاستثمار وشركات الاستشارات المالية أحد المجالات التي توازي عمل تلك الشركات، لكن نشاطها بطيء مقارنة بالشركات المتخصصة في ذلك القطاع. وتستهدف الحكومة من تأسيس تلك الشركات توفير وسائل تمويل متعددة أمام الشركات الناشئة، لاسيما العاملة في مجال التكنولوجيا والتقنيات الرقمية بالتزامن مع تدشين المصارف الحكومية، الأهلي ومصر والقاهرة، صندوقًا لدعم تلك الشركات. وتعد شركة سويفل للنقل الجماعي الذكي خير دليل على نجاح ذلك النوع الجديد، إذ استحوذت عليها شركة أميركية ذات غرض خاص لتسهيل قيد أسهم الأولى في بورصة ناسداك مباشرة وتم تغيير اسم شركة الغرض الخاص لاسم الشركة الجديدة. وقال حسام الغايش عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع بالقاهرة لـ”العرب” إن “تأسيس شركات الشيك على بياض تعزز نشاط سوق الاندماجات والاستحواذات في مصر”. وأضاف أن هذه الكيانات “تعضد قدرة الحكومة على استقطاب الشركات العاملة بالقطاع غير الرسمي إلى المنظومة الرسمية، وكذلك جذب الاستثمارات الأجنبية خاصة إذا كانت الشركة التي تؤسس تابعة لأخرى متعددة الجنسيات أو مستثمرين أجانب، وهي سبب رئيسي لانتعاش سوق الاستحواذات في دول الخليج”. ووفق إرنست آند يونغ العالمية تأتي دولة الإمارات في الصدارة الإقليمية لصفقات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة خلال العام الجاري بقيمة بلغت نحو 15 مليار دولار. وأبدت شركات عديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اهتماما متزايدا بأنشطة الاستحواذ لأغراض خاصة كوسيلة لطرح الأسهم للتداول العام. وتتوقع إرنست أن يستمر هذا الاتجاه مع استمرار سعي تلك الشركات لزيادة حضورها الدولي، وتعزيز وصولها إلى مجموعة أكبر من المستثمرين. ومن المتوقع رواج تدشين الشركات ذات النشاط الجديد في مصر من قبل مؤسسات مالية مختلفة، لأن بنوك الاستثمار لديها حرص كبير على تأسيسها لتكون أذرعًا استثمارية لها تنفذ صفقاتها بقطاع الاندماجات والاستحواذات على المستويين المحلي والأجنبي. ولا يعد تركيز بنوك الاستثمار على تدشين الشركات الجديدة مزاحمة للشركات العاملة في الاستشارات المالية التي تمارس نشاط إدارة صفقات الاندماجات والاستحواذات، لأن من أنشطة الأخيرة الرئيسية القيام بدور المستشار المالي المستقل للمؤسسات المالية الاستثمارية عند إعداد القيم العادلة في الصفقات التي تنفذها، ومن ثم تمثل نافذة جديدة لشركات الاستشارات الصغيرة لزيادة أرباحها. وأوضح الغايش أن تلك الشركات تتميز بأنها تقيد في البورصة بصورة مباشرة عند تأسيسها دون اشتراطات الحصول على قوائم مالية سابقة من قبل لجنة قيد الأوراق المالية بسوق المال من أجل استكمال رأس المال اللازم لممارسة نشاط الاستحواذ على إحدى المؤسسات ثم يحدث اندماج بينهما باسم الشركة التي تم الاستحواذ عليها ويتبع ذلك الاكتتاب العام أو الخاص بالبورصة. وتلعب الاشتراطات الصارمة التي ينبغي على الجهات الرقابية تفعيلها للموافقة على تأسيس تلك الشركات دورا مهما في مواجهة شبهة توظيف الأموال في البلاد، وفي مقدمتها ضرورة اتسام المستثمرين بالسمعة الجيدة والخبرة في إدارة المشروعات والاستثمار وفق تجارب استثمارية حقيقية وأعمال ناجحة لكل مستثمر، فضلاً عن الملاءة المالية القوية لهم. وقال أحمد معطي خبير أسواق المال بالقاهرة إن “الحكومة المصرية تأخرت كثيرا في تأسيس شركات الشيك على بياض، وعائدها إيجابي للغاية على الاقتصاد، إذ تعكس صورة أكثر انفتاحا وسوف تنعش الاستثمار المباشر وغير المباشر في الفترة المقبلة، وترفع معدل الاكتتابات في البورصة وضخ سيولة جديدة تحرك السوق الراكدة”. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن النشاط الجديد يفتح الباب أمام الشباب والشركات الصغيرة والمتوسطة لاقتحام المجالات الاستثمارية المختلفة، لاسيما التكنولوجيا المالية، لأنها تتغلب على أزمة التمويل التي تعرقل الاستثمار، وتعد قنوات استثمار ذات مردود جيد ومقبول وتستوعب أموال صغار المستثمرين الذين لا يملكون السيولة الكافية لإقامة مشروعات خاصة. ومنعا للتلاعب بأموال المستثمرين الأفراد أو توظيفها في غير محلها يتم الاحتفاظ بحصيلة الاكتتاب في حساب بنكي خاضع للرقابة من قبل المصارف وبالتنسيق مع الهيئة العامة للرقابة المالية حتى إجراء الاستحواذ المستهدف خلال المدة الزمنية للشركة بحد أقصى سنتين. وأكدت الهيئة العامة للرقابة المالية أنه حال فشل الاستحواذ المخطط له تلتزم الشركة ذات غرض الاستحواذ بإعادة الأموال إلى المستثمرين بعد خصم العمولات المقررة والمصاريف الأخرى التي تحددها الجهات الحكومية المعنية.
مشاركة :