فجعت الساحة الفنية أمس في وفاة الموسيقار غازي علي - رحمه الله - أحد رموز الفن والزمن الجميل، حيث قضى جل حياته في خدمة الفن وبقيّت أعماله خالدة في ذاكرة الجمهور، عانى غازي علي من مداهمة الأمراض في سنواته الأخيرة، والتي ساهمت قصريا في إبعاد أحد فرسان الموسيقى المحلية ورمزا فنيا تخطى بعلمه وأكاديميته كافة الأجيال المتعاقبة. غازي علي باجراد "1937-2021" ولد في المدينة المنورة، حيث عاش طفولته مع والدته بعد فقدان والده وهو صغير، كانت تهتم -رحمها الله- برعايته وحرصت على تعليمه في المدينة المنورة، قبل أن ينتقل إلى جدة، حيث درس الإعدادية في المدرسة النموذجية بمدينة الملك سعود التعليمية، والتي كان على رأس إدارتها السفير محمد عبدالقادر علاقي. في تلك الحقبة الزمنية سنة "1960"، كان الهاجس الأكبر أن يتعلم غازي علي ويتميز عن اقرانه قبل أن ينتقل إلى القاهرة لممارسة الفن، ويتعلم الموسيقى بشكل أكاديمي، كان مولعا منّذ الصغر، هناك أكمل الثانوية بمعهد الموسيقى، والفضل كما يقول - رحمه الله - إلى أبو بكر خيرت، الذي تفاعل مع رغبة العديد من الطلاب في دراسة الموسيقى، وأنشأ مدرسة ثانوية بالمعهد، حيث كان الطلاب يدرسون من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر دروسا موسيقية متنوعة، ثم من الساعة الرابعة عصرا إلى الثامنة مساء دروسا علمية متعلقة بالمنهج الثانوي التعليمي، وذلك لمدة ثلاث سنوات، ليتخرج ويكمل دراسته الموسيقية المتخصصة بالمعهد لمدة أربع سنوات، تخرج غازي من المعهد عام "1967"، بعد أن قضى به قرابة سبع سنوات في دراسة متخصصة جادة. كان اهتمامه بالموسيقى والغناء مبكراً، ما شجعه على التخصص، ليكمل تعليمه في معهد "الكونسرفتوار"، بالقاهرة. كان الراديو الذي يدخل حوش بيتهم، يدهشه ويبكيه، لحظات يستمع لموشحاً منبعثاً منها، يشعر حينها بتذوقه وإحساسه الطربي، من هناك كانت لحظة الانبعاث والتعلق بالأغاني التي كانت تسمع من محمد عبدالوهاب، كانت قبلته الداخلية ليمارس الموسيقى من أبواب مختلفة في عاصمة الفنون القاهرة، ليكون من أوائل الفرسان الحضاريين في علم الموسيقى أكاديميا، كان رياض السنباطي أحد معلميه. لم يكن غازي علي - رحمه الله - بخيلاً على مستمعي الإذاعة آنذاك، حينما كانت هي المذياع الأهم والأبرز إعلاميا، قدم برنامجين تشع منها العلوم الثقافية والموسيقية الكلاسيكية الشرقية والغربية، حلل فيها أعمال "بيتهوفن وشوبان وعبدالوهاب والسنباطي والقصبجي وفريد الأطرش"، من بداية عودته من القاهرة، كان جُل اهتمامه في إنشاء معهد كونسوفتوار وفرق موسيقية مؤهلة تساهم في نشر الموروث والأغاني السعودية، كان يهتمُ في إعداد جيل من الشباب بقواعد علمية. هذه الأحلام تبددت فورا، فالواقع كان مغايرا حينما يصطدم بالرافض.! لذلك حاول كثيرا ان يفتتح معهدا خاصا في منزله ويدرب العديد من المواهب على الفنون، يؤرقه في تلك السنوات تجاهل الإعلام للفنانين المبدعين. غازي علي يُعد من أهم الفنانين السعوديين، ومن أكثرهم ثقافة، ومن أوسعهم علما بالموسيقى، استطاع قبل أن يدرس الموسيقى، ويحصل على بكالوريوس التأليف الموسيقي من معهد الكونسرفتوار في القاهرة، أن يضع يده على مفاتيح التراث لينتج في وقت مبكر جدا مجموعة من الروائع الخالدة. من أشهرها "روابي قبا، ربوع المدينة، شربة من زمزم، الموعد المنسي، ولفنا عليك، وحشتيني، يوم نويتوا على السفر، على البحرين، سليمى، لو شفتها، يا بديع الجمال، ماشي على هوينه، سلمى يا ست الحلوين. بالإضافة إلى مجموعة من الأغنيات الوطنية، وأغنية رياضية للمنتخب بعنوان "يا جماهير الأخضر". كان تعاونه مع الراحل الكبير طلال مداح الأبرز في عدة أغنيات نالت حضورا جماهيريا، عندما قدما "سلام لله يا هاجرنا، ومش دا كلام ينقال" والأغنيتان من كلماته وألحانه، كذلك قدم مع "صوت الأرض أغنية "اسمر حليوة" من كلمات الأديب طاهر زمخشري. قبل أن يتوسع انتشاره أكثر على المستوى العربي مع وديع الصافي، محمد قنديل، ماهر العطار، سميرة توفيق، سعاد هاشم، عايدة بو خريص. إذ لم يكن بعيدا عن أول هم وهاجوس في مسيرته، ذلك في تقديم أوبريت وطني بعنوان "نور الدنيا" من ألحانه وغنائه وبمشاركة المطربين محمد عمر وعلي عبدالكريم. رحيل مؤلم لغازي علي والذي قدم منجزات وتحفا فنية مذهلة، كان حقلا موسيقيا في المملكة قدم الكثير من النماذج الإبداعية، ويعتبر من رموز صناع الوجدان السعودي.
مشاركة :