القراء الأعزاء، لا يمكنُ بحال أن ننكرَ أهميةَ الدورِ الإعلاميِّ الذي تلعبُه وسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ في نقلِ المعلوماتِ والأفكارِ والأخبار، والتي تمثلُ الإعلامَ الحديث حيث تلعبُ دورًا إعلاميًّا مهمًّا موازٍ لدورِ وسائل الإعلام التقليدية ولرُبما يكون متقدمًا عليها، ولعل أهم علامات تقدمها على الإعلام التقليدي هو أنها مرغوبة من جميع الفئات العمرية ومتاحة لها بأدوات ميسّرة لا تتطلب جهدًا أو عناءً، باعتبار وجودها في الهواتف النقالة وغيرها من الألواح الإلكترونية الذكية المختلفة الملتصقة بالأفراد والتي أصبحت جزءًا لا يمكنهم الاستغناء عنه، بل إنها سهلت الانخراط فيها لفئة كبار السن، إذ من النادر جدًا ألا يمتلك أي شخص كبير أو صغير وسيلة واحدة على الأقل من وسائل التواصل الاجتماعي (whatsapp، facebook،twitter،Instagram....الخ). وهو أمرٌ حميد ومواكب للعصر ومستجداته من تطور تكنولوجي وحرّية الصحافة ووسائط الإعلام المختلفة كحجر أساسي لكل مجتمع ديمقراطي، ولكن هذه الوسائل العصرية تتمتع بمساحة من التطور والحرية التي يتيحها لها فضاؤها الافتراضي ما يجعل انتقال المعلومة يسري بنفس مفعول سرعة انتشار النار في الهشيم، من دون أن توجد ثمة ضمانات تتعلق بصحة هذه المعلومة، بخلاف وسائل الإعلام التقليدية التي تعمل وفق ضوابط وآليات مبنيّة على أسس من الالتزام بأخلاقيات المهنة وتحرى الدقة والصحة في كل شاردة وواردة من أخبارها وبياناتها. وقد كانت إشكالية مصداقية الأخبار والمعلومات التي يتناقلها الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي موضوع نقاش بيني وبين إحدى الصديقات إثر تداول أخبار مؤخرًا عن أحد اللقاحات وبعض التصريحات التي نسبت إلى منظمة الصحة العالمية، انتهى حوارنا إلى أنها طلبت مني الكتابة حول ما مدى صحة ما نقرأ من أخبار مجهولة المصدر في وسائل التواصل الاجتماعي، لذا سيكون محور موضوع اليوم مختلفًا قليلا عن سابقيه. والأخبار المغلوطة التي ترد عبر وسائل التواصل وبالأخص (الواتساب) كثيرة جدًا منها دينية، طبية وأدبية إلخ، ولكن لنتخذ المواضيع التي طرحت خلال اشتداد الأزمة الصحية المرتبطة بانتشار جائحة كورونا مثلا لننطلق منه نحو موضوعنا، فالبحرين ولله الحمد وبفضل توجيهات صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ملك البلاد المفدى ولجهود صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة والفريق الوطني الطبي لمكافحة فيروس كورونا التي تستحق جزيل العرفان والامتنان، لأنها أخرجت البحرين سالمة معافاة من هذا الوباء وضربت للأمم مثلا في فن إدارة الأزمات الطارئة بحيث أصبحت التجربة البحرينية أنموذجًا يُحتذى به دوليًّا، حيث كان محور الرسائل والمواضيع التي يتداولها مرتادو وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة من المعلومات والأخبار غير الموثوقة التي تنطوي على إيحاءات سلبية ومخيفة حول فيروس كورونا ومؤامرات دولية تُحاك ضد البشرية...، ولا يخفى على أحد أن الكثير من المتلقين يصدقون كل ما يصل إليهم من أخبار ومعلومات من دون تبصّر، كما لا يُخفى أيضًا أثر الأخبار التي كان يتم تداولها أثناء الجائحة على الصحة النفسية حينها، رغم أن أغلبها عارٍ من الصحة وغير موثوقة وربما كانت من تأليف من أطلقها طلبًا للشهرة أو لمآربٍ أخرى، ويعلم بذلك فقط الأشخاص الذين يمتلكون الوعي للبحث عن الخبر من مصدره الأصلي والذين لا يتبعون أي معلومة من دون التحقق من صحتها بإعمال العقل والمنطق والبحث عن الحقيقة. وبالنظر إلى حجم المعلومات التي يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وحجم الشريحة المتلقية لهذه المعلومات، وإلى الأثر الذي يترتب عليها على الرغم من عدم وجود ثوابت تؤكد صحتها من عدمها، فإننا نرى أنه يجب على الدولة مواجهة دفق هذا السيل من المعلومات، ولا سيما الجوهري منها والذي قد يتسبب بالضرر للجمهور، بتشريع يُلزم مرسلها بنسبتها إلى مصدرها الصحيح، شأنها شأن النشر في وسائل الإعلام التقليدية، ذلك أنه من الثابت بأن لكل تشريع قانوني حكمة تشريعية ينطوي عليها وتتمثل في الغاية التي يسعى التشريع إلى تحقيقها والمصلحة التي يبتغيها أو يبتغي حمايتها، غالبًا ما تتمثل في الحفاظ على النظام العام بعناصره المتعددة (الأمن العام- الوطني-، الصحة العامة، السكينة العامة، السلامة العامة والآداب العامة) أو الحفاظ على حقوق وحريات الآخرين، وحيث إن الأخبار مجهولة المصدر والسلبية تُعد سلوكًا ينطوي على إرهاب فكري قد يتسبب للمتلقي بالخوف والقلق والإضرار بصحته النفسية، وهي مصلحة جديرة بالحماية القانونية بتشريع مستقبلي إن اقتضت الحاجة، بعد تجريب فكرة إعمال برامج توعوية مكثفة تتعاون فيها جميع الجهات المختصة ومنها وسائل الإعلام التقليدية حول توعية الجمهور بالتحقق من صحة الأخبار الجوهرية والمؤثرة التي تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، أسوة بالجهد المشكورة لوزارة الصحة حينما قامت بتخصيص صفحة للرد على الشائعات المتعلقة بفيروس كورونا. ومن جانب آخر فإن هذا الأمر يقتضي تدخلا أيضًا من الجهات المختصة كلّ في مجالها بإصدار تصريحات تؤكد أو تنفي مثل هذه الأخبار والمعلومات لتمنح المتلقي طمأنينة وتخلق المزيد من الثقة بين الجمهور والجهة المختصة.
مشاركة :