أزمة مفتعلة تعيد إنتاج الاحتقان الطائفي في مصر القاهرة - تلقف إسلاميون متشددون في مصر سخرية كاهن كنسي سابق من النبي محمد والقرآن الكريم لإعادة إنتاج الاحتقان الطائفي بصورة تستهدف إظهار الأقباط وكأنهم أعداء للدين الإسلامي. وخرج الكاهن الكنسي زكريا بطرس في فيديو وهو يتطاول على النبي محمد ويسخر من الطقوس الإسلامية، وتم تسجيل الحلقة على فضائية مسيحية تُبث من الولايات المتحدة حيث يقيم هناك، ما أثار جدلا سياسيا ودينيا واجتماعيا. وتدخلت الكنيسة المصرية سريعا لاحتواء الموقف وقطع الطريق على المتشددين لافتعال أزمة طائفية، وقالت في بيان صحافي إن الكاهن “مشلوح”، أي مطرود من الكنيسة، ولا علاقة له بأي عمل كنسي بسبب أفكاره المتشددة، وأبدت رفضها لأي تجاوز قد يتسبب في جرح مشاعر المسلمين والتأكيد على محبتها لهم. ولم تهدأ وتيرة تصعيد المتطرفين على شبكات التواصل وذهب بعضهم إلى تسجيل مقاطع فيديو للرد على الكاهن الكنسي في محاولة لتسخين الموقف وإثارة توترات داخلية اعتاد هؤلاء توظفيها لمناكفة الحكومة من بوابة تغذية الاحتقان الطائفي الذي خمدت نيرانه بفعل مجموعة من السياسات الإيجابية اتخذتها الدولة مؤخرا. وتصدر المنتمون للتيار السلفي مشهد الأزمة باعتبارهم أكثر الفئات عداء للأقباط لأسباب ترتبط بكون المسيحيين أحد أهم الشرائح في مصر الذين أسهموا في ثورة الثلاثين من يونيو 2013 التي أطاحت بنظام حكم الإخوان المسلمين. ويُدرك السلفيون والإخوان جيدا أن ورقة الاحتقان الطائفي كانت وما تزال أسهل ثغرة يمكن النفاذ منها لمناكفة الحكومة، فهي تقود إلى ضرب السلم المجتمعي وإظهار النظام في صورة من يبدو عاجزا عن حماية الأقباط، ما قد يتسبب في اهتزاز الاستقرار الأمني والسياسي الذي تعيشه البلاد حاليا. واعتاد متطرفون في مثل هذه الأحداث تقديم أنفسهم للشارع باعتبارهم أكثر المدافعين عن الدين لكسب حصانة شعبية ضد سعي الحكومة لخوض معركة سياسية معهم. ويرى مراقبون أنه يصعب فصل النبش في الاحتقان الطائفي من جانب الإسلاميين المتشددين عن اقتراب الاحتفال بأعياد المسيحيين، وهو نفس التوقيت الذي يبدو أن الكاهن الكنسي اختاره لإشعال فتنة وضرب العلاقة بين الكنيسة ومؤسسات الدولة بعد زيادة التلاحم بينهما والتوافق حول تحركات ورؤى سياسية عديدة، آخرها عندما رفض الأزهر والكنيسة معا الاعتراف بالدين الإبراهيمي. ويبني هؤلاء وجهات نظرهم على كون الفيديو الذي انتشر ويظهر فيه الكاهن وهو يسب النبي محمد ليس حديثا، ولدى زكريا بطرس العشرات من الفيديوهات على قناته الشخصية بموقع يوتيوب التي يحاول فيها استفزاز مشاعر المسلمين، لكن هناك أطرافا تلقفت كلامه في هذا التوقيت لتصدير أزمة سياسية على أساس ديني. وكشف كمال زاخر الباحث في الشؤون القبطية أن كلام زكريا بطرس مر عليه أكثر من عشر سنوات، لكن هناك من يحاولون إعادة إنتاجه ضمن حملة تستهدف ضرب النسيج الوطني وتفريغ مصر من قواها التي يمثلها الترابط الإسلامي - المسيحي. وأكد أن شغل مصر بأزمات داخلية مثل الوقيعة بين المسلمين والأقباط سيظل هدفا للمتطرفين، وملف الأقباط من الملفات الاستراتيجية بالنسبة إلى الدولة المصرية لأنه أكثر ما يوجع النظام ضرب عصب الوحدة الوطنية، والبعد الطائفي قد يكون مدخلا لمحاولة تفكيك مصر. وأظهرت ردود فعل كثيرين أن الأغلبية صارت أكثر وعيا وفهما لما يدور في الكواليس، وإلى أي درجة يحاول المتشددون من الأقباط والمسلمين النفخ في النار، لكن المعضلة في الفئات المجتمعية التي يُحركها سلفيون في أماكن حضورهم فيها كبير. وما زالت بعض محافظات صعيد مصر بؤرة مهيأة لاحتضان أحداث طائفية لاستمرار وجود جماعات إسلامية هناك، وزيادة نشاط التيار السلفي على وجه الخصوص، وهؤلاء يلعبون على وتر كراهية الأقباط للمسلمين، ومن السهل استثمار فيديو لإثبات صحة موقفهم دون تأكيد أن المتحدث مطرود من مصر وهارب إلى الولايات المتحدة. وتعكس واقعة الكاهن زكريا بطرس أن معركة الحكومة ضد التشدد الديني لم تؤت ثمارها بعد، وما زال المناخ مهيأ لإحداث وقيعة بين مسلمين وأقباط بغرض ابتزاز الحكومة من بوابة الدين واللعب بعواطف المسلمين باستفزاز مشاعرهم. واشارت أصوات متشددة إلى التشكيك في نوايا الحكومة وأنها تُحابي الأقباط على حساب المسلمين، بدعوى أنها لم تعلق بالإيجاب أو السلب على كلام الكاهن الكنسي لتأليب الناس عليها وإقناعهم بأن تكريس مدنية الدولة هدفه استرضاء الأقباط.
مشاركة :