الثعلب إذ يحكم قنّ الدجاج

  • 11/6/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن التدخل العسكري الروسي المباشر في الحرب الدائرة في سورية، وما صاحبه من دخول للكنيسة الأرثوذكسية على خط المواجهة، ووصفها هذا التدخل بـ «الحرب المقدسة» أعاد للذاكرة مسألة التدخل السوفياتي/الروسي في أفغانستان، وإن بخطاب ايديولوجي مختلف. والأمر دفع بالعديد من المواقف والمقالات، إلى استخلاص نتيجة مبكرة، مفادها أن هذه الحرب ستبوء بالفشل، باعتبار أن هذين الخطاب والفعل، سيثيران حفيظة وسخط «الشعب السوري» ومن يقف خلفه من مسلمي العالم، وعليه ستكون هزيمة روسيا حقيقة واقعة، كما حدث في أفغانستان! ومع إدراكنا لتقاطع الحالتين في السياقات السياسية العريضة، وتشابههما شكلاً في الغالب، إلا أن هذا لا ينفي تباين خصوصيات التجربتين. في مذكراته المعنونة «من الظلال» كتب مدير الاستخبارات المركزية السابق روبرت غيتس «أن الاستخبارات الأميركية بدأت بمساعدة الحركات المعارضة في أفغانستان، قبل ستة أشهر من التدخل السوفياتي». وفي 3 تموز (يوليو) 1979 وقع الرئيس جيمي كارتر توجيهاً يخول لوكالة الاستخبارات القيام بحملات دعائية بغية تحويل موقف الشعب الأفغاني من الحكومة اليسارية الموالية للسوفيات. ومن خلال عملها مع وكالة الاستخبارات الباكستانية، منحت وكالة الاستخبارات الأميركية قرابة 6 مليارات دولار، تضمنت أسلحة ومعدات وتدريبات، على مدار عشر سنوات. إضافة إلى دعم دول عربية خوفاً من تعاظم المد الشيوعي، وقد نجحت إلى حد كبير في هذا. مع ذلك بقي ميزان القوى لمصلحة السوفيات، إلى أن مررت الولايات المتحدة صواريخ ستينغر المضادة للطائرات الى المجاهدين، فكانت السبب المباشر في تعجيل الانسحاب الروسي من أفغانستان عام 1989. اللافت في هذه الحرب كان موقف الصين الشعبية، والذي كان داعماً للمقاتلين الأفغان ضد الروس، لسببين رئيسين هما النزاع الحدودي حول منشوريا الشمالية، والخلاف الايديولوجي بين الماركسية السوفياتية والماركسية الماوية. بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، اتفقت، عام 2004، روسيا الاتحادية بزعامة بوتين مع الصين الشعبية على تسوية النزاع الحدودي بينهما، وهو ما اعتبر منعطفاً تاريخياً، أسس لتحالف استراتيجي ارتكز على مجموعة حوامل منها ما هو سياسي وعسكري عكسته وحدة المواقف في مجلس الأمن، بالتزامن مع تزايد المناورات العسكرية المشتركة، وما هو أمني تمثل بمنظمة شنغهاي للأمن والتعاون الجماعي، واقتصادي ضمن منظمة دول البريكس، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين الى قرابة مئة مليار دولار، ناهيك عن الصفقة التي أبرمها البلدان ويتم بموجبها تزويد الصين بالغاز لثلاثين سنة مقبلة، ما ساعد موسكو في مواجهتها مع الغرب، لا سيما في الملفين الأوكراني والسوري. وكي نكون دقيقين، يجب ألا يغيب عن ذهننا أن ثمة متغيراً دولياً آخر فرض نفسه على المسرح السياسي والثقافي العالمي، ممثلاً بأحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، إذ شرّع مبدأ الحرب الاستباقية على الارهاب، وبهذا تقارب الروس مع الأميركيين، فأعطت واشنطن «تحالف الشمال» الأفغاني، معلومات ودعماً لوجستياً، كجزء من إجراءات متفق عليها، مع الهند وإيران وروسيا ضد نظام طالبان الأفغاني الداعم لتنظيم القاعدة، واستخدمت القواعد العسكرية الأميركية في طاجكستان وأوزبكستان. بهذا السياق كان افتتاح بوتين أكبر مسجد في روسيا، إدراكاً منه لأهمية وحساسية البعد الاسلامي، قبل أن يعلن حربه «على الارهاب» الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين، وبذلك سار على خطى نظيره الأميركي. وإذا ما نحينا التصريحات الخلافية التي تفرضها اللعبة السياسية، نرى أن الروس والأميركيين اتفقوا على أولوية محاربة داعش والنصرة، المدرجتين على لوائح الإرهاب بقرار من مجلس الأمن، وهذا ما عكسه البيان الأولي لاجتماع فيينا، والذي سيُتبع بقوائم تضم فصائل أخرى من المعارضة المسلحة، قريبة من فكر القاعدة، بحسب لافروف وكيري اللذين تركا مصير الأسد رهن انتخابات ديموقراطية تجرى بعد القضاء على الارهاب في سورية! ماذا يعني ذلك؟ في المضمون، يعني إضعاف المعارضة، عبر حشرها بين سندان داعش- النصرة ومطرقة النظام، وهذا ما حذرنا منه منذ أن تحالف الجيش الحر مع النصرة! وهذا مطلب ومسعى روسي - سوري عبر عنه بوتين والأسد، باشتراطهما على فصائل المعارضة نقل وجهة بندقيتها، لحجز مكان في العملية السياسية التي ستفضي إلى انتخابات مبكرة حال القضاء على الإرهاب! إذاً الروس ليسوا بمفردهم في مواجهة «الإرهاب الدولي». فالإدارة الأميركية بات توجهها جلياً، ولعل الرسالة التي وجهها كسينجر لأوباما قبيل التحضير لاجتماع فيينا، تؤكد ما نذهب إليه، حيث يقول: «إن الاتفاق مع بوتين لا يعارض مصالحنا القومية، فتدمير «داعش» هو الضرورة الأولى، قبل البحث في مصير الأسد»!. ويكفي أن ننظر للميدان لنرى حجم التنسيق والاتفاق الذي يتجلى بدعم الدولتين لوحدات «الحماية الشعبية» ضد «داعش». وعليه، فإلقاء أطنان الأسلحة من الطائرات الأميركية لهذه الوحدات، لم يحصل «من طريق الخطأ»، الأمر الذي أغضب حكومة أنقرة، الغارقة في مشاكلها الداخلية! يبدو أن الطرف الأميركي استبدل الأتراك بالأكراد، بدليل رفض واشنطن تحقيق مطلب أنقرة بقيام منطقة عازلة، والأرجح أن الأكراد ماضون بهذه المهمة، بالتنسيق مع النظام، بهدف السيطرة على طرق امداد «داعش» والمعارضة، وبذلك تكون روسيا وأميركا قد ضمنتا منافذ الحدود، بما فيها الجنوبية، بعد التنسيق الروسي مع اسرائيل والأردن. وهنا يصح القول إن الثعلب يحكم قنَّ الدجاج، وليس أي كلام آخر نرجوه!

مشاركة :