توفر وسائل التواصل الاجتماعي إمكانية الاتصال والتواصل مع الآخر، حيث أصبحنا جميعاً جزءًا لا يتجزأ، بل إننا أفراد عاملون ليس في مجتمعاتنا، بل في المجتمعات السيبرانية بكل ما تتيحه تكنولوجياتها وآلياتها من تقارب وانفتاح وتواصل، وما ينتج عنها من مخرجات، قد لا تتناسب مع قيمنا وعاداتنا وأخلاقياتنا. "سيدتي" التقت المهندس وائل أحمد مصطفى، خبير تكنولوجيا المعلومات، وهو باحث في علم النفس السّيبراني؛ للحديث حول الحياة الافتراضية في المجتمعات السيبرانية وتأثيراتها السلبية على حياتنا. في البداية، يقول المهندس وائل "لقد زاد ارتباطنا بحالة توهج الضوء الأزرق لأجهزتنا اللوحية وهواتفنا المحمولة وأدواتنا الإلكترونية في العقدين الأخيرين بشكل مدهش، فمن منا يستطيع الحياة بدون هذا الضوء الأزرق؟ لقد ارتبطنا بالتكنولوجيا لدرجة غير مسبوقة، فنحن نبني متابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا نتساءل إلى أي درجة يمكن أن يكون متابعينا من الأصدقاء. نحن نعيد خلق أنفسنا كشخصيات افتراضية غير حقيقية على الإنترنت ولا نتساءل إلى أي مدي تغير سلوكنا كبشر في هذا العالم الافتراضي بمجتمعاته السيبرانية؟ تابعي المزيد: أضرار تعلق الطفل بالموبايل: أثناء الدراسة - تسمح بالتفاعل بطرق مدهشة، حيث يمكنك اللحاق بحياة شخص ما؛ من خلال رسالة بسيطة على الكمبيوتر أو الهاتف المحمول، وحتى البريد الإلكتروني، كما أنها تقوم بإعادة الاتصال بالأصدقاء القدامى وأفراد الأسرة، حتى إنها تقوم بحشد أفراد المجتمع أثناء أوقات المأساة أو الكوارث الكبرى، مما يتيح المجال لوسائل تواصل إغاثة وإنقاذ أسرع، كما أصبحت التجارة الإلكترونية أكبر منصة للتسوق عبر الإنترنت؛ لأنها تنشر الكلمة بشكل أسرع. يقول وائل: توفر لنا البيئة السيبرانية الأداة لعرض أي نوع من الأمراض النفسية يعبث بدواخلنا، فالفضاء الإلكتروني وحده هو امتداد نفسي لعالمنا داخل النفس، فلدينا جميعًا أبعاد مختلفة من اللاوعي، تظهر عند استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي، وهناك ثلاثة أنواع لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي: • مستخدمون عاملون للترويج لأعمالهم أو حياتهم المهنية. • مستخدمون فكريون لمشاركة الآراء السياسية وتبادل الرؤى الثقافية والفنية والأدبية. • مدمنو الشهرة، وهم من ينشرون تفاصيل حياتهم العائلية والاجتماعية. د. هدى عبد الونيس، مستشار تكنولوجيا المعلومات ولديها دراسات حول التأثير النفسي طويل المدى لوسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع، تقول "تم رقمنة حياتنا اليومية، فانقسمت أنفسنا الحقيقية إلى صور رمزية عبر الإنترنت وصور الملف الشخصي وتحديثات الحالة، حيث يمكننا رصد شخصية الشخص من خلال حساباته على التواصل الاجتماعي، فيمكننا رصد جنون العظمة، أو النرجسية، أو الهوس، أو الاكتئاب، أو حتى السلوكيات الميلودرامية، فهذه الشخصيات تعبّر عن نفسها دون وعي في بيئة الإنترنت". تابعي المزيد: الهاتف المحمول.. هل هو وسيلة اتصال أو أداة انفصال؟! عالم التواصل الاجتماعي ليس عالماً حقيقياً، هو من صنع الناس ليخدم أفكارهم وتوجهاتهم وقناعاتهم وهو: - يجعلنا نفتقر إلى الخصوصية. - يجعل الشباب والصغار يتواصلون مع شخصيات غير موثوقة قد تدخلهم عوالم مرفوضة تكسبهم قيمًا وأخلاقيات نرفضها في مجتمعاتنا العربية. - يكسبنا عادة مقارنة أنفسنا دائمًا بالآخرين، فلا نرضى عن ذواتنا، فيقل الشعور بالرضا والسعادة. - يتسبب بالأمراض النفسية، مثل مرض "اكتئاب" Facebook بين الشباب القلقين من عدم توفر عدد كافٍ من "الأصدقاء" أو "الإعجابات" like لتحديثات الحالة الخاصة بهم، كذلك مرض "إدمان الإنترنت"، والذي تم إضافته كمرض في ملحق الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) . - يتسبب في الانزلاق في عالم افتراضي وهمي مزيف، مما يدفع الناس لفقدان الإحساس بالحياة الواقعية والذات الحقيقية والأولويات الحقيقية، مما قد يجعلهم يتناسون من هم، أو ينخرطون في الواقع المزيف الذي خلقوه، فلا يقومون بالعمل على قضاياهم الخاصة، مما يصيبهم بالإحباط ثم الاكتئاب. - يتسبب في مشاكل للأزواج لأنه يوفر فرصاً للدردشة أو لمغازلة الزوجات عبر الإنترنت، كما أنه يتسبب في انقطاع التواصل بين الآباء والأبناء. بالنهاية، ينصح مهندس وائل، ودكتورة هدى، بأهمية التوازن في التعامل مع التكنولوجيا، فإيجاد التوازن في علاقاتنا بالمجتمع السيبراني، الذي أقحمنا فيه، مهم جدًا، حيث عالم التكنولوجيا الغرائبي والذي يمكن أن يوصل البشر لدرجة المالتيفرنيا "multiphrenia" والتي يمكن أن تنسحب على الذات في العديد من الاتجاهات. تقول د. هدى: "آمل أن يبدأ الناس في إدراك أن وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تكون بديلًا عن كل شيء في حياتنا، فبدلًا من الجلوس لقراءة منشورات الآخرين ساعتين، يمكن القيام ببعض الأعمال المجتمعية. وتضيف: "ربما نحتاج أن نسأل أنفسنا: لماذا يجب علينا أن نكون مشغولين مع شخص غير حقيقي؟". تابعي المزيد: أصول التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي الصور من موقع الصور المجانية: unsplash
مشاركة :