نحن أمام رواية من العيار الثقيل للكاتب أحمد فضل شبلول، توافرت فيها كل عناصر النجاح من الحبكة الدرامية وتصاعد الأحداث، هذا من الناحية الفنيةـ أما ناحية الموضوع، فأنت أمام عمل جديد وتيمة جديدة في الكتابة، فهي رواية سردية في إطار من التاريخ والخيال العلمي والمعلومات الموثقة. بطلها حجر زمرد هو من يحرك الأحداث ويتصاعد به ومعه الخيط الدرامي حتى آخر الرواية. أما نظرتي لما يمكن تسميته بالهدف من الرواية، أو بمعني أدق القيمة أو الرسالة الفكرية أو الروحية التي يريد الكاتب إيصالها للقارئ فهي من وجهة نظري المتواضعة تتلخص في أن الكاتب قد انتهج الخط الصوفي الروحاني، وإن لم يصرح به (وهذا يحسب له بالطبع) ولكنه ظاهر حتى من العنوان "الحجر العاشق" فكلمة "العاشق" هي تعبير صوفي ووصف صوفي لحالة الوجد والعشق التي يدخلها الصوفي في مراتبه وأحواله كما هو معروف في أدبيات الصوفيين، ويكفي أن نشير إلى أن ابن الفارض كان معروفا بلقب "سلطان العاشقين". وأن يكون العاشق حجرا، وهو بطل القصة (الحجر الموجود في الخاتم الذي ورثته الدكتورة منال عثمان عن جدتها فتحية الشال) والمعشوقة هي الدكتورة منال عثمان أستاذ الطبيعة في كلية العلوم - جامعة الاسكندرية وبطلة الرواية، فنحن لا نحتاج للجهد الكثير أن نستنبط من هذا العشق فكرة "وحدة الوجود" الموجودة في الفكر والفلسفة الصوفية وظهرت بوضوح في كتاب "الطواسين" للحلاج وكتابات المفكر الصوفي الأشهر ابن عربي. ورمزية اللون الأخضر الذي حل محل اللون الأزرق علي شاشات الموبايل والكمبيوتر، وفي فضاء الإنترنت، كما جاء في الرواية لهو رمزية أخرى مرتبطة بالصوفية وأدبياتهم بل وملابسهم التاريخية المعتادة، هذا من الناحية العملية الواقعية أما من ناحية الخيال والروحانيات، فالصوفي هو من يبحث أو يحاول أن يعيش في جنة الله على أرضه فتتحول الأرض إلى روضة خضراء أو قطعة من الجنة باخضرارها لا يري فيها الصوفي إلا معشوقه الأوحد وهو الله عزّ وجلّ. وإذا كانت الرواية تعرض في أحداثها وتصاعدها الدرامي العديد من إشكاليات العلم في مواجهة الخرافة والخيال في مواجهة الواقع والتاريخ في مواجهة الحاضرـ فإن هذا التشابك أو هذا الصراع سيظل صراعًا أبديًّا سرمديا طالما بقي الإنسان على وجه الأرض، ولذلك كان على الكاتب أن يلجأ للمعادل الموضوعي الذي يستوعب كل هذه التناقضات، وأن يكون هذا الهيرو او السوبر هيرو (المنقذ) قادرًا على استيعاب كل تلك الإشكاليات وفض الاشتباك بينها دون أن يزيح طرفٌ طرفًا آخر أو يقصيه من المشهد الإنساني. فكان هذا البطل في رأيي هو الاتجاه الروحي الصوفي والذي تمثل في أن العلماء قاموا باستنساخ هذا الحجر العاشق ليتم وضعه في مخ قرد ومخ إنسان ومخ إنسان آلي ليصبحوا الثلاثة عاشقين كالحجر العاشق في إشارة واضحة إلى أن روح العشق والحب سائرة في الموجودات كلها سواء كانت إنسانا أو حيوانا أو نباتا أو جمادا، وهذا التصور هو فكرة وحدة الوجود الموجودة في كتابات الصوفيين وأدبياتهم. وهذا ذكاء من الكاتب فهو لم يلجأ إلى معادل أيديولوجي أو ديني أو سياسي يضمن السلام والمحبة، للعالم فهو أولا بحكم ثقافته الموسوعية وقراءاته أدرك أن التجارب والنظريات الأيديولوجية من رأسمالية وشيوعية وعولمة لم تأتِ للعالم إلا بالدمار وترسيخ الكراهية فضلا عن الخطابات الدينية من أصحاب الديانات المختلفة والتي تعمدت في أدبياتها إلى إقصاء الآخر والسخرية منه، ولذلك لا تصلح الإيديولوجيات الدينية لهذه المهمة الثقيلة والتي تتمثل في إنقاذ العالم من الفناء والدمار، فكان لا بد من تبني نزعة صوفية متصالحة مع نفسها ومتصالحة مع الموجودات من حولها وتشعّ طاقة إيجابية من الحب والعشق لله ولجميع موجودات الله. وأن تكون متوحدة معها وهي نظرية "وحدة الوجود" الصوفية. فالعشق والحب والتوحد مع الموجودات هو الضامن الوحيد لبقاء هذه الموجودات، بل وبقاء الكون كله المهدد بالفناء بسبب الكراهية، وما تجلبه من حروب ودمار وتغيرات مناخية تهدد بقاء الإنسان وتنذر بفناء الكون كله. فالفناء في الحب والعشق هو الحياة نفسها من وجهة نظر الصوفية وليس الحياة المادية والفناء في الكراهية. إننا أمام رواية رائعة زاخرة بالدلالات والتأويلات، تستحق المعايشة والقراءات المتعددة.
مشاركة :