حذر تقرير صدر أمس عن محادثات "كوب26" المرتبطة بالمناخ في جلاسكو من أن الدول الـ65 الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي في العالم، ستشهد انخفاضا في إجمالي ناتجها الداخلي بمعدل 20 في المائة بحلول 2050 و64 في المائة بحلول 2100 إذا ارتفعت درجة حرارة العالم بـ2.9 درجة مئوية. وبحسب "الفرنسية"، جاء في الدراسة التي أعدتها منظمة "كرستيان أيد" أنه حتى وإن تم الحد من ارتفاع درجات الحرارة في العالم لتبقى عند 1.5 درجة مئوية، أي الهدف الأكثر طموحا ضمن اتفاقية باريس للمناخ، فإن إجمالي الناتج الداخلي لهذه الدول سيتراجع بنسبة 13 في المائة بحلول 2050 و33 في المائة بحلول نهاية القرن الحالي. وحتى الآن، ارتفع معدل حرارة سطح الأرض بـ1.1 درجة مئوية مقارنة بأواخر القرن الـ19. وتظهر دراسة "كرستيان أيد" بأن أكثر من ثلث دول العالم تحتاج بشكل عاجل إلى المساعدة للتمكن من تعزيز قدرة اقتصاداتها على الصمود وتحمل موجات الحر والجفاف والفيضانات والعواصف التي فاقمها الاحترار العالمي الشديد والمميت. وقالت مارينا أندريفيتش من جامعة "هومبولت" في برلين، التي لعبت دورا أساسيا في صياغة التقرير، إن "قدرة الدول الواقعة في جنوب الكرة الأرضية على التنمية بشكل مستدام معرضة للخطر الشديد". وأضافت "تعد الخيارات في السياسات التي نقوم بها الآن مفصلية لمنع وقوع مزيد من الأضرار". وتقع ثماني دول من الدول العشر الأكثر تضررا في إفريقيا واثنتان في أمريكا الجنوبية. وتواجه جميع الدول العشر أضرارا لإجمالي ناتجها الداخلي تبلغ نسبتها أكثر من 70 في المائة بحلول 2100 في ظل الاتجاه الحالي للسياسات المناخية، و40 في المائة في حال تم حصر الاحترار العالمي بـ1.5 درجة مئوية. ويعد السودان البلد الذي يواجه الضرر الأكبر في إجمالي الناتج الداخلي لديه، علما أنه شهد في أيلول (سبتمبر) أمطارا غزيرة وفيضانات أثرت في أكثر من 300 ألف شخص. وتتكون الدول التي يتحدث عنها التقرير من تكتلين أساسيين في مفاوضات المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة التي تتواصل الجمعة: البلدان الأقل نماء وتحالف الدول الجزرية الصغيرة. وتعد الدول الجزرية الصغيرة على وجه الخصوص أكثر عرضة لخطر للعواصف التي قد تزداد سوءا مع ارتفاع منسوب البحار. يذكر أن الدراسة لا تأخذ في الحسبان إجراءات التأقلم، التي بإمكانها أن تخفف بعض الأضرار. وحتى الآن، لم تتعهد الحكومات الغنية إلا بمبالغ متواضعة لمساعدة الدول الفقيرة على التأقلم مع تداعيات تغير المناخ. وقال مدير مركز أبحاث المناخ والطاقة "باور شيفت إفريقيا" في نيروبي محمد أداو "كانت إفريقيا من الجهات الأقل تأثيرا على التغير المناخي إلا أن هذا التقرير يكشف بأنها ستواجه أشد العواقب. إنه أمر غير منصف على الإطلاق". وفي مستهل الأسبوع الثاني لمؤتمر الأطراف للمناخ "كوب26"، ترجح الأمم المتحدة أن تبعد تعهدات مناخية جديدة كوكب الأرض قليلا عن الاحترار "الكارثي". ومن ضمن التعهدات الجديدة: تعزيز أهداف خفض انبعاثات الغازات في الهند والبرازيل والأرجنتين وتعهد نحو 100 دولة بخفض انبعاثات الميثان ووعود بالتخلي عن الفحم. بعد مرور أسبوع من الإعلانات التي تروج إليها الرئاسة البريطانية لمؤتمر كوب26، يتحدث البعض عن إنجازات غير مسبوقة على غرار المبعوث الأمريكي للمناخ جون كيري. وقال "لم أحص يوما في الأيام الأولى لمؤتمر مناخ، هذا العدد من المبادرات وهذا الكم من الأموال الموضوعة على الطاولة"، مضيفا "معظم دول مجموعة العشرين لديها خطط فعلية. ستبقي هدف حصر (الاحترار) بـ1.5 درجة مئوية في متناول اليد إذا طبقت هذه الخطط. هذا الأمر يغير المعطيات". وترى إيلين ماونتفورد من معهد الموارد العالمية أن "هناك حقيقتان"، مضيفة "لقد أحرزنا تقدما كبيرا في بعض المجالات لم نتخيله إطلاقا منذ عامين، لكن في الوقت نفسه هذا ليس كافيا". من كان يتخيل أن تتعهد الصين ثم الهند بتحقيق الحياد الكربوني؟ لكن هدفهما بعيد عن 2050 الذي يحدده العلماء للتمكن من حصر الاحترار المناخي بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الحقبة الصناعية، وهو الهدف الأكثر طموحا لاتفاق باريس حول المناخ. قبل هذا المؤتمر كانت تعهدات الدول بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في 2030 تؤدي إلى احترار "كارثي" بـ2.7 درجة مئوية، وفي أفضل الأحوال 2.2 درجة مئوية إضافة إلى تحقيق أهداف الحياد الكربوني في منتصف القرن، بحسب تقرير مرجعي للأمم المتحدة بشأن المناخ. لم يتم تحديث هذه التقديرات بعد، لكن جاء في تحليلات أولية عدة صدرت عن خبراء آخرين أنه فقط في حال تحققت كافة الوعود الجديدة فعليا، قد نتمكن من حصر الاحترار المناخي بأقل قليلا من درجتين مئويتين، ربما 1.8 درجة وفق عملية احتساب أكثر تفاؤلا. في حين أن كل عشر درجة إضافية من الاحترار يؤثر ويؤدي إلى سلسلة كوارث جديدة، إلا أنه بالتأكيد سيتم تجاوز سقف 1.5 درجة مئوية. ويرى مراقبون أن طلبات الدول الأكثر عرضة للظواهر المناخية بتقديم كل عام تعهدات أكثر طموحا ستبقى حبرا على ورق. تقول لورانس توبيانا وهي من بين مهندسي اتفاق باريس حول المناخ، إنه "من الجيد" أن يصبح الحياد الكربوني "المرجعية الجديدة لكن معظم التعهدات لا تدعمها خطط تنفيذية". ونددت بادعاء حماية البيئة الذي أصبح بحسب قولها، بخطورة إنكار التغير المناخي. من جانب الدول الأشد فقرا التي تتحمل أقل نسبة من المسؤولية عن الاحترار لكنها تدفع ثمن آثاره المدمرة، لا تزال مسألة التمويل الشائكة تثير الاستياء، في سياق أزمة صحية عالمية. أكد أحمدو سيبوري توري الذي يرأس مجموعة 77 + الصين التي تضم 134 دولة نامية أو ناشئة، أن "هذا الأسبوع الأول (من المؤتمر) شكل خيبة أمل، معظم مخاوفنا لا تؤخذ في الحسبان فعليا". وأضاف "هناك سوء نية لدى الدول المتقدمة التي تطالب الدول الأكثر ضعفا ببذل المزيد" من الجهود، لكن من دون وضع على الطاولة مبلغ "الـ100 مليار" الشهير. في 2009، وعدت الدول المتقدمة أن ترفع مساعدتها للدول النامية إلى 100 مليار دولار في العام، لخفض انبعاثاتها والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ. لكن في 2019 كان لا يزال المبلغ ينقص أكثر من 20 مليارا وتأمل دول الشمال حاليا بتقديم المبلغ الموعود به في 2023. وقالت المفاوضة باسم تحالف الدول الجزرية الصغيرة ليا نيكولسون "لنوقف الكلام الفارغ عن الوصول إلى التمويل"، منددة بواقع أن الشعوب المعرضة بشكل مباشر لظواهر التغير المناخي "تؤخذ رهينة تبرعات عشوائية". بعد مرور أول أسبوع نددت خلاله مجموعات التفاوض والمراقبون بقيود مرتبطة بكوفيد - 19 رغم الوعود بعقد مؤتمر "جامع"، يدخل الوزراء على الخط هذا الأسبوع لمحاولة إيجاد تسويات حول التوجهات السياسية الكبيرة وبشأن البنود المعلقة من اتفاق باريس منذ ثلاثة أعوام خصوصا بشأن سير عمل أسواق الفحم.
مشاركة :