هل يأخذ الغنوشي حركة النهضة معه إلى التقاعد؟

  • 11/9/2021
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قد لا تجد حركة النهضة الإسلامية مخرجا قانونيا تنجو من خلاله من إمكانية أن تتحول التحقيقات التي يجريها القضاء التونسي حول آليات التمويل للحركة ومصادره وطرق صرفه إلى اتهامات يتبناها القضاء. والصمت الحذر الذي يمارسه زعيم الحركة راشد الغنوشي عن القضية والبيانات المقتضبة التي تصدر عن الحركة حول مجرى التحقيق لا تخدمان الشفافية المطلوبة في قضية حساسة في تونس تطال عدد من الأحزاب وتتحرى نشاطها على مدى العشر سنوات الماضية. صار على حركة النهضة أن تفتح أوراقها. ذلك موضوع يتعلق بالعقيدة. بالنسبة للغنوشي فإنه بالرغم من تمسكه بمنصبه رئيسا للبرلمان التونسي المجمد، غير أن ذلك المنصب لا يعد شيئا بالمقارنة بما يمكن أن يكون عليه حين يصبح زعيما لواحدة من الولايات الإسلامية التابعة لدولة الإخوان المسلمين التي يبدو أنها لن تقوم. سيُقال إنها مجرد خرافة. ولكن ما حدث في تونس بعد ثورة الياسمين كله ينتمي إلى عالم الخرافة. هل كان أحد يتوقع أن ترتد تونس عن دولتها المدنية فتمكن حزبا دينيا من حكمها عشر سنوات؟ زمن يكفي لبناء دولة استغلته حركة النهضة لتدمير بنية الدولة المدنية القائمة وبث روح الفشل في كل مجالات العمل وفي مقدمتها السياحة والفلاحة. لقد رسمت حركة النهضة حاضرا مظلما لتونس وللتونسيين ولهذا كانت سنواتها العشر حاضنة لكل أنواع الفوضى. وإذا كان التونسيون يتساءلون كيف أصبح بلدهم مصدّرا لإرهابيين، أو أن يتداولوا قصص نذر نساء لجهاد النكاح، فأن تلك معارك خارجية لا تقارن بما كان يجري في الداخل من أجل محو القانون الذي يحفظ حقوق المرأة. المرأة هي العدو الأول لحركة النهضة. هل المرأة هي عدو الإسلام السياسي؟ شيء من هذا القبيل يمكن قراءته بالمقلوب. فبالرغم من أن حركة النهضة أظهرت وجها مسالما للإسلام السياسي وهو ما يستند إليه المدافعون عنها باسم الديمقراطية فإن ذلك الوجه لم يكن إلا قناعا. عبر عشر سنوات، كانت حركة النهضة فيها مهيمنة على الحياة السياسية شهدت تونس مختلف أنواع العنف. من الاغتيال السياسي إلى ترهيب الخصوم في داخل المؤسسات السيادية وفي مقدمتها مجلس النواب. غير أن أخطر ما كانت الحركة تبيته وتسعى إلى أن تمارسه علنا هو العنف ضد المرأة من خلال سن قوانين جديدة تحد من حريتها وتغتال حقوقها. وهنا كان مقتل الحركة. اليوم يمكن القول بثقة إن حركة النهضة باعتبارها حزبا سياسيا كانت له هيمنة على السلطة قد هُزمت. وقد يؤدي الكشف عن ارتباطاتها الخارجية إلى حلها، غير أن ذلك لا يعني نهايتها. فالحرب التي خاضتها النهضة ضد المجتمع هي حرب عقائدية. صحيح أنها فقدت الكثير من شعبيتها بسبب خسارتها لمصداقيتها في تلك الحرب خاصة حيث لم يعد الجمهور العريض مقتنعا أن الغنوشي ورجاله يخافون الله غير أنه من المؤكد أن أعضاء الحركة وهم ليسوا قليلين يؤمنون أن خسارة معركة لا تعني نهاية الحرب. وليس مهما في حالة حل الحركة أن يكون هناك حزب باسم حركة النهضة الإسلامية. المهم هو أن تستمر عقيدة الحركة ويستمر النضال من أجل استعادة ثقة الجمهور التونسي من خلال عناوين أخرى. غير أنه صار بحكم المؤكد أن الغنوشي لن يستمر في زعامته. لقد آن الأوان لكي يذهب الزعيم التاريخي إلى الارشيف. ذلك واقع يرفضه الغنوشي. وكم كان جميلا منه لو أنه قبله. قد يقوده عناده إلى مواجهة الحكم فيما لو ثبت أن حركته تلقت تمويلا أجنبيا مشبوها. وذلك ما يؤكده خصومه. قد يتميز الغنوشي بنوع من الدهاء والمكر غير أن حيلته ستكون محدودة في مواجهة العدالة. ربما لا يتمنى خصومه داخل الحركة ممَن استقالوا أن تأخذ نهايته تلك الصورة الكئيبة. ربما يتوقع الغنوشي أنه لا يزال يملك حظوة شعبية ستدفع بالرئيس قيس سعيد إلى التراجع عن عزله بتلك الطريقة المهينة. كل ذلك لا يعني شيئا في مواجهة فتح الملفات كلها بعد أن تحرر القضاء التونسي من هيمنة حركة النهضة ولم يعد مسيسا. كانت قرارات الخامس والعشرين من تموز/يوليو الماضي التي اتخذها الرئيس سعيد صادمة للكثيرين بسبب غموض ما يمكن أن يليها وهي المرحلة التي صار البعض يسميها بمرحلة الاعداد لظهور مستبد عربي جديد. ما من صفة في سعيد توحي بذلك. الآن تبدو الصورة واضحة. فبعد تعيين رئيسة للحكومة، قامت بدورها باختيار وزرائها فإن الانفتاح على الحياة السياسية صار مطلوبا من جهة كونه محاولة لتنقية الأجواء الوطنية والعودة إلى مرحلة الحوار الديمقراطي لكن بمواصفات ومقاييس وطنية خالصة. تلك المواصفات ستقف عائقا أمام بقاء حركة النهضة باعتبارها حزبا لا يملك مشروعا سياسيا وطنيا. سيذهب الغنوشي إلى تقاعده. ذلك أمر مقبول في عالم السياسة. غير أن الرجل الذي لا يزال متمسكا بالزعامة يرغب كما يبدو في أن يأخذ حركته معه إلى التقاعد.

مشاركة :