أعاد حادث القتل المأساوي للنائب «ديفيد أميس» في منتصف أكتوبر 2021 إلى ذاكرة البريطانيين المخاطر الأمنية المترتبة عن الإفراج عن المتهمين في قضايا الإرهاب مع احتمالات عودتهم إلى القيام بعمليات إرهابية من جديد. وفي ضوء ذلك، تظل الجهود التي تبذلها الحكومة البريطانية والنظام القانوني في عملية مكافحة الإرهاب وكل من يشكل خطرا أمنيا شديدا على المجتمع المدني ذات أهمية قصوى، وجزء أساسي من هذه العملية هو الأحكام الصادرة بحق المدانين بالجرائم المتعلقة بالإرهاب، وذلك لمنعهم من تنفيذ مثل هذه الهجمات مرة أخرى، وبالنظر إلى ضرورة تحقيق توازن مناسب في هذا الصدد، فليس من المفاجئ أن تكون المسألة خلافًا غالبًا بين واضعي السياسات والمهنيين القانونيين وخبراء مكافحة الإرهاب. وفي الآونة الأخيرة، نوقش بشكل مكثف في المحافل القانونية والسياسية تمديد حكومة المملكة المتحدة للحد الأدنى من مدة السجن القانونية اللازمة لأولئك المدانين بارتكاب جرائم الإرهاب من 10 إلى 14 عامًا، وذلك كجزء من قانونها لمكافحة الإرهاب وإصدار الأحكام. ورغم أنه من المتفق عليه عالميًّا أن تشريعات الإرهاب بحاجة إلى تحديث، لا سيما فيما يتعلق بأحكام السجن وجهود مكافحة التطرف، فإن الطريقة الأكثر فعالية لمنع احتمالية ارتكاب الإرهابيين والمتطرفين المدانين جرائم أخرى بعد إطلاق سراحهم لا تزال محل خلاف. وبدأت الحكومة البريطانية عملية إصلاح قانوني لعقوبات السجن الرادعة التي صدرت بحق المدانين في الجرائم المتعلقة بالإرهاب، بهدف منح سلطات أكبر للقضاة في إصدار عقوبات أشد لمثل هذه الجرائم. وذلك بعد هجومين إرهابيين كبيرين في لندن في فترة ثلاثة أشهر، وبالتحديد هجوم «فيشمونغرز هول» الإرهابي الذي نفذه عثمان خان في نوفمبر 2019. وهجوم الطعن الإرهابي الذي قام به سوديش أمان في فبراير 2020. في ستريتهام، جنوب لندن، ودخل القانون الجديد للعقوبات ومكافحة الإرهاب حيز التنفيذ في أبريل 2021. ينص القانون على حد أدنى من السجن مدة 14 عامًا للمدانين بأخطر الجرائم الإرهابية، بالإضافة إلى فترة مراقبة تصل إلى 25 عامًا، فضلا عن، منع الإفراج المبكر عن مرتكبي جرائم الإرهاب، كما يواجه الأفراد الذين يسافرون إلى الخارج لمناطق الحرب - على نهج أولئك الذين انضموا إلى داعش في العراق وسوريا- عقوبة لا تقل عن 14 عامًا، علاوة على ذلك، يمنح القانون القضاة سلطة مد أي حكم لأكثر من عامين لأي جريمة إذا كانت لها «صلة إرهابية». وأكدت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، أن القانون الجديد الذي وُصف بأنه أكبر تغيير في قوانين أحكام ومراقبة الإرهاب منذ عقود، سيحافظ على سلامة العامة. وأعاد وزير العدل دومينيك راب في أكتوبر 2021. تأكيد أن المبادئ التوجيهية للأحكام الجديدة سترسل رسالة قوية إلى أولئك الذين «يقتلون ويشوهون باسم الآيديولوجيات المتطرفة». كما أكد مجلس إصدار الأحكام في إنجلترا وويلز، الذي يسعى إلى ضمان اتباع نهج متسق بشأن نظام العدالة الجنائية، أنه سيقدم المشورة للقضاة بتنفيذ الحد الأدنى القانوني لعقوبة السجن مدة 14 عامًا بحق الجرائم الإرهابية. ومع ذلك، لم تلق تلك التغييرات ترحيبًا من الجميع. ونبعت معارضة الأكاديميين والخبراء الأمنيين والسياسيين لهذه الإصلاحات من أنها ليست مرنة بما يكفي لاستيعاب والتعامل مع خطورة القضايا المتعلقة بها؛ نظرًا إلى إمكانية احتفاظ المتطرف المدان بارتكاب جرائم إرهابية بإيمانه بنفس الآراء المتطرفة طيلة فترة عقوبته، ثم إطلاق سراحه، ومن ثم وجود خطر ارتكابه هجمات أخرى. واعترض جوناثان هول كيو سي، المراجع المستقل في المملكة المتحدة على قانون الإرهاب، موضحًا أنه لا «دليل» على أن عقوبات السجن لمدد أطول ستردع الإرهابيين المحتملين من التخطيط للهجمات»، وأضاف: «الإرهابيون الذين أزهقوا العديد من الأرواح؛ من غير المرجح أن يردعهم السجن مدة 14 عامًا». واختتم ملاحظاته بذكر كيف أن هذا التغيير من شأنه أن يوفر «ظرفًا مُعيقًا»، ويؤخر فقط ما يشكله المتطرفون من خطر، بدلا من إزالته تمامًا. بالإضافة إلى هذا النقد، استشهد ديفيد لامي، وزير العدل في حكومة الظل بأدلة على أن بعض الجرائم الإرهابية «تفاقمت» بسبب أحكام السجن الثابتة، وعلق قائلا «لا فائدة تذكر من زيادة العقوبات على الإرهابيين إذا ما كان سيُطلق سراحهم بعد بضع سنوات فقط»، في الوقت «الذي لا يزالون فيه ملتزمين باعتناق آيديولوجيتهم المتطرفة، وما زالوا مُصممين على إحداث الفوضى». ومن منظور شرطي، دعا السير مارك رولي، رئيس شرطة مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة بين عامي 2014 و2018. إلى استخدام عقوبات غير محددة لمرتكبي جرائم الإرهاب. وأكد أن هذا سيعني عدم إطلاق سراح المُدانين بجرائم تتعلق بالإرهاب حتى يعتبرهم مجلس الإفراج المشروط في السجون البريطانية أشخاصا آمنين بما يكفي للعودة إلى المجتمع المدني. ومن ثَمً، يجب أن يتم مناقشة احتمال إطلاق سراح شخص لا يزال خطيرًا من السجن. وتبريرًا لموقفه من منظور قانوني، صرح رولي بأن «منع أولئك الذين يُقبض عليهم من تكرار جرائمهم عند مغادرتهم السجن يتطلب نظامًا قضائيًّا يفهم أن التهديدات التي تحركهم آيديولوجيا لا يمكن التعامل معها مثل الجرائم التقليدية». ومن خلال اعتراف الحكومة البريطانية في تقييم الأثر المنصوص عليه في قانون مكافحة الإرهاب وإصدار الأحكام، في أن الأحكام الأطول يمكن أن تمنح المتطرفين المزيد من الفرص للانخراط في برامج مكافحة التطرف، فإن مثل هذه الأحكام تخاطر بـ«قيام الجناة بإشباع الآخرين بالأفكار المتطرفة طيلة فترة مكوثهم في الحجز». في الواقع، وافقت وثيقة سياسات من وزارة العدل ووزارة الداخلية على وجود «أدلة محدودة» على «تأثير فترات السجن الأطول في إعادة الإجرام» عندما يتعلق الأمر بالجرائم الإرهابية، وفي حين أنه «من الجائز أن يكون تطبيق الحد الأدنى من مدة الحبس مدة 14 عامًا على أخطر المجرمين الإرهابيين خطورة؛ بمثابة رادع لمرتكبي الجرائم الإرهابية المحتملين»، إلا «أنه بالرغم من ذلك لا يوجد دليل قائم حاليًا يدعم مثل هذا التقييم». تجدر الإشارة إلى أن مسألة فرض الأحكام والعقوبات الأكثر صرامة لها الكثير من السوابق، فقد حُكم على عضو تنظيم القاعدة «محسن تشودري» بالسجن 25 عامًا عام 2020 بعد قيامه بالتخطيط لشن هجوم إرهابي في لندن، بينما تم الحكم على البريطانية المتحولة إلى الإسلام التي كانت قد أدت الولاء لـداعش «صفية الشيخ» بالسجن مدة أربعة عشر عامًا عام 2020 بتهمة التآمر لتفجير كاتدرائية القديس بولس بإنجلترا. وحينما يتركز النقاش على إجراءات إصدار الأحكام المناسبة التي قد تتخذها المملكة المتحدة فيما يتعلق بإدانة أولئك المحتجزين في جرائم متعلقة بالإرهاب، يجب ألا يصرف هذا الأمر الانتباه عن المشكلة الجوهرية، وهي معالجة الإخفاقات في منع انتشار ظاهرة التطرف بين أولئك الذين يقبعون داخل السجون البريطانية. في الواقع، في أوائل نوفمبر 2021. أشار تقرير للقاضي مارك لوكرافت، الذي كان كبير المحققين الشرعيين وهو الآن أكبر قاض جنائي في محكمة «أولد بيلي» الجنائية بلندن إلى «مسائل مثيرة للقلق» بشأن إجراءات وأحكام السجن الصادرة بحق مرتكبي الأعمال الإرهابية، وأنه في رأيه، «هناك مخاطر من احتمال وقوع الكثير من الضحايا المدنيين في الأيام المقبلة ما لم يتم اتخاذ إجراءات لمعالجة عدد من القضايا»، وعلى وجه الخصوص، حذر القاضي في تقريره من خطر «التنفيذ الخاطئ» لبرامج مكافحة التطرف وخطورة «وضع الإرهابيين على اتصال وثيق ومستمر مع «صغار» وراء القضبان. وانطلاقًا من دوره الرقابي المستقل، يقوم المراجع المستقل لتشريعات الإرهاب، جوناثان هول، أيضًا بمراجعة مدى ملاءمة البرامج المعنية بمعالجة انتشار الجرائم الإرهابية وأعمال التطرف للنزلاء داخل السجون البريطانية. ولعل النتائج التي توصل إليها القاضي لوكرافت، في مارس 2021. تتفق مع رأى «هول» بأن هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى نجاح المملكة المتحدة في برامجها للحد من العنف وفك ارتباط النزلاء بالتطرف وأيدلوجيته المتشددة، نظرًا إلى أنهم يعانون مما أسماه «السلوك التخريبي المتعمد». علاوة على ذلك، لا تزال هناك مخاطر أخرى مرتبطة بمكافحة الإرهاب. ففي سبتمبر 2021. كشف جهاز المخابرات الداخلية البريطانية (إم آي 5) أنه تم إحباط 31 مؤامرة إرهابية «في مرحلة متأخرة من التخطيط لها» بالمملكة المتحدة خلال السنوات الأربع السابقة، وارتبط «عدد متزايد» منها بالجماعات اليمينية المتطرفة. كما أن الجهود المبذولة لمكافحة التطرف قد تعقدت أيضًا بسبب اللجوء إلى استخدام البرامج المعنية في هذا الصدد عبر الإنترنت أثناء انتشار جائحة فيروس كورونا، ومن هذا المنطلق صرح الباحث جاكوب ديفي، من معهد الحوار الاستراتيجي (ISD) ومقره لندن بأنه يظهر «انتشارًا للأنشطة الضارة والمتطرفة والمثيرة للقلق على شبكة الإنترنت». وأضاف أنه كانت هناك «أدلة على انتشار المحتوى الإلكتروني المتعلق بتناول مجموعة واسعة من قضايا التطرف أثناء فترة الإغلاق». كما أعلنت وحدة الإحالة الداخلية لمكافحة جرائم الإرهاب عبر الإنترنت والتابعة للشرطة البريطانية (CTIRU) زيادة بنسبة 7% في المحتوى المشتبه في ارتباطه بالإرهاب والذي تم الإبلاغ عنه في عام 2020 مقارنة بالعام السابق. لهذا، أشار «بول جيل» من جامعة كوليدج إلى أنه منذ هزيمة داعش، كان هناك «عدد أقل من المؤامرات الإرهابية الموجهة»، ولكن «زيادة في المبادرة الذاتية لمواجهة المواد المتطرفة»، بفضل عمليات الإغلاق في مختلف البلدان، خاصة وأن هذه «المواد تمثل عوامل خطر قادرة على زرع بذور التطرف». يتضح من هذه الأرقام المقلقة، والخلافات بين الحكومة والمحللين حول الطريقة الصحيحة لهيكلة الأحكام بالسجن المفروضة على الإرهابيين والمتطرفين المدانين، لا تزال المملكة المتحدة تواجه تهديدًا شديدًا للأمن القومي من الأعمال الإرهابية. وعلى هذا النحو، لا تزال هناك حاجة إلى الاهتمام بمثل هذه الأخطار ومواجهتها، بالإضافة إلى ضرورة وجود مرونة للاستجابة لأعمال التطرف وخفض مستوى الهجمات التي تستهدف قتل أو إصابة الأبرياء. ومع ذلك تظل المملكة المتحدة ملتزمة بمعالجة هذه القضايا كجزء من قانون مكافحة الإرهاب الصادر في أبريل 2021 والأحكام الأخرى. هذا وتعهدت الحكومة البريطانية بزيادة تمويل جهود مكافحة الإرهاب، بزيادة قدرها 90 مليون جنيه إسترليني على أساس سنوي من أجل «دعم» عمليات الشرطة والتحقيق.
مشاركة :