في كل مرة تقدم عملاً غنائياً جديداً، تأسرنا كارول سماحة بفكرة الموضوع وبإطلالتها وصوتها العذب، فهي تحرك الحواس الخمس لدى المتلقي ليشعر كأنها تخاطبه شخصياً. في أغنيتها الجديدة «يا شباب يا بنات» تطالعنا سماحة بعمل فني متكامل، فهي وضعت فيه جُلّ طاقتها، وقدراتها الفنية من تمثيل ورقص وأداء. قد تكون سماحة من الفنانات القليلات في العالم العربي، اللاتي يتمتعن بخلفية فنية غنية، وبمستوى علمي وثقافي يبرزان في حضورها. حصد عملها الغنائي الجديد في ظرف أيام قليلة، 4 ملايين مشاهدة على «يوتيوب» ومليوناً آخر على تطبيق «توك توك». كيفما فتحت وسائل التواصل الاجتماعي تشاهد صبية تغني «يا شباب يا بنات»، أو موسيقياً يعزف لحنها. تصدّرت الأغنية الترندات وشكّلت حالة فنية يحتاج إليها الناس متنفساً لهم، في ظل أزمات متراكمة يعيشونها. تتناول سماحة في الأغنية وبأسلوب سهل ممتنع موضوعاً شائكاً ينبع من الواقع، يحكي عن العلاقات المشبوهة التي تسجل هنا وهناك من البعض «تجوزنا ولا لأ عالحالتين ندمانين». وتغمز خلالها من قناة الاستخفاف بالعلاقات «لاڤ يو بيبي حبيبي هيدا كلو تمثيل». كما تنتقد الطاقة السلبية التي يفرغها البعض على الآخر «يا شباب يا بنات شو فيها هالحياة خلينا مبسوطين، أنا قلبي والله طق، من العالم يللي بتنق». فهل مخاطبة المتلقي بهذه السلاسة من دون إشعاره بالحرج، مهمة صعبة؟ تردّ كارول سماحة في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «الفكرة بحد ذاتها ليست بهذه الصعوبة لأنني استنبطها من واقع نعيشه ومشاهدات تلفتني. ولكن ترجمة الفكرة وكتابتها بأسلوب لا يؤذي المتلقي أو يتسبب بنفوره من العمل، هنا تكمن الصعوبة». كارول سماحة تؤكد أنّه من المفروض أن يشعر الفنان بالناس، فيكون مطّلعاً على واقعهم اليومي. «منذ فترة طويلة شعرت أني بحاجة إلى الموسيقى الفرحة والحرية والخروج من القوقعة التي فرضتها علينا الجائحة. لم يعد بمقدوري أن أسمع بالأحزان، إذ تأثرت نفسياً بشكل سلبي. اخترت الملحن والشاعر سليم عساف، لأننا سبق وتعاونّا معاً، وهو شخص مرن جداً، يمكنني أن أتناقش معه لساعات ويمكنه أن يستوعبني بسرعة. خطرت على بالي فكرة الزواج والعزوبية فوُلدت «يا شباب يا بنات». تتابع كليب «يا شباب يا بنات» والبهجة تغمرك من أوله لنهايته، كما أنّه يزودك بجرعات كبيرة من الطاقة الإيجابية. فكارول تطل في لوك زاهٍ، تحيط بها ديكورات ملونة تضفي الفرح على مشاهدها، فتجذبك بأدائها وصوتها وتمثيلها العفوي. «أُظهر في كليباتي المصورة قدراتي الفنية التي أتمتع بها، فأعدّها مسرحاً غنائياً من نوع آخر. إنّها ملعبي الحقيقي وأمام الكاميرا أعيش الحالة، وأبتعد عن التمثيل. كما أنني أختار دائماً المخرج الذي يعرف قدراتي هذه، وكيف يبرزها». وقّعت الكليب المخرجة بتول عرفة وهي صديقة قديمة لكارول تعرفها عن قرب. حفظت عفويتها وطبيعة شخصيتها فترجمتها بمهارة أمام عدستها. عملت سماحة على نص الأغنية مع الشاعر سليم عساف منذ أغسطس (آب) الفائت، أعادا معاً صياغتها أكثر مرة، تشاورا وتناقشا واستشارا المقربين منهما كي يقفا على وقعها لدى المتلقي. «أضع نفسي مكان المتلقي في كل مرة أحضّر لعمل. أصغي وأستمع بدقة إلى كل كلمة. أتشاور مع نفسي وأحياناً أحدثها بأنّ هذا يجوز وهذا العكس. فاختيار الكلام الواقعي يمكنه أحياناً أن ينزلق بنا إلى مكان غير مرغوب فيه. لذلك تكون عملية اختيار المفردات كاللعب بين الألغام. كما آثرت كلاماً حقيقياً وقريباً من القلب. عبارة (لوف يو بيبي حبيبي)، جاءت عفوية على لسان سليم عساف، فالتقطتها وطالبته بإدخالها على الكلام». لا تتوقف سماحة عن العمل بجهد حتى بعد تحقيقها النجاح تلو الآخر. «أغنيتي المقبلة أصبحت جاهزة، حالياً أفكر بالخطوات التي تليها. أواكب وأبحث وأشاهد، كي لا تجفّ أفكاري وتبقى نابضة». تشعر سماحة بأنّ العالم تبدل والمجتمعات تشهد تغييرات جذرية. لذلك معظم أعمالها المستقبلية تبتعد فيها عن الرومانسية، وتركز أكثر على المواضيع الاجتماعية. «ليس على بالي أن أدخل متاهة الوعظ في الأغاني، بل أن ألفت انتباه الآخر بسلاسة إلى ما أرمي إليه، من دون أن أفرض أفكاري، بل أتحدث عنها بسلاسة لا تزعج أحداً. (رح فش خلقي) وأعبر على طريقتي ودائماً بالتعاون مع سليم عساف. أتمنى أن يحب الناس أعمالي المقبلة، لأنّ الحظ يلعب أيضاً دوره في هذا الموضوع». تؤكد كارول سماحة أنّ تغييرات كبيرة استجدّت على الناس، فما عادوا كما في السابق. وفي الوقت نفسه تشعر بخطر وسائل التواصل الاجتماعي. فهي أسهمت بهذه التبدلات الجماعية السريعة. «إنّني مع كل الإيجابيات التي أحدثتها وسائل التواصل، ولكن لا يمكنني أن أغضّ النظر عن سلبياتها. فنحن مثلاً نخسر عنصر الإنسانية في حياتنا. سابقاً كنا نتواصل باحترام. كانت الهيبة حاضرة وهناك خطوط لا نتجاوزها. حالياً كل هذه القيم غابت، والجميع يسمح لنفسه بتجاوزها. انكسر الاحترام وحلّ مكانه الاستخفاف والإهانات. عدة عوامل أثّرت على الناس ولا نستطيع لومهم، وفي مقدمها الثورات العربية. فهي بدّلت في سلوك الشعوب وخصوصيات البلدان. الشعب اللبناني تغيّر بدوره وما عاد قادراً على الصمود تجاه الطاقة السلبية التي تمارَس عليه، فانهار وانهارت معه المبادئ والأخلاق. أرى أنّ بلداننا تعيش حالة من التسمم، تنعكس على الشعوب. كل هذه الأفكار سأترجمها في أغنياتي المقبلة». وتصف سماحة الفن بأنه يمر في حالة انحلال «لم يعد هناك من فرق بين عمل جيد وآخر سيئ. إنّنا نعيش في عصر التفاهة المطلقة، وهو أمر مؤسف جداً. أصبحت هناك مبارزة ومنافسة تدوران في حيز السخافة. لا يزال الإبداع حاضراً لكنه قليل». ثلاث أغنيات قدمتها سماحة مؤخراً مع شركة «لايف ستايلز»: «رحلة سعيدة» (Bon voyage)، و«شكراً»، وحالياً «يا شباب يا بنات». «شركة الإنتاج من شأنها أن تنعكس إيجاباً على الفنان، فيشعر بأنّ هناك من يسنده ويترجم أحلامه. وهو ما لمسته مع (لايف ستايلز) كونها شرعت الأبواب أمام أحلامي لتحقيقها». لا ترى سماحة نفسها مدمنة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنها تعرف تأثيرها البارز على الإنتاجات الجديدة. «لا أحب أن أكون بعيدة عن التكنولوجيا ولديّ متابعيّ طبعاً. وغالباً ما أغضّ النظر عن موضوعات أنفر منها، تبرز حب الشهرة عند البعض. نفتقد العمل معاً على أساس الهرمية والاحترام. الجميع أصبح نجماً وزعيماً ورئيساً. أعترف أنّه ربما لو عاد عمالقة من الفن إلى الحياة ودخلوا الساحة بأعمال جديدة، سيواجَهون بالطريقة نفسها، لأنّ التقدير والاحترام هما بحالة اضمحلال». غرّدت سماحة مؤخراً: «الكرامة فوق كل شيء فوق الصداقة والقرابة والحب». «إنّه شعاري في الحياة ويوماً ما سأصور وثائقياً وأبوح خلاله بأسرار كثيرة لم أذكرها من قبل ولا أستطيع التحدث عنها اليوم. هناك أشخاص يدوسون على كراماتهم من أجل الوصول، يزحفون ويقبّلون الأيادي. إنّه الشيء الوحيد الذي لم أقدم عليه يوماً، لا بل خسرت الكثير بسببه. وهذا الأمر يعود إلى تربيتي المنزلية، إذ تعلمت أنّ كرامتي تأتي قبل نجاحي. تعبت وقطعت طريقاً شاقاً كي أصل إلى ما أنا عليه اليوم، ولا أزال أجتهد لأن كرامتي فوق كل اعتبار». وعمّا إذا كان هناك من تعاون جديد منتظر بينها وبين مروان خوري الذي التقته مع زوجته في جلسة عائلية في القاهرة. «القعدة كانت عائلية، ولكننا ختمناها بالحديث عن العمل. فعلى بالي أن أتعاون معه في أغنية لا أتطرق بها إلى الرجل بشكل سلبي كما في أغنية (اتطلع في هيك)، و(حدودي السما)، و(خليك بحالك) وغيرها، يكون عملاً نتعاون فيه من جديد وبأسلوب يختلف عن سابقيه».
مشاركة :