تنمو بعض المنظمات وتكبر عبر إضافات عديدة على نشاطاتها، منشآتها، خدماتها، حجمها ... إلخ. يكون الأمر مبهجاً ظاهرياً، لكن قادتها ينسون أحياناً الخطر الداخلي المهدّد لتميزها. تبرز هنا قدرة المسؤول على قيادة التغيير، وهو فن إداري يتعلَّق بالممارسات الواجب اتباعها لإدارة التغيير والتحولات والاضطرابات داخل المؤسسة بشكل فعَّال. التغيير في المنظمات لا يكفي فيه مجرد بناء المراكز والمنشآت والخدمات دون رؤية قيادية وتناغم إداري وتنظيمي حقيقي داخلي يساند ذلك البناء. تواضع العمل التنظيمي والإداري يخلق منظمة مهما بدا شكلها الخارجي، كئيبة من الداخل يعاني فيها الناس من عدم وضوح الأنظمة والعلاقات بينهم. النمو فيها يشبه النتوءات التي تشتت الجهود والموارد وتوهن البناء الأساس وقوته. التغيير ليس مجرد فكرة، بل عمل تخطيطي وتنظيمي، يفترض أن يعكسه الهيكل التنظيمي واللوائح التي تعزِّز الحوكمة وتقلِّص المركزية وتنمِّي التواصل الفعَّال بين مختلف مستويات المنظومة أفقياً ورأسياً. بدون هياكل وأنظمة وتشريعات واضحة وشفَّافة للجميع يصبح الأمر مربكاً ومرهقاً لمنسوبي المنظمة ويخلق سلسلة من العلاقات غير الناضجة بين أقطابها، وبالتالي يسهم في تدني أداء الأفراد والإدارات والمنظومة بأكملها. كسب ثقة العاملين في المنظومة لا يأتي بمجرد السلطة والتوجيه الدائم من الأعلى، بل بتمكين قادة القطاعات والإدارات والخبراء في المنظومة من القيام بمهامهم بشكل واضح وفق أنظمة وصلاحيات واضحة والأهم تمكينها من تقديم إسهاماتها وأفكارها الهادفة للتطوير، بدلاً من احتكار الرأي والتوجيه من الأعلى. تحول الجميع إلى قيادات وسطية سلبية تنتظر التوجيه من شخص أو شخصين، ربما يمنح القائد شعوراً ظاهرياً بقوته لكنه يحمل ضرراً في عدم الاستفادة من مختلف العقول والأفكار والطاقات التي تزخر بها منظومته. مهم جداً إعادة النظر في نوعية القيادات التي تعمل مع القائد، فمن كان جيداً لحراسة غرفتين قد لا يصلح لإدارة القصر متعدِّد الأدوار. إدارة التغيير تبدأ برؤية وإستراتيجية - أو هكذا يفترض- يملكها القائد وعليه مسؤولية اختيار الكفاءات المناسبة لتطبيقها. لا شعورياً، الارتهان للعقليات القديمة التي طال بها المكوث في موقعها ولم تتطور أدواتها ستشد القائد للأدنى والارتهان إلى فكرها، عبر زرع الشكوك في ذهنه والعقبات في طريقه، أمام كل قرار يريد اتخاذه. بعض العقليات القديمة تحدث تسمماً في عقليات العاملين بالمنظومة بإيحائها بأنه لا بديل عنها ولا قدرة للقائد باستبدالها أو الاستغناء عنها وهكذا تسهم في إقصاء الكفاءات المميزة، بشكل مباشر أو عن طريق استخدام القائد ضدها وتهيئة المسرح لكفاءات موالية ومشابهة لها. على القائد الذكي تجاوز فكرة تقريب الأصدقاء والفئة الموالية اجتماعياً ومهنياً والتعرّف على العقول النيِّرة الأمينة والمبدعة في المنظمة والاستفادة منها وإلا فإنه سيجد التغيير أختطفه أفراد بذاتهم يحافظون على استمراريتهم عبر خلق بؤر صراع دائمة داخل المنظمة، تجعل منه مجرد شيخ قبيلة يحل المشاكل بين قيادات وأفراد المنظمة، متورّطاً في ظاهرة ما يعرف بـ»فقاعة المدير التنفيذي». هذه الفقاعة يخلقها قائد المنظمة المتردد - الذي لا يملك ثقافة التغيير- حوله وتقود إلى عزله وحصر تواصله في مجموعة صغيرة توهمه بالولاء والثقة وتأييد أفعاله.
مشاركة :