باحث ألماني: ممارسة شعائر الإسلام لا علاقة لها بالإسلام السياسي

  • 11/15/2021
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

السماح للمسلمين برفع أذان صلاة الجمعة بمكبرات الصوت تجربة أطلقتها مدينة كولونيا الألمانية لمدة عامين أشعلت جدلا بألمانيا. ماتياس روهه باحث ألماني خبير بالشريعة الإسلامية والقانون الألماني يحلل لموقع قنطرة حجج المعارضين. تجربة مدينة كولونيا السماح برفع الآذان عبر مكبرات الصوت ليست الأولى في ألمانيا، لكنها الأكثر إثارة للجدل! ما سبب الضجة المثارة في ألمانيا حول السماح برفع أذان صلاة الجمعة الإسلامي عبر مكبرات الصوت في الفضاء العام لمدينة كولونيا الألمانية ؟ ليس بالإمكان بالتأكيد إعادة السبب إلى أن متطرفين مسلمين هم الذين تقدموا بطلب السماح برفع أذان صلاة الجمعة بمكبِّرات الصوت لأن قرار إدارة بلدية كولونيا لم يأتِ بناءً على طلبٍ على الإطلاق بل إنه جاء على ما يبدو من دون سبب معيَّن وإنما اعتمادا على مضمون قانون ألماني ساري المفعول يسمح برفع أذان صلاة الجماعة في ظُهر أيام الجمعة لمدة خمس دقائق، وهذا القانون الألماني الساري المفعول هو ما نكاد لا نجد أثرا له في الجدل المشتعل الدائر حول الأذان في ألمانيا بقدر ما نجد بشكل أكبر بكثير حساسيات وسوء فهم ومعلومات مضللة وتَمَوْضُعات في مواقع هجومية. وحين نلقي نظرة على الحقائق نجد أن نداء الصلاة الإسلامي بمكبِّرات الصوت مندرج من حيث المبدأ ضمن الحرِّية الدينية الراسخة في القانون الأساسي الألماني وبالتحديد في المادة الرابعة من الدستور الألماني، وهذا حق مثل جميع الحقوق الأساسية الأخرى تُقَيَّم وتُوازَن في سياقه كل حالة فردية على حِدَة لمعرفة إنْ كانت توجد حجج مضادة أكثر أهمية ولها الأسبقية على هذا الحق المحدَّد، وهي حجج مضادة من شأنها مثلًا أن تنشأ في حالتنا هذه مستندةً بشكل خاص على المادة الثالثة من القانون الألماني الاتحادي لحماية البيئة المُلزِم بضرورة تجنُّب المخاطر أو الأضرار الكبيرة أو المضايقات الكبيرة للمجتمع العام أو للجوار المجتمعي، وهذا التقييم ينطبق بالمناسبة أيضا على صلصلة أجراس الكنائس. وفي هذا الصدد وعلى المستوى الدستوري بالإمكان الإشارة أيضا إلى قانون "الحرية الدينية السلبية" الذي من شأنه الحماية من حصول مواجهة مفرطة مع الدين في الأماكن العامة، وما من شكّ في أنَّ من شأنه أيضا استبعاد رفع الأذان الإسلامي بمكبِّرات الصوت أثناء الليل ومنع الصوت العالي الزائد عن الحد بشكل عام في جوار المرافق الحساسة مثل المستشفيات. ولكن هذا هنا ليس موضع خلاف، ففي معظم الحالات يُسمح بالأذان القصير -غير المرفوع بصوت عالٍ على نحو مُفرِط- في منتصف يوم من أيَّام العمل، وهو يوم الجمعة بألمانيا في حالتنا هذه، ولكن يجب بكلِّ تأكيد تفحص كلِّ حالة منفردة على حِدَة، علمًا بأنه قد تم تطبيق ذلك في مدن ألمانية كثيرة من دون حدوث صراعات تستحق الذكر. ماتياس روهه: هتاف المؤذِّن بـ"الله أكبر" غالبًا ما تتم ترجمته بشكل خاطئ غير دقيق، وهذا الهتاف يعني بشكل صحيح وبسيط هكذا: "الله عظيم" حقوق الأقليات هي حقوق أساسية غير مسموح للأغلبية بالمساس بها ولكن ما الذي يجب استخلاصه من الحجج المضادة المطروحة؟ أوَّلًا: تقول حجة مضادة إنَّ "صلصلة أجراس الكنائس هو جزء من تراث البلاد الثقافي على العكس من صوت الأذان"، وهذا صحيح بالتأكيد حتى هذا الوقت ولكنه ليس مهمًا من الناحية القانونية، لأنَّ قانون الدولة الدستورية العلمانية قانون مرن ويتفاعل مع الحقائق المتغيِّرة. فمع وجود ملايين من السكَّان المسلمين في البلاد، من الطبيعي أن يُنشِئوا هم أيضًا بنية تحتية دينية ويصبحوا بالتالي مرئيين ومسموعين لعامة الناس. ثانيًا : تقول حجة مضادة أخرى إنَّه "يتم الإعلان من خلال الأذان عن رسالة دينية خاصة، على العكس من أجراس الكنائس". وهذا صحيح جزئيًا فقط، فعلى الأرجح أيضًا أنَّ معنى رنين أجراس الطقوس الدينية مفهوم للكثيرين حتى من دون كلمات، لأن صلصلة جرس الساعة الثانية عشرة، الذي ما نزال نسمعه حتى اليوم، كان يسمى سابقًا باسم "صلصلة جرس الأتراك"، وكان القصد منه منذ القرن الخامس عشر هو الاحتفال بالنصر في الحرب على "التهديد التركي" -ففي ذلك الوقت ومع تقدُّم العثمانيين كان يوجد خطر سياسي حقيقي- على العكس مما هو في يومنا هذا. زد على ذلك أنَّ هتاف المؤذِّن بـ"الله أكبر" غالبًا ما تتم ترجمته بشكل خاطئ غير دقيق، وهذا الهتاف يعني بشكل صحيح وبسيط هكذا: "الله عظيم". ولعشَّاق قواعد اللغة العربية، التي يبدو أن كثيرين من العرب المقيمين هنا في ألمانيا لا يعرفونها: "أكبر" هنا ليست صيغة مقارنة ("الله أكبر" - أكبر من ماذا في دين صارم في مسألة التوحيد؟)، فنظرا لعدم وجود أداة التعريف [الأكبر] فإنَّ "الله أكبر" بالتأكيد ليست صيغة مفاضلة نسبية بين شيئين ، بل هي مما يسمى بـ"اسم تفضيل مُطلَق" ضمن المعنى المذكور وغير قائم على مقارنة بين شيئين -ومسموح قول هذا في ظلّ قانون حماية الحرِّية الدينية في ألمانيا- كما أن المسيحيين العرب يفعلون ذلك أيضا. أمَّا أن تكون لمعظم الديانات ادعاءاتها الخاصة بالحقيقة المطلقة فهذا أيضًا حقيقة غير مدهشة، فالديانات هي في ذلك مثل كثير من المعتقدات الدنيوية الأخرى التي تنسب الحقيقة المطلقة لنفسها أيضا، سواء كانت معتقدات غير دينية أو معتقدات مناهضة للدين. ثالثًا : ثمة حُجة مضادة تقول إن "غالبية المواطنين يعارضون رفع الأذان بصوت جهور مسموع لعامة الناس". قد يكون الأمر كذلك ولكن هذا غير مهم من الناحية القانونية. يمكن للأغلبية الديمقراطية أن تقرِّر أشياء كثيرة، ولكن لا يمكنها أن تحرم الأقليات من حقوقها الأساسية. فمن واجب دولة القانون حماية الأقليات، وهي لذلك لا تسمح بقرارات الأغلبية حول فرض القيود على الحقوق الأساسية. و بصرف النظر عن ذلك، فإنَّ معظم الجاليات المسلمة تتخلى عن رفع الأذان بصوت مسموع لعامة الناس في منطقة غالبيتها غير مسلمة وذلك لأنَّ الأذان يفقد معناه هناك؛ اليوم يُذكِّر تطبيق الصلاة (في الهواتف الذكية) الناس بموعد الذهاب إلى المسجد في الوقت المناسب. وهذه من دون شكّ حجةٌ صحيحة، ولكن مع ذلك لا يمكن تقييمها إلَّا من قِبَل الأشخاص المعنيين بالأمر شخصيًا. ولكن مع ذلك يجب الاعتراف أيضًا بأنَّ الحضور في المجال العام يشير إلى مشاركة رمزية في حياة المجتمع كله. لم يكن الوضع مختلفًا عندما تم لأوَّل مرة بناء كُنس يهودية تمثيلية في مراكز المدن الألمانية إثر التحرُّر المدني لليهود. ومن اللافت للنظر مدى تشابه بعض الحجج الموجَّهة ضدَّ الأذان الإسلامي اليوم مع التحفُّظات المقدَّمة في ذلك الوقت ضدَّ بناء الكُنس اليهودية. مصطلح "الإسلام السياسي" فَقَدَ كلَّ معالمه رابعًا : توجد حُجة مضادة تقول إنه "مع السماح برفع الأذان الإسلامي بصوت مسموع لعامة الناس، تتم مغازلة ممثًّلي الإسلام السياسي‘ من قِبَل الدولة الألماني ة أيضًا". هذه "الحجة" كثيرًا ما تُسمع في الوقت الحاضر وهي ضمن سياقها المحدَّد حجة مثيرة للجدل ومعادية في نهاية المطاف لدولة القانون. لا يمكن إنكار وجود مشكلات كبيرة بسبب تطرُّف المسلمين وكذلك بسبب العديد من أنواع التطرُّف الأخرى وخاصةً التطرُّف اليميني في ثوبيه القديم والجديد، وبسبب كراهية المسلمين غير الدستورية. تنشأ مثل هذه المشكلات من مطالبة بالسلطة تقوم على أساس ديني تتعارض مع سيادة القانون، ولكن مع ذلك لم تُقدِّم أية منظمة عاملة وفق هذه المواصفات طلبًا إلى الدولة حول ذلك. لا يمكن مطلقًا اعتبار ممارسة الدين التقليدية المجرَّدة -سواء كان ذلك من خلال اللباس أو عادات الطعام أو من خلال طقوس معيَّنة- "إسلامًا سياسيًا" بالمعنى الصحيح لهذه المشكلة. الادِّعاء الواهي بأنَّ الدولة "تغازل" منظمات الإسلام السياسي يُظهِر أنَّ هذا المصطلح قد فَقَدَ في النقاش العام كلَّ معالمه وبات يُستخدم من حين إلى آخر كوسيلة للشجب والاستنكار. الاشتباه العام بالمسلمين المرتبط بذلك من دون وجود شكاوى محدَّدة وملموسة هو انحراف صريح عن التفكير الدستوري، فبحسب هذا التفكير يصبح التخلي عن المواقف المحمية بموجب الدستور شرطًا للولاء للقانون - وهذه سخافة. من الضروري للغاية العمل مع الغالبية العظمى من السكَّان المسلمين من أجل تعايش سلمي في ظلّ الاحترام المتبادل، وكبح جماح الأطراف المتطرِّفة في جميع أجزاء المجتمع - هكذا تعمل دولة القانون. ومع ذلك يُنصح كثيرًا بعدم المبالغة -وكما يشير مَثَلٌ ألماني يحث على عدم المبالغة يُنصَح بـ: "ترك الكنيسة والمسجد في القرية"- لأنَّ فرط التنفس يسبِّب صعوبة في التنفُّس. ماتياس روهه ترجمة: رائد الباش / ع.م حقوق النشر: موقع قنطرة 2021 ar.Qantara.de

مشاركة :